يبدو أن المسلمين في أوروبا؛ هم من سيدفعون ثمن هجمات باريس الإرهابية، حيث أثارت تلك الهجمات، ردود فعل غاضبة للغاية من جانب المتطرفين الأوروبيين ضد المسلمين، فقد خرج العشرات في بعض المدن الفرنسية مطالبين بطرد المسلمين من بلادهم، فيما أقدم البعض في إسبانيا وهولندا وكندا على إحراق المساجد. ففي فرنسا، طالب عشرات المتظاهرين في مدينة ليل الفرنسية بطرد المسلمين من فرنسا، وفي مسيرة غاضبة تندد بالهجمات الإرهابية التي شهدتها العاصمة الفرنسية، باريس، وراح ضحيتها 132 شخصًا، أول أمس الجمعة، رفعوا لافتات كتُب عليها "فليطرد المسلمون". وفي أسبانيا، قام متطرفون، السبت، بإضرام النار بمسجد في بلدة دون بينيتو الأسبانية، حيث قال عمدة البلدة، إنه يشتبه في أن يكون هذا الهجوم قد جاء انتقاما لسلسلة الهجمات التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس. وأكد العمدة خوسيه لويس كوينتانا، إنه لا يستبعد إمكانية أن يكون الحريق ناجم عن هجوم انتقامي، فيما تمكن رجال الإطفاء سريعا من إخماد النيران. وإلحاق الحريق أضرار بمدخل المسجد لكن لم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات، فيما قال محمد القتبى وهو شخصية إسلامية بارزة في الجالية المسلمة: "إن من فعل ذلك اختار الهدف الخطأ"، مضيفا أن الجالية المسلمة في البلدة وعددها 500 شخص، مندمجة بشكل جيد مع السكان المحليين البالغ عددهم 40 ألفا. من ناحية أخرى حاول مجهولون في مدينة "روزندال"، التابعة لمقاطعة شمال برابنت الهولندية، حرق مسجد يرتاده المغاربة القاطنون في المنطقة، حيث ألحقت محاولة الحرق أضرارًا في المسجد. وقالت الشرطة الهولندية، السبت، أنها تجري التحقيقات اللازمة بشكل جدّي للكشف عن هوية الفاعلين، مؤكدة أن المسجد يعد أكبر مسجد في المنطقة. وفي كندا، تناقلت العديد من الوكالات العالمية بأن شرطة مدينة بيتربروج بمقاطعة أونتاريو، أكدت بأن الحريق الذي اندلع في مسجد السلام، هو "جريمة متعمدة". وقال ديبي جيلليز المسؤول في شرطة بيتربروج لCNN: إن "الشرطة تحقق في الحريق باعتباره جريمة كراهية"، مضيفا أنه "غير معروف كيف اندلع الحريق، ولم يكن هناك إصابات". وفي ولاية فلوريداالأمريكية، أعلن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، في بيان، أن "المركز الإسلامي في مدينة بترسبورج تلقى تهديدات بعد هجمات باريس". وأضاف البيان: أن "هناك مسجد آخر في الولاية تلقى اتصال جاء فيه تهديد بشن هجمات قاتلة عليه وعلى مساجد أخرى في الولاية". وهدد وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف، الأحد، بإغلاق المساجد التي "يحرِض الدعاة فيها على الكراهية والعداء" على حد وصفه، وذلك عقب الهجمات التي شهدتها العاصمة باريس يوم الجمعة الماضي. وأعلن كازنوف، في تصريحات لقناة "فرانس 2" التلفزيونية، أن الحكومة ستبحث في جلستها المقبلة قرارا بحل تلك المساجد، وأن القصد من حالة الطوارئ هو "أن نتمكن بطريقة حازمة وصارمة من طرد أولئك الذين يحرضون على الكراهية من فرنسا سواء كانوا منخرطين فعلا أو يشتبه في انخراطهم في أعمال ذات طابع إرهابي". واستغلت زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة ماري لوبان، الأجواء التي تسود البلاد، وقالت على فرنسا "إبادة الإسلاميين المتطرفين وحظر المنظمات الإسلامية وإغلاق المساجد التي تدعو إلى التطرف وطرد الأجانب الذين يدعون إلى الكراهية الدينية في فرنسا وكذلك المهاجرين غير الشرعيين". وتشير استطلاعات الرأي في فرنسا إلى أن لوبان تتمتع بشعبية تتجاوز الرئيس السابق نيوكولا ساركوزي والرئيس الحالي فرانسوا أولاند. وسجل المرصد الوطني لمكافحة الخوف من الإسلام في فرنسا، زيادة قدرها 281 في المئة في هذا النوع من الهجمات في الربع الأول من عام 2015 مقارنة بالأشهر الثلاثة نفسها من العام السابق. وذكرت صحيفة "لو باريزيان"، أن شعار "انهضي يا فرنسا" كان مكتوبا بالطلاء على جدار مسجد في جنوبفرنسا، بينما كتبت عبارة "الموت للمسلمين" على الجدران في أجزاء مختلفة من إيفرو إلى الشمال من باريس. وعن الاعتداءات على دور العبادة الإسلامية في أوروبا، قال المدير العام لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا عبد الكبير قطبي، إن المسلمين الذين يعتبرون جزءا من المجتمع الفرنسي في ردة فعل أولية تبرأوا من هذه الإعتداءات الارهابية، ونددوا بها وأدانوها من أي جهة صدرت. وأضاف إن المسلمين كجاليات ومؤسسات قاموا بتقديم التعازي بالضحايا والأسر. وأشار قطبي، إلى أنه في المقابل كانت هناك ردود أفعال سلبية بعد العمليات الإرهابية خاصة عند بعض المغرضين والرافضين للوجود الإسلامي أصلا في أوروبا، فعملوا على استغلال الفرصة، وقاموا بعمليات عدائية وتخريب على بعض أماكن العبادة، حيث تمّ الاعتداء على خمس مساجد في فرنسا، ولفت إلى أن هناك أيضا بعض النساء المسلمات ممن يرتدين الحجاب تعرضن لاعتداءات، حيث تمّ شتمهن بألفاظ نابية ومشينة. ورأى المدير العام لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، أن ظاهرة "الاسلاموفوبيا" في الدول الأوروبية تنمو وتزداد حاليا، مشيرا إلى أن ما يقوم به البعض ممن يخرجون عن القانون والأخلاق والضمير، يقومون بردة فعل سلبية ضد المسلمين، لكنه في المقابل نوه بالحكومة الفرنسية والجهات المعنية التي عملت على تعزيز الحراسة الأمنية لأماكن دور العبادة الكبيرة والمتوسطة، منعا لحصول أي اعتداء عليها. وعن الخطوات التي من الممكن أن تقوم بها الحكومة الفرنسية لحماية المسلمين لديها بشكل خاص، ومنها توضيح فكر الدين الإسلامي الصحيح إن بالنسبة للمسلمين المتواجدين في فرنسا أو بالنسبة للرأي العام الفرنسي والأوروبي، رأى قطبي أن الدولة الفرنسية مطالبة بحماية المسلمين داخل مجتمعها، وثانيا طمأنة هؤلاء المسلمين لأنهم في حالة تخوف من ردود الأفعال ضدهم بعد الاعتداءات الأخيرة التي طالتهم وطالت دور عبادتهم، معتبرا أنه عليهم في المقابل أخذ الحذر، واستنكار العمليات الإرهابية وإدانتها، لأن الدين الإسلامي لا يقبل بهذه الأعمال الإرهابية أبدا. واستنكرت دار الإفتاء المصرية، عبر مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية، الحريق المتعمد لبعض المساجد في الغرب وحرق المصحف الشريف والتحريض ضد المسلمين، وتلقى أكثر من مركز إسلامي بالولايات المتحدة تهديدات بالعنف بعد الهجمات التي تعرَّضت لها العاصمة الفرنسية باريس. وعبّر المرصد، في بيانٍ له، اليوم الإثنين، عن رفضه تلك الأعمال الانتقامية ضد المسلمين، مطالبًا الحكومات والدول بالعمل على وقفها، لأنَّها تشعل فتيل الأزمة وتصبح جزءًا من المشكلة وليست جزءًا من الحل، وتصعِّب من مهمة الدول في القضاء على الإرهاب، وتعطي مبررًا لجماعات العنف لإحداث مزيد من العنف والدماء.