دعا إسماعيل هنية رئيس وزراء حماس المقال، مصر إلى تعديل اتفاقية «كامب ديفيد» حتى تتمكن من بسط سيطرتها على سيناء، وطلب من مصر أيضا الاهتمام بشبه الجزيرة وتنميتها، وأخيرا دعا مصر إلى وضع نظام لإدارة معبر رفح يؤمن استمراره فى العمل بمعزل عن التطورات والأحداث المصرية الداخلية. دعوات ومطالب إسماعيل هنية من مصر جاءت فى خطبة الجمعة التى يلقيها كل أسبوع فى مسجد من مساجد غزة، فالرجل يرتدى عباءته البيضاء ويقدم رؤيته لشعب غزة، وتهديداته لإسرائيل ونصائحة لدول الجوار العربية وهذه المرة اختص مصر بالنصيحة. بداية لا بد أن يعلم الجميع حقائق الوضع فى غزة والمنطقة المجاورة، مساحة قطاع غزة 360 كيلو مترا مربعا، ثلاثمئة وستون كيلومترا مربعا، يشكل ما يزيد قليلا على 1٪ (واحد بالمئة) من مساحة فلسطين التاريخية، ولا يزيد على 3٪ من مساحة الأراضى الفلسطينية التى احتلتها إسرائيل فى يونيو 1967 (تبلغ مساحة الضفة لغربية 5500 كيلومتر مربع، خمسة آلاف وخمسمئة كيلومتر مربع)، يعيش فى القطاع قرابة مليون ونصف مليون إنسان، يحصل القطاع على كل احتياجاته من الخارج، فالقطاع فقير فى كل الموارد بما فيها المياه ويحصل على كل احتياجاته من إسرائيل ومصر، كان القطاع تحت الإدارة المصرية خلال الفترة من 1948 حتى احتلال إسرائيل له عام 1967، وبعد أن قامت القوات الإسرائيلية باحتلال القطاع سعت إلى التخلص منه، فالقطاع عبء على أى دولة، ومن ثم كانت لرئيسة وزراء إسرائيل آنذاك، جولدا مائير كلمات معبرة عن الموقف تمنت فيها أن تصحو صباح يوم ما لتجد القطاع وقد ابتلعه البحر المتوسط، وتقف هذه الرؤية وراء خروج إسرائيل من القطاع من جانب واحد عام 2005 فى ما عرف بفك الارتباط مع القطاع. جرت الانتخابات البرلمانية الثانية فى يناير 2006، وهى الانتخابات التى فازت فيها حركة حماس -الفرع الفلسطينى لجماعة الإخوان المسلمين- بغالبية مقاعد المجلس التشريعى ومن ثم شكلت الحركة الحكومة. عجزت الحركة عن إدارة شؤون الأراضى الفلسطينية التى تقتضى تعاملا مع القوى الدولية المختلفة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، بل وتعاملا مباشرا مع إسرائيل، التى تربطها بالقطاع ستة معابر تستخدم فى التبادل التجارى وعبرها يحصل القطاع على ما يحتاج من مواد وسلع ومعدات وأيضا وقود لتشغيل محطات الكهرباء. عجزت الحركة عن تقديم نموذج يوازن ما بين شعاراتها الزاعقة بالقضاء على إسرائيل وبين مقتضيات إدارة حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية، فكان قرار السيطرة على القطاع وسلخه عن السلطة الوطنية وتشكيل حكومة من الحركة لإدارته والتعامل معه باعتباره دولة مستقلة. اختبر السيد هنية إسرائيل عبر قذف الجنوب بعدد من الصواريخ فكان الرد الإسرائيلى قاسيا فى عدوان شهرى ديسمبر 2008 ويناير 2009، بعده التزمت الحركة تماما بالتهدئة. ومع اندلاع أحداث الثورة المصرية فى الخامس والعشرين من يناير ذكرت روايات كثيرة عن دور ميليشيات الحركة فى الهجوم على سجون مصرية بالتنسيق مع جماعة الإخوان، ودورها فى إخراج قيادات الجماعة ومن بينهم محمد مرسى من سجن وادى النطرون. ومع تسلم محمد مرسى رئاسة الجمهورية أقدمت الحركة على استباحة الحدود المصرية، حفرت مئات الأنفاق لتهريب كل شىء من مصر، ورغم أن مرسى أمر بفتح معبر رفح باستمرار وتلبية احتياجات الشقيقة الصغرى حماس، فإن الأنفاق لم تتوقف عن العمل، بل زاد عدد الأنفاق وبات التهريب يجرى أمام عيون الأجهزة الأمنية المصرية بأوامر مباشرة من محمد مرسى. أصبحت أبواب مصر مشرعة أمام أعضاء وقيادات الحركة يتحركون كما يريدون، وكان مكتب الإرشاد قبلتهم الأولى، يأتون إلى المرشد يتحاورون معه، يقرر المرشد ويقوم مرسى بالتنفيذ، أصبحت العلاقات على درجة عالية من السيولة إلى الحد الذى دفع هنية إلى القول إن «أمن مصر من أمن غزة»!