كتب - أحمد مطاوع «الظلم، القهر، التعذيب، سرقة الآمال، اغتيال الأحلام، قتل المستقبل».. صورتين لطفل صار شابًا على مشارف ال19 عامًا الآن، الفارق الزمنى بينهما أكثر من عامين تقريبًا، قضاهما داخل "زنازين العتمة"، تلخصان المأساة التى طالما ارتبطت بمصر على مدار عقود طويلة، واستمرت حتى بعد ثورتين شعبيتين. وطن بلا تعذيب.. هذا هو الحلم الذى رسم على أنسجة "تيشيرت" لطالب تمنى بكل أمل ونشوى مستقبل أفضل لوطنه، فى ذكرى الحرية والكرامة، ثورة 25 يناير، وبالتحديد يوم ذكراها الثالثة عام 2014، ليقترن الحلم باسمه داخل ظلمات السجن ويتحول ل"معتقل التيشيرت"، وهاتان الصورتان للطالب فى الصف الثانى بالثانوية العامة، محمود محمد. "الصبي كبر وبَقى شاب. خلو بالكم من معنى نظرة العيون لما تكبر في الضلمة. سنتين حبس إحتياطي في بلد القانون.. الحرية".. عامان من التحولات لخصتهما الإعلامية اللبنانية ليليان داوود، مقدمة برنامج الصورة الكاملة على فضائية "ON TV"، تعليقًا على صورتين لطال الثانوية العامة أظهرت التغييرات التى طرأت على طفولته قبل احتجاب النور عن نموها، ونضوجه حتى أصبح شابًا داخل جدران الظلم؛ تحولت فيهما نظراته الطفولية الخجولة إلى الحدة والعناد وكأنه فى موضع القوة، وابتسامته الصافية أصبحت ذات معانى وتحمل رسالات مملوءة بالسخرية من الظلم والتحدي وثقة الانتصار، وإن طال الزمن داخل أنسجة تعذيب الحرية، الذى طالما رفض كافة أشكاله عبر "تيشيرته" قبل أن يذوق مرارته ويزداد إيمانه بحلمه لوطنه. أمرت نيابة شرق القاهرة، أمس الأربعاء، بإحالة التحقيق بقضية "صاحب تىشيرت وطن بلا تعذيب"، إلى نيابة أمن الدولة العليا لتولي التحقيق فيها، وذلك للاختصاص. وأكد دفاع المتهم، أن قرار الحبس الاحتياطي سقط عن موكله، وفقًا للمادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، وذلك لمرور أكثر من سنتين على حبسه احتياطيًا دون إحالته للمحاكمة، وهو ما يوجب الإفراج عنه فورًا بقوة القانون. تضامن الإعلامى يوسف الحسينى مع الطفل محمود أحمد، حيث ظهر مرتديًا تيشيرت مطبوع عليه شعار "وطن بلا تعذيب"، في حلقة يوم الثلاثاء، من برنامجه "السادة المحترمون"، عبر فضائية "أون تي في"، قائلًا "لو ارتداء التيشيرت ده تهمة، يا ريت البوكس يدخل بضهره.. طفل بقاله 755 يوم في الحبس، دون تهمة ولا محاكمة حتى هذه اللحظة، بالمخالفة للقانون والدستور". الواقع كسر حدود الخيال فى وطن يعج بكل أشكال انتهاكات وامتهان حقوق الإنسان، لا تتعجب إن وجدت طفل لم تتخط خبراته فى هذه الحياة 4 سنوات قضاهم كأغلب من فى سنه بلا وعى بين محاولات الزحف وصدمات السقوط من أجل الوقوف وتعلم السير على قدميه اللبنتين، واستجماع حروفًا مازال عاجزًا عن نطقها، ليشكل من خلالها مجموعة كلمات بسيطة لا يتقن نطقها بشكل صحيح، حتى يدرك بها فقط مسميات الأشياء حوله، يحكم عليه بالمؤبد. قال فيصل السيد، عضو هيئة الدفاع في القضية رقم 280 لسنة 2014، إداري بندر الفيوم فى تصريحات صحفية، إن محكمة غرب القاهرة العسكرية قضت بالسجن المؤبد على 116 متهمًا من بينهم الطفل أحمد منصور قرنى "3 سنوات وخمسة شهور"، فى القضية المعروفة إعلاميًا ب"اقتحام مبنى المخابرات العامة ومديرية الصحة". موضحًا أن تحريات الأمن الوطنى أرفقت اسمه بالقضية أمام النيابة، وأن المحامين قدموا شهادة الميلاد الخاصة بالطفل، والتى توضح صعوبة الاتهامات الموجهة إليه خلال القضية ب"قتل متظاهرين"، إلا أن القضية أحيلت للمحكمة العسكرية وصدر الحكم الثلاثاء غيابيًا. أظافر ناعمة تحترق.. أرقام ووقائع مرعبة فى إحصائية ذكرها تقرير فريق الاعتقال التعسفي بالأمم المتحدة، نشرت منتصف العام الماضى، قالت إ ن الاعتقال فى مصر ممنهج وواسع الانتشار، مشيرًة الي أن عدد الاطفال المعتقلين منذ 30 يونيو 2013 حتي نهاية مايو 2015، أكثر من 3200 طفل تحت سن 18 عامًا ، تعرضوا للتعذيب والضرب المبرح داخل مراكز الاحتجاز المختلفة. ورصدت منظمات حقوقية ومحامون، مؤخرًا، عدد الأطفال المعتقلين، والذى بلغ 642 طفلًا، أعمارهم ما بين 12: 18 عامًا، وجهت لهم العديد من التهم، أبرزها التظاهر بدون ترخيص، والتحريض على العنف والكراهية، وتهديد السلم والأمن العام، والاعتداء على قوات الجيش والشرطة. هل النظام على رأسه «بطحة»؟! بعد رصد قصتين وأرقامًا حول وقائع قد يكون بينها ما هو أكثر ألمًا وانتهاكًا للقانون والدستور، فى ظل أحاديث عن تعذيب ممنهج بحق الكثير من هؤلاء الأطفال، مثلهم مثل أى زائر وضعه قدره بالخطأ فى "زنازين الظلم"، أو حتى المحبوسين على ذمة قضايا جنائية، تبقى بعض الأسئلة.. لماذا يصمت النظام بكل مؤسساته ومسؤوليه على مثل تلك الحالات التى أصبح صداها الدولى محرج لوضع مصر؟ ولماذا لا يرأف الرئيس عبد الفتاح السيسي بمستقبل هؤلاء الأطفال الذين حتمًا ستربى فيهم السجون الكره والوحشية تجاه المجتمع وربما الوطن، ويصدر لهم قرارات بالعفو الرئاسى؟ أو حتى يضغط من خلال سلطاته بتعجيل محاكماتهم حتى يتبين مدى الجرم أو الإدانة المرتكبة من هذه الأظافر الناعمة؟ أما بالنسبة للقضية التى أصبحت محل سخرية واستغراب للبعض "معتقل تيشيرت وطن بلا تعذيب"، فما الجريمة التى ارتكبها الطفل بارتدائه "تيشيرت" يحمل تلك الرسالة، حتى يقابل بهذه القسوة فى التعامل والإجراءات؟ وهل النظام على "راسه بطحة"؟