فعلَتها المحكمة الدستورية. فعلَتها وأكدت أننا نعيش تحت حكم دولة متاهات. السلطة فيها تعلو ولا يُعلَى عليها. المحكمة قالت إن مجلس الشورى باطل لكنها تركته يعمل فى التشريع.. واللجنة التأسيسية باطلة لكن دستورها يمكن قبوله. خلطة من حكم الخبراء المرتبط بالتوافق، أو بمعنى أدق لا يخرج الحكم عن عماد «مشروع الدولة» الذى فشل أن يكون «دولة» لأن السلطة تريد أن تبقى وتمارس تسلطها ووصايتها... وترى أن هذا «مصلحة عليا». هى مؤسسات بين بين... لا شرعية ولا باطلة... لا ديمقراطية ولا استبدادية... المؤسسات كلها فى يد الجالس على الكرسى ولو كان المرسى... ذلك المندوب الذى انتهك مشروعيته بيده... (ذلك غير أنها مشروعية محكومة بعوامل كثيرة أولها شركة الحكم مع العسكر وبرعاية أمريكية... وأخطرها اتهامات بتزوير الانتخابات، ذلك التزوير الذى تنظره المحاكم حتى الآن...). لا يعنينى هنا جوقة الحاكم والكورس المصاحب، ولا حتى انتظار العاجزين أن يكون التغيير بحكم محكمة... يعنينى أن حكم الدستورية هو دليل جديد على أن هذه الدولة (تحت الإنشاء) لم يعد لديها جديد، ولا تملك إلا قدرة إعادة إنتاج المتاهة. نعم ترك حكم «الدستورية» علامة على كل المؤسسات القائمة فى معاونة الرئيس على وراثته لمبارك... لكنها علامة غير مؤثرة، فالوضع القائم الآن بين البطلان والشرعية (من الناحية الدستورية...). الحكم يهز خطة المرسى ومن أرسله مندوبا إلى القصر، والعصابة/الجماعة المنتظرة وراثة عصابة مبارك المقيمة الآن فى بيوتها الدافئة، تتابع بشغف ديناصورات على المعاش، ماذا تفعل ديناصورات تدافع عن مقاعدها بكل ما تملكة من غشم وعشوائية وعنف مستتر تحت ابتسامة باهتة. لكنه فى نفس الوقت يدرك أن انتظار التغيير بقانون وضع لحماية دولة التسلط والوصاية وهم كبير، وأحلام شعوب بائسة. الشعب القادر على التغيير لا بد أن يهرب من المتاهة... ويعى أنها لحظة تاريخية، إما أن تنتقل مصر إلى دولة ديمقراطية أو تذهب بكل بلاهة باهرة إلى مصير الصومال وحكم القراصنة. المرسى يريد بناء دولة جماعته على أطلال دولة ظلت تحت الإنشاء لأنها أسيرة حاكم/أب وتسلط ووصاية جعلت من المؤسسات أشكالا وهمية، نماذج ورقية، يقف عليها كبير يختاره الرئيس، وحسب سطوة الكبير عند الرئيس أو فى مواجهته، يكون تأثير المؤسسة ونفوذها. إقطاع سياسى أكثر منه مؤسسات دولة، والمرسى وجماعته يريدون وراثة هذه الإقطاعيات بخلطة بين عبد الناصر ومبارك، ناصر الساحر الذى خرج من بين ضباط يوليو، يوازن بين حكام إقطاعياته، بمشروعية الجاذبية الجماهيرية، والأبوة الحنون، القادرة على صنع معجزات فى مجالات محددة، لكنها لم تستطع بناء الدولة. ومبارك الذى تعامل بمنطق كبير الموظفين، ومؤسساته منزوعة الفاعلية لأنها إقطاعيات يدير كلًّا منها موظف، نصف مستشار لرئيس تحميه بيروقراطيته، وخلفيته فى الإدارة العسكرية. الدولة... أو أطلال مشروعها تحت الإنشاء، لم يبقَ منه شىء ليرثه المرسى وجماعته إلا القدرة على صناعة المتاهات.. وهذا ما يحدث. إنهم يرثون المتاهات فى لحظة يحلم فيها المجتمع بدولة حقيقة... دولة مواطنين لا دولة تبتلعها السلطة... (لتصبح مجرَّد سلطة احتلال). ... هل سنستسلم للمتاهة؟