كلما سمعت من مسؤول حديثًا عن «حوار مجتمعى» حول أى قضية، أيقنت أن هناك مصيبة فى الطريق!! هكذا كان الأمر فى قضايا حيوية مثل الدستور والانتخابات ومباشرة الحقوق الأساسية، كلها تم سلقها وتمريرها بالباطل بعد «حوار مجتمعى» لم يحدث، لأن الحكم عندنا لا يعرف عنوان المجتمع، والحوار عندنا دخل دائرة الممنوعات!! قبل أيام نشروا مشروعًا حول تنمية إقليم قناة السويس، بعد أيام سيقال لنا إن الحوار المجتمعى حول المشروع قد تم!! وسنجد مشروع القانون أمام مجلس السبعة فى المئة الشهير بمجلس الشورى الباطل قانونًا، والذى لا يصلح لمناقشة بناء عمارة من ثلاثة أدوار، والذى لم يصدر قانونًا له أهمية إلا حكم القضاء ببطلانه!! وسيتم تمرير المشروع لأن «الخواجه عاوز كده» أو لأن «الكفيل مستعجل» لنجد أنفسنا -إذا تم ذلك- أمام كارثة وطنية بكل معنى الكلمة!! ضغوط الخواجة والكفيل -فى ما يبدو- كبيرة، وهكذا رأينا وزراء فى الحكومة القنديلية يخرجون علينا بعد ثلاثة أيام من توليهم مناصبهم، لكى يتحدثوا عن مشروع تنمية قناة السويس (التى أصبحت إقليما)!! دون أن يقولوا كيف درسوا المشروع وناقشوا الخبراء وتوصلوا إلى خطط التنفيذ.. كل ذلك فى بضعة أيام!! ودون أن يقولوا أين الخبراء الحقيقيون القادرون على التعامل مع مثل هذه القضايا!! ودون أن يقدموا ما يطمئن على أمننا القومى، وعلى قناة السويس بكل أهميتها الاستراتيجية وبكل رمزيتها بالنسبة إلى الوطن!! تنمية قناة السويس ليست اختراعًا، فالأفكار حولها موجودة منذ تأميم القناة ورحيل القاعدة البريطانية وانتهاء الاحتلال.. لكن المؤامرات والحروب والحصار الذى، عانيناه وقف كل هذا حائلا دون المضى فى هذا الطريق. بعد 73 انفتتح الملف مرة أخرى، وكانت البداية بالمدينة الحرة فى بورسعيد، ولكن الطريقة «السبهللية» التى أقيمت بها أدت إلى ما تعانى منه المدينة منذ سنوات. حين بدأنا بعد ذلك -العمل الجاد فى هذا الطريق- كان مشروع شرق التفريعة فى بورسعيد، ومشروع المدينة الصناعية فى السويس.. ولأن الزمن كان فاسدًا فقد تعطلت الأمور فى التنفيذ، ثم سارت ببطء بعد ذلك. قبل ثورة يناير بشهور عاد الحديث فجأة عن مشروع متكامل لتنمية منطقة القناة، وفى أواخر 2010 فاجأنا الدكتور حسام بدراوى فى أحد المؤتمرات العلمية بالحديث عن هذا المشروع، وفهمنا أن الحزب الوطنى المنحل سيعلن تبنى خطة جديدة لتحقيق هذا المشروع فى مؤتمره «القادم»، الذى لم يعقد بسبب الثورة!! ولأن «الإخوان» يتصرفون باعتبارهم ورثة الحزب الوطنى، فقد بدووا بالحديث -عقب تولى مرسى الرئاسة- عن المشروع وكأنه اختراع جديد جاؤوا به!! أو باعتباره أحد أسس برنامج «النهصة» المأسوف على شبابها!! وبعدها بدأ «العك» المتوقع من نظام بلا خبرة، وبلا تقدير للعلم، والأخطر من ذلك أنه بلا إدراك أن مشروعات النهوض والتقدم لا تقوم على التفريط باستقلال الوطن، ولا برهن إرادته للخواجة أو الكفيل!! ما نشر حتى الآن عن المشروع يثير الكثير من القلق، والكثير من علامات الاستفهام، كان هناك فريق من الاستشاريين برئاسة الدكتور عصام شرف، وهو رغم أدائه السيئ كرئيس للوزراء، أحد الخبراء المهمين فى هذا المجال، لكن هذا الفريق استقال بعد إهماله المتعمد من جانب السلطات المسؤولة!! وكانت هناك أحاديث كثيرة عن محاولات من جهات خارجية ليست فوق مستوى الشبهات لتكون بجانب قناة السويس وعلى ضفافها!! وكان هناك مشروع قانون يحوِّل منطقة قناة السويس ومدنها المكافحة إلى «إقليم».. ثم يضع «الإقليم» فى قبضة رئيس الجمهورية وخارج كل القوانين!! وقبل أن يبدأ الحديث الوهمى عن «الحوار المجتمعى» إياه.. كان المزاد العلنى أو السرى قد تم فتحه!! هناك أمور لا تخضع للحوار ولا تحتمل الجدل، مثل استقلال الوطن وأمن البلاد والسيادة على كل شبر من أرض مصر، وهناك فرق بين إدارة سوبر ماركت وإدارة مرفق مهم واستراتيجى مثل قناة السويس. وهناك فرق بين التنمية فى مناطق لا تحيط بها المخاطر، والتنمية وأمامك عدو يريد أن يجد موطئ قدم على أرضك. نعرف أن «الخواجة» مستعجل، و«الكفيل» متلهف، والحكومة لا تملك من أمرها شيئًا، لكنها قناة السويس أيها السادة.. فهل تتصورون أن شعب مصر سوف يسمح بعودة ديليسبس حتى لو تحول إلى.. الشيخ ديليسبس!!