وزير الصحة: القطاع الخاص قادر على إدارة المنشآت الطبية بشكل أكثر كفاءة    حزب الله يستهدف مقر قيادة "الفرقة 91" في ثكنة بيرانيت الإسرائيلية    ناقد رياضي يعلق على تهنئة السيسي لنادي الزمالك بعد الفوز بلقب الكونفدرالية    لينك الحصول على نتيجة الشهادة الاعدادية 2024 برقم الجلوس أو بالاسم.. moe.gov.eg    "عبد الغفار": 69 مليون مواطن تحت مظلة منظومة التأمين الصحي    أزمة الطلاب المصريين في قرغيزستان.. وزيرة الهجرة توضح التطورات وآخر المستجدات    أيمن بدرة يكتب: بطلوا تهريج    نقيب المهندسين يشارك بمعرض تخرج طلاب الهندسة بفرع جامعة كوفنتري بالعاصمة الإدارية    كم يوم باقي على عيد الاضحى؟ المعهد القومي للبحوث الفلكية يوضح    النائب محمد زين الدين: مشروع قانون المستريح الإلكترونى يغلظ العقوبة    إصابة 8 أشخاص في تصادم ميكروباص بسيارة نقل ب «طريق مصر- أسوان الزراعي»    أخبار الفن اليوم: نجوم العالم يدعمون القضية الفلسطينية بمهرجان كان.. وشيرين عبد الوهاب تقدم بلاغا للنائب العام ضد روتانا    16 كيلو ذهب عيار 24.. 15 صورة جديدة لضريح ومسجد السيدة زينب    بشرى سارة.. وظائف خالية بهيئة مواني البحر الأحمر    المصريين الأحرار بالسويس يعقد اجتماعاً لمناقشة خطة العمل للمرحلة القادمة    التربية النوعية بطنطا تنظم ملتقى التوظيف الثالث للطلاب والخريجين    قصواء الخلالي: النظام الإيراني تحكمه ولاية الفقيه وفق منظومة سياسية صارمة    في أول أسبوع من طرحه.. فيلم الأصدقاء الخياليين - IF يتصدر إيرادات السينما العالمية    رياضة النواب تطالب بحل إشكالية عدم إشهار 22 ناديا شعبيا بالإسكندرية    أخبار الأهلي : أحمد الطيب عن لاعب الأهلي : هاتوه لو مش عاوزينه وهتتفرجوا عليه بنسخة زملكاوية    إسبانيا تستدعي السفير الأرجنتيني في مدريد بعد هجوم ميلي على حكومة سانشيز    جنوب أفريقيا ترحب بإعلان "الجنائية" طلب إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت    الرياضية: جاتوزو يوافق على تدريب التعاون السعودي    تكريم نيللي كريم ومدحت العدل وطه دسوقي من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    الأرصاد تحذر من الطقس غداً.. تعرف علي أعراض ضربة الشمس وطرق الوقاية منها    لحرق الدهون- 6 مشروبات تناولها في الصيف    وزير الرى: اتخاذ إجراءات أحادية عند إدارة المياه المشتركة يؤدي للتوترات الإقليمية    ليفربول يعلن رسميًا تعيين آرني سلوت لخلافة يورجن كلوب    أحمد الطاهري: مصرع الرئيس الإيراني هو الخبر الرئيسي خلال الساعات الماضية    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    انقسام كبير داخل برشلونة بسبب تشافي    رئيس الوزراء يشهد افتتاح جامعة السويدى للتكنولوجيا "بوليتكنك مصر" بالعاشر من رمضان.. ويؤكد: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    الشرطة الصينية: مقتل شخصين وإصابة 10 آخرين إثر حادث طعن بمدرسة جنوبى البلاد    خالد حنفي: علينا إطلاق طاقات إبداع الشباب والاهتمام بريادة الأعمال والابتكار    الأوبرا تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    "اليوم السابع" تحصد 7 جوائز فى مسابقة الصحافة المصرية بنقابة الصحفيين    تحرير 174 محضرًا للمحال المخالفة لقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    قائمة الأرجنتين المبدئية - عائد و5 وجوه جديدة في كوبا أمريكا    تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بختام تعاملات جلسة الإثنين    حجز شقق الإسكان المتميز.. ننشر أسماء الفائزين في قرعة وحدات العبور الجديدة    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. الإفتاء توضح    الصحة تضع ضوابط جديدة لصرف المستحقات المالية للأطباء    تراجع ناتج قطاع التشييد في إيطاليا خلال مارس الماضي    المالديف تدعو دول العالم للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    إيتمار بن غفير يهدد نتنياهو: إما أن تختار طريقي أو طريق جانتس وجالانت    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    تأجيل محاكمة رجل أعمال لاتهامه بالشروع في قتل طليقته ونجله في التجمع الخامس    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    أسرته أحيت الذكرى الثالثة.. ماذا قال سمير غانم عن الموت وسبب خلافه مع جورج؟(صور)    10 ملايين في 24 ساعة.. ضربة أمنية لتجار العملة الصعبة    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    محافظ قنا يتفقد مركز تدريب السلامة والصحة المهنية بمياه قنا    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    خلاف في المؤتمر الصحفي بعد تتويج الزمالك بالكونفدرالية بسبب أحمد مجدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعلمة ومحاكم التفتيش محمد المنسي قنديل
نشر في التحرير يوم 15 - 05 - 2013

معلمة شابة فى «الأقصر» هى آخر ضحايا محاكم التفتيش الجديدة فى مصر، دميانة عبد النور، فتاة فى بداية العشرينيات، فى بداية حياتها العملية، سلطت عليها تلك التهمة الغامضة المسماة «اذراء الأديان»، فحسب الشهود، إن كان يمكن الاعتداد بشهادة ثلاثة من التلاميذ الصغار، أنها كانت تلقى درسا فى المواد الاجتماعية، عندما اقترفت فجأة ثلاث جرائم دفعة واحدة، ازدراء الدين الإسلامى والتأكيد على أن المسيحية أفضل من الإسلام، وإهانة الرسول الكريم بالقول إن المسيح أفضل منه، ومحاولة تنصير التلاميذ وإدخالهم الدين المسيحى. هكذا فى حصة واحدة ارتكبت المعلمة موبقات لا تقوم بها حملة تبشيرية كاملة، وفى الواقع فإن تهمها الحقيقية الثلاث فى نظر المتشددين أنها امرأة ومسيحية وغالبا ليست محجبة، فإدارة المدرسة، والنيابة من بعدها، لم تستمع إلى الشهود من التلاميذ، ولكن إلى ادعاءات أولياء الأمور، إلى ثلاثة منهم على وجه التحديد، كانوا غاضبين ومنفعلين، رغم أنهم لم يحضروا الواقعة، ولم يسمعوا كلمة تجديف واحدة، وتبين فى ما بعد أنهم كانوا جيرانا للمعلمة، وبينهم وبينها مشاحنات لا تمت للدين بصلة، ولكن وكيل النيابة كانت أكثر تزمتا من الجميع، فأمر بحجز المدرسة المسكينة على ذمة التحقيق حتى يستمع إلى شهود لم يكونوا موجودين، وتصل إليه تحريات جهاز الأمن الوطنى الذى كنا نعتقد أنه لم يعد يتجسس على المواطنين أو يتعقبهم.
من ذا الذى يزكى نار الفتنة الطائفية؟ وكيف امتد التعصب من قلوب البعض، ضد شركاء الوطن من الأقباط، إلى سلطات التحقيق التى من المفترض أن تطبق القانون بحيادية وعدالة، لا أن تقوم باحتجاز المواطنين لمجرد وشايات من أطفال صغار وآباء متعصبين، لقد أنكر تلاميذ مسلمون آخرون حدوث الواقعة، وشهد زملاء المعلمة أنهم لم يروا فى حديثها أى نوع من التطاول، ورغم أن الشك يفسر فى صالح المتهم فإن النيابة حرمتها من حريتها، وخضع وكيلها الهمام لضغوط محاكم التفتيش الجديدة، تجمع يدعى «رابطة المحامين الإسلاميين» فى الأقصر تدخلوا فى القضية ليدعموا مطالبة أولياء الأمور واعتبار ما قامت به المعلمة فعلا شائنا يحرض على الفتنة الطائفية رغم أنهم أكبر عواملها، وهكذا تألبت قوى السلف المتشددة ضد المعلمة المسكينة التى لم تجد حتى الآن من يناصرها، لا فى حكم المنطق ولا فى نصوص القانون، ولم يعد أمامها إلا أن تُضرب عن الطعام، وأن يتم نقل جسدها المنهار إلى المستشفى، لعل القلوب الغليظة ترق قليلا، لن تكون هذه المرة الأخيرة التى يتعرض فيها أقباط الوطن لهذا التمييز الظالم، أو يتم مطاردتهم بتهمة ازدراء الأديان. أسرة قبطية فى بنى سويف تحتجز من ثلاثة أفراد، تحتجزهم للتحقيق بنفس التهمة، طفلان صغيران يقبض عليهما لأنهما تبوَّلا على صفحات القرآن، حسب شهادة وحيدة من شيخ سلفى، صليب معقوف يرسمه طفلان مسلمان يتسبب فى حرق كنيسة وسقوط عدد من القتلة، حوادث ترتفع وتيرتها كل يوم، إشارات واضحة للعداء الواضح والصريح الذى ينفث سُمَّه فى لُحمة الوطن الواحد، فى كل بلدة تنصب الجماعة المتشددة محكمة التفتيش الخاصة بها، تمارس افتراءاتها ضد الجميع، مسلمين وأقباط، ولكن المؤسف أن الأقباط فقط هم الذين يتعرضون للحبس والاحتجاز بسبب تحيز سلطات التحقيق، وكأن كثافة اللحية تجعل الكلام مصدقا، تماما كما كان يحدث فى إسبانيا فى القرون الوسطى.
فى ذلك الوقت كان عداء الكاثوليك الإسبان للمسلمين واليهود الذين بقوا بعد سقوط الأندلس عنيفا، وامتدت نيران تعصبهم إلى بقية المسيحيين خارج مذهبهم مثل البروتستانت، وظهرت تهمة الهرطقة التى تشبه تهمة ازدراء الأديان الحالية، وتشكلت محاكم من القساوسة المتشددين للتفيش فى صدور الناس عن إيمانهم الحقيقى، وتوقيع العقاب على كل من يخالفهم فى تفسير الإنجيل، تماما كما يصر المتشددون الآن على تفسير الشريعة حسب رؤاهم، وترأس هذه المحاكم «المفتش الأعظم» الذى جعل هدفه استئصال كل من يخالفون معتقداته، ويقال إن اثنين من كل عشرة متهمين تم عرضهم عليه قد أُحرقا أو أُعدما، وفى غضون أشهر قليلة تم القضاء على ثلاثة أرباع مليون من الهراطقة، وهرب ثلاثة ملايين آخرين من بيوتهم، وظلت محاكم التفتيش علامة تاريخية دالة على مدى التعصب والانغلاق الذهنى، ولعلنا سننافس هذه العلامة قريبا، ويروى «ديستوفسكى» فى رواية «الإخوة كارامازوف» أن السيد المسيح عاد إلى الأرض من جديد، ولكن سوء الحظ أوقعه فى يد المفتش الأعظم، واستدرجه المفتش حتى سجنه داخل قبو عميق، وفى الليل ذهب إلى سجنه وأخذا يتناقشان، ودحض المفتش كل حجج المسيح، وتوصل فى النهاية إلى أن المسيح ليس مسيحيا كما يجب، وأنه يستحق أن يعاقب بتهمة الهرطقة، ولكن المفتش، شفقة عليه، سيسمح له بالهرب ولم يجد المسيح من رد إلا أن ينهض ويقبل المفتش على جبينه قبل أن يختفى، وهذا ما يفعله أهل السلف وأتباعهم بنا، يجردوننا من ديننا وإيماننا، يطاردوننا، مسلمين وأقباطا، بتهمة ليس لها تعريف قانونى محدد، مجرد تعابير مطاطة تختلف باختلاف المكان والزمان، ولكنها تفتح الباب أمام سلطات التحقيق التى سرعان ما تستجيب لهذا المناخ المحموم، فتحقق وتحتجز وتقاضى، ومنذ وصول الإخوان إلى السلطة، وظهور السلف كأتباع مخلصين لهم، وقد استدعوا أسوأ ما فى الماضى، أزاحوا الغبار عن أفكارهم المتخلفة ليقاضوا الجميع، تؤازرهم فى ذلك نصوص فى الدستور الجديد التى لا تحصن حرية الأفراد ولا تحمى حرية الرأى بشكل محدد وواقعى، ولكنها تفتح الباب لمقاضاة الجميع والتسلط عليهم. إنه الفخ الذى نصبه الإخوان والسلف لكل من يعارضهم فى الرأى من المسلمين، أو يخالفهم فى الدين من الأقباط، ووفق قانون «ازدراء الأديان» المطاط تم رفع نحو 600 قضية ضد معظم الإعلاميين وأصحاب الرأى وكل من يوجه نقدا إلى الرئيس المؤمن، وتكونت كتائب من المحامين يتصرفون وفق تعليمات المفتش الأعظم، ويستغلون «قانون الحسبة» التى كنا نعتقد أننا تخلصنا منه ويغلفون أطماعهم السياسية بدعاواهم الدينية، ومن المؤسف أن أفرادا فى السلطة القضائية يستجيبون لهم، ومن المؤكد أن هذه القضايا هى وسيلة يدارى بها الإخوان المسلمون عجزهم وتجربتهم الفاشلة فى حكم مصر بتوجيه التهم الدينية إلى الذين ينتقدونهم. تهمة باسم يوسف ما زالت قائمة، التحقيق مستمر مع الكاتب والروائى يوسف زيدان، وطالت التهمة معلمة أخرى هى الأديبة الروائية منى البرنس، لأنها تجرأت وتحدثت عن الدور الذى يقوم به بعض شيوخ السلف فى إثارة الفتنة الطائفية. وكالعادة سارعت إدارة جامعة السويس بوقفها عن العمل وتحويلها للتحقيق، وتطارد التهمة العديد من الأساتذة فى جامعات مختلفة، بينما لم يتعرض أى من شيوخ السلف الذين لا يكفون عن مهاجمة الدين المسيحى جهارا نهارا لأى نوع من الاتهام، وربما لو اتبعنا خيال ديستوفسكى، وتقابل جماعة من السلف والإخوان مع الرسول الكريم، كيف سيواجهون سماحة الدين الذى أنزل به، ماذا سيقولون له حول الطرق التى يتبعونها فى تطبيق شريعته، والتضييق الذى يفرضونه على أتباعه، وماذا عن الإهانات التى يوجهونها إلى جيرانهم من أهل الكتاب، وهل يعتقدون أنهم أكثر إسلامًا منه؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.