لندن تتوقع بدء عمليات ترحيل اللاجئين إلى رواندا في يوليو المقبل    لقجع: الأهلي الأفضل في أفريقيا.. والزمالك مرشح للفوز بالكونفدرالية    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    بركات: شخصية زد لم تظهر أمام المقاولون.. ومعجب بهذا اللاعب    طقس اليوم .. إحذر الرياح تضرب هذه المناطق    التموين تشن حملات لضبط الأسعار في القليوبية    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    وكالة فيتش ترفع آفاق تصنيف مصر الائتماني إلى إيجابية    هل تقديم طلب التصالح على مخالفات البناء يوقف أمر الإزالة؟ رئيس «إسكان النواب» يجيب (فيديو)    استقرار سعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    مراقبون: صحوات (اتحاد القبائل العربية) تشكيل مسلح يخرق الدستور    استشهاد فلسطينيين اثنين خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي بلدة دير الغصون شمال طولكرم    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    حسين هريدي ل«الشاهد»: الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول رفح متعلق بطريقة الاجتياح    السودان وتشاد.. كيف عكرت الحرب صفو العلاقات بين الخرطوم ونجامينا؟ قراءة    تصريح دخول وأبشر .. تحذير من السعودية قبل موسم الحج 2024 | تفاصيل    سيول وفيضانات تغمر ولاية أمريكية، ومسؤولون: الوضع "مهدد للحياة" (فيديو)    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    سيدات سلة الأهلي| طارق خيري: كأس مصر هديتنا إلى الجماهير    سيدات سلة الأهلي| فريدة وائل: حققنا كأس مصر عن جدارة    ملف يلا كورة.. اكتمال مجموعة مصر في باريس.. غيابات القطبين.. وتأزم موقف شيكابالا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    أمن القليوبية يضبط «القط» قاتل فتاة شبرا الخيمة    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    لا ضمير ولا إنسانية.. خالد أبو بكر يستنكر ترهيب إسرائيل لأعضاء الجنائية الدولية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    آمال ماهر تبدع في غناء "ألف ليلة وليلة" من حفل جدة    حظك اليوم برج الجدي السبت 4-5-2024 مهنيا وعاطفيا    شيرين عبد الوهاب : النهاردة أنا صوت الكويت    مينا مسعود أحد الأبطال.. المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    رشيد مشهراوي عن «المسافة صفر»: صناع الأفلام هم الضحايا    آمال ماهر تتألق بإطلالة فضية في النصف الثاني من حفلها بالسعودية    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 4 مايو 2024    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    حدث بالفن| مايا دياب تدافع عن نيشان ضد ياسمين عز وخضوع فنان لجراحة وكواليس حفل آمال ماهر في جدة    تحرير 12 محضرا تموينيا خلال حملة مكبرة في البحيرة    التحقيقات تكشف سبب مقتل شاب علي يد جزار ونجله في السلام    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    في عيد العمال.. تعرف على أهداف ودستور العمل الدولية لحماية أبناءها    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في نعيم الجهل
نشر في التحرير يوم 17 - 01 - 2016

للخال الأبنودي قصيدة شهيرة جدًا اسمها (أحزان عادية) يمكن سماعها هنا . لكن المقطع الذي أعنيه يقع عند 7:20 دقيقة. ويقول فيه المقطع العبقري: "ربنا مديه جهل غانيه عن كل العلم".
هذا هو باختصار شديد تأثير (دوننج - كروجر).
تم وصف هذا التفسير عام 1999 في دراسة قام بها عالمان نفسيان في جامعة كورنيل بنيويورك، وبرغم قصر الدراسة فإنهما نالا جائزة نوبل بعد ذلك. العالمان هما ديفيد دانينج وجوستين كروجر. وكان هذا بعد ما ضبط مجرم مصارف اسمه ويلر .. هذا اللص بلغ درجة خارقة من الغباء، إذ قام بسرقة المصرف بعد دهان وجهه بالليمون . الفكرة هنا – كما خطر له - أن الليمون يستخدم في الحبر السري، لذا فإن دهان الوجه به يجعلك شفافًا !.
قام العالمان بدراسة عن الغباء لدى البشر، وقد وجدا أن الأشخاص الأغبياء الذين لا يتقنون مهارة معينة، لا يدركون مدى افتقارهم للمهارة ولا يدركون مدى جهلهم، ولا يميزون المهارة لدى الآخرين، ويدركون افتقارهم لتلك المهارة فقط بعد ما يتم تدريبهم جيدًا عليها.
أذكر أن ابني في سن الخامسة كان يؤكد في ثقة أنه قادر على قيادة غواصة. كنت أسأله كيف يقود الغواصة فيثب في الهواء ويقول (تس !). هذا الغرور مقبول – بل مستحب – من طفل في الخامسة، والمهم ألا ينمو معنا هذا الشعور، لترى رجلاً في الأربعين يعتقد أنه يستطيع قيادة غواصة لو قال (تس).
قال العالمان إن الأمر يشبه الشخص الذي يعاني خللاً في المخ، وهذا الخلل يجعله عاجزًا عن إدراك خلل وجود خلل. عجزك يفقدك القدرة على أن تدرك عجزك. المثال الذي يحضرني هو عندما يحدث حرق من الدرجة الثالثة. يتفحم الجلد ومعه الأعصاب .. النتيجة هي أن المصاب لا يشعر بألم. احتراق الجلد جعل الجلد لا يشعر باحتراق الجلد !
يقول الشاعر الجميل الذي سرقه الطب من عالم الشعر د.(رءوف رشدي) في قصيدة قديمة له:
"مأساتك انك تدرك مأساتك !"
هذا بالضبط عكس ما نتكلم عنه هنا. مأساتك أنك لا تدرك مأساتك.
كل محدودي الذكاء أو غير المهرة يشعرون بفوقية شديدة وتعال على الآخرين. الأشخاص الأذكياء يشعرون دومًا بعدم الرضا عن النفس وبأنهم ليسوا بهذه البراعة، ولربما حسبوا ان ما يقومون به ببساطة هو شيء سهل يقوم به أي واحد آخر. تذكر الفيلسوف اليوناني الذي قال : "إني أعرف اني لا أعرف". يقول كونفوشيوس: "المعرفة الحقيقية هي أن تدرك مدى جهلك".
ويقول برتراند راسل: "مصيبة عصرنا هو أن من لا يفهمون يشعرون بالتفوق، بينما الأذكياء فعلاً تملؤهم الشكوك".
هكذا العالم .. كلما ازداد علمًا وذكاء ازداد تواضعُا وشكًا في علمه. القصة الشهيرة التي يحكونها عن الخليل بن أحمد الفراهيدي العبقري، عندما تحرش به طالب علم وقح، ووجه له سؤالاً بدا بسيطًا للطلاب. لكن الخليل ظل صامتًا ثم قال: "لا أحسن إجابة هذا السؤال !".
لما انصرف الطالب الوقح تصايح طلاب الخليل في غضب: "لو تركت لنا أن نجيب عنه لأفحمناه"، لكنه قال لهم: "لو قال لكم كذا فبم تردون ؟".. قالوا : "بكذا" .. قال: "وعندها لو قال لكم كذا فبم تردون ؟". صمت الطلاب وقد أدركوا أنهم بلغوا طريقًا مسدودًا فعلاً. العالم الحقيقي كان أقل غرورًا منهم.
الصورة التالية تلخص نظرية كروجر: عندما تصل قلة الكفاءة بغير الأكفاء درجة أن يجهلوا عدم كفاءتهم !"
وهنا: لماذا يتمتع الجهلة بكل هذه الثقة في آرائهم ؟
مشكلة الجهلة انهم لا يفتقدون الأذكياء ولا يهتمون بغيابهم. لهذا أطاحت المقصلة بعنق لافوازييه وأحرق تايكوبراه، ولم ير أحد مشكلة في هذا . لو لم تسمع عن الأناناس ففيم يضيرك أن يختفي من العالم؟. عندما اقتحم العامة مقر علماء الحملة الفرنسية دمروا كل شيء وأحرقوا الخرائط، بل أنهم أحرقوا مخطوطات ثمينة جدًا من القرآن الكريم، فمن الذي رأى هذا كله وتمزق قلبه حسرة ؟ الجبرتي طبعًا.
يمكنك أن ترى نماذج لهذا الغرور في كل مكان. معظم الناس راضون عن انفسهم فعلاً. شاهد هذا الكليب أو هذا ، وإن كان هذا النوع من الاستجواب في الشارع مربكًا يؤدي لتعطل تفكيرك للحظات طبعًا.
يعتقد معظم الناس أنهم يحبون الفنون التشكيلية، فيشترون صورة البطة السابحة في ترعة أو الطفل الباكي أو المرأة التي تلثم ثعبانًا، فإذا اختاروا أثاثًا اختاروا الذي نقشت عليه صورة روميو وجولييت أو المرضعة. هذا هو الفن عندهم وهم راضون عنه جدًا، ويسخرون منك لو قلت إن هذا نوع رديء من الفن.
كنت آخذ جهاز الكاسيت لمحل متخصص في إصلاح أجهزة الكاسيت. أكتشفت بعد أسبوعين من المعاناة أن صاحب المحل يعرف أشياء كثيرة عن كل شيء باستثناء إصلاح الكاسيت. إذن لماذا اخترت هذا النشاط البشري بالذات يا أخي ؟ . لأنه يجهل قدراته الحقيقية .
هناك محافظ محترم قال مؤخرًا إن إسرائيل لو هاجمتنا بالصواريخ فإن الريح ستحمل الصاروخ لأرضهم. شاهد اللقطة هنا .
هناك بالتأكيد حالات استثنائية . أشخاص يشعرون أنهم أذكياء وهم أذكياء فعلاً.
رأيت هذا الكليب لتوفيق عكاشة وهو يوضح أن الله أعطاه درجة عالية من الذكاء، ويعبر عن ذكائه بعبارة عبقرية هي أن (الله منحني ذكاء لم يستطع منحه لأي واحد من البشر). بصرف النظر عن تحفظي على هذه الجملة العجيبة (الله سبحانه لا يستطيع) التي أفلتت منه، فإن توفيق عكاشة شديد الذكاء فعلاً. غيّر تفكير الشعب المصري لعشرين عامًا ونال ما يريد بالضبط ووصل للبرلمان. إن تأثير (دوننج كروجر) لا ينطبق على هذه الحالة.
الأبنودي لم يسمع عن طوننج وكروجر، لكنه لخص المبدأ كله بعبارته العبقرية التي يصف بها غرور الضابط وجهله وتوحشه: "ربنا مديه جهل غانيه عن كل العلم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.