أنباء متضاربة عن صحة الرئيس.. و«الدولة العميقة» والخوف من الإسلاميين ضمانة عدم انتقال البلاد إلى الفوضى بعد رحيله لا أحد فى الجزائر يعلم حقيقة الوضع الصحى للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بعد مرور ثلاثة أسابيع على نقله إلى باريس للعلاج.. منذ ذلك الوقت توارى الرجل القوى الذى يقود الجزائر منذ عام 1999، عن الأنظار، تاركا وراءه حالة من الغموض الشديد وبلدا يتأهب لرؤية وجه قيادى جديد، ربما يأتى للمرة الأولى من خارج صفوف الحرس القديم الذى قاد الجزائر منذ ستينيات القرن الماضى. فى هذا البلد الذى يدار بسرية تذكر بالعهد السوفييتى، لا أحد يملك معلومة موثوقة عن صحة الرئيس، بل إن أحدا لا يعرف مكان بوتفليقة، فالبعض يقول إنه لا يزال فى مستشفى «فال دو جراس» العسكرى فى فرنسا، بينما يقول آخرون إنه تم نقله إلى سويسرا. ورغم بيان رسمى الأسبوع الماضى يقول إن الرئيس يتعافى من جلطة صغيرة، فإن معظم الجزائريين -وفق تقارير غربية- يعتقدون أن بوتفليقة، 76 عاما، لا بد أنه فى وضع خطير للغاية، وهو ما منعه من الظهور العلنى مدة طويلة كهذه. صحيفة «لو بوا» الفرنسية نقلت عن مصادر طبية قولها إن بعض أعضاء الرئيس الحيوية تضررت بشدة بسبب الجلطة الدماغية التى أصابتها، كما قال الصحفى الجزائرى هشام عبود لوسائل إعلام غربية إن الرئيس الذى نجا من إصابة بالسرطان عام 2005، يعانى غيبوبة عميقة. وفى تصرف يعود بالذاكرة إلى السنوات القليلة التى سبقت ثورة يناير فى مصر، منعت السلطات الجزائرية صدور عدد الأحد لصحيفتى «جريدتى» و«مون جورنال» لنشرهما ملفا عن تدهور صحة الرئيس. وأمر النائب العام لمحكمة الجزائر بفتح تحقيق قضائى ضد مدير الصحيفتين هشام عبود، إثر تصريحات أدلى بها لقنوات إعلامية محلية وفرنسية إنه تم نقل الرئيس بوتفليقة من مستشفى «فال دوجراس» بباريس إلى الجزائر الأربعاء الماضى فى حالة غيبوبة عميقة. فى خضم كل هذا يبدو أن البلد يتحضر لعهد جديد، وهو ما ألمحت إليه وسائل إعلام محلية فى الجزائر، وفى ما يبدو تمهيدا للساحة للانتقال إلى السلطة، نشرت صحف جزائرية صورا فى الصفحة الأولى لرئيس الوزراء عبد المالك سلال -البالغ من العمر 65 عاما- الذى طرح اسمه كمرشح محتمل. وغياب بوتفليقة عن المشهد سوف يحرم الجزائر من آخر رجال الحرس القديم الذى قاد هذا البلد منذ استقلاله عام 1962 وكذلك الحرب الأهلية ضد الإسلاميين فى التسعينيات، وصولا إلى فترة من الاستقرار ساعد على استمرارها عوائد النفط والغاز بفضل احتياطى الجزائر الهائل. لكن ذلك سيؤدى كذلك إلى عملية لنقل السلطة لن تكون سهلة، قبل إجراء انتخابات رئاسية فى أبريل 2014، ولا يمكن تجاهل ما يحدث فى الدول فى محيط الجزائر مثل مالى وتونس وليبيا، وجميعها تواجه عودة للتمرد الإسلامى. غير أنه من المتوقع كذلك أن لا يغرق رحيل بوتفليقة الجزائر فى أزمة كبيرة، فهناك ما يمكن وصفه ب«الدولة العميقة» بحق، ويتضمن ذلك جهاز المخابرات العسكرية، وهى من سيعهد إليها بإدارة المرحلة الانتقالية، خصوصا أن مؤسسة الدولة تحظى بثقة من الشعب الذى عانى من تشدد الإسلاميين ويخشى من عودة الصراع الدموى إلى البلاد.