هناك من يسعى لإحياء العقيد الليبي الراحل معمر القذافى من جديد، لكن هذه المرة على حطام طائرة الركاب المدنية الروسية التي كانت تأخذ طريقها المعتاد من مطار شرم الشيخ إلى سان بطرسبرج، قبل أن تنفجر فجأة فوق سيناء ويقتل كل من كانوا على متنها 138 سيدة و62 رجلا و17 طفلا، ما مجموعه 224 شخصًا. معظم الضحايا على متن الطائرة من حملة الجنسية الروسية باستثناء ثلاثة ركاب يحملون الجنسية الأوكرانية. ومع ذلك يتسابق الأمريكان والبريطانيون الذين لا علاقة لهم بالطائرة، ولا جمل لهم ولا بعير على ما يفترض في الحادث في الإيحاء بمعلومات يقولون إنها غير مؤكدة، ثم يعيدون ترديدها لتصبح مادة ثرية لوسائل الإعلام. وبينما الرئيس السيسى في بريطانيا يخرج وزير خارجيتها فيليب هاموند ليقول إثر اجتماع للجنة الأزمات ترأسه رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون: "خلصنا إلى أن هناك احتمالا كبيرا بأن التحطم نجم عن عبوة ناسفة على متن الطائرة". مكتب كاميرون نفسه قال في بيان رسمي "لدينا قلق من أن الطائرة ربما تكون قد أسقطت بعبوة ناسفة". وهو نفس ما ردده مسئول أمريكي لشبكة "سى إن إن" الأمريكية زاعمًا أن "هناك شعورًا مؤكدًا بأنها كانت عبوة ناسفة زرعت في الأمتعة أو في مكان ما بالطائرة". وعلى نفس النغمة عزفت مصادر أمنية أمريكية وأوروبية مجهولة الهوية، للادعاء بأن ثمة أدلة لم تشرحها، تدل على أن قنبلة زرعها تنظيم داعش تقف وراء تحطم الطائرة. ثمة ما يدعو للدهشة من جرأة الأمريكان والبريطانيين على الجزم المبكر بمثل هذه المعلومات، لكن المرجح أن لديهم الكثير من المعلومات التي يحجبونها عن الدولة المصرية. هذا سلوك معتاد ممن ظلوا لسنوات يتهمون تنظيمات فلسطينية ثم إيران بتدبير حادثة تحطم طائرة بانام أمريكان فوق ضاحية لوكيربى الأسكتلندية عام 1988، قبل أن ينتهي بها المطاف على كتف العقيد القذافى وفوق رأس نظامه في ليبيا. السيسى ظهر في حديث ليقول بصريح العبارة ودون مواربة إنه يعى جيدًا هذا الاتجاه، عندما أبلغ وسائل إعلام بريطانية بأن التحقيق سيستغرق وقتا طويلا، مذكرًا الجميع بأن قضية لوكيربى استغرقت وقتًا طويلًا قبل كشف تحقيقاتها النهائية التي مازالت غائبة حتى اللحظة. لم يكن استشهاد السيسى بهذه القضية تحديدًا في تقديري من باب العظة أو التاريخ فقط، لكنه كان مؤشرًا على أن الرئيس يدرك أن شيئًا ما يحاك في الجو. في لحظة تصدير تهمة الإرهاب للآخر أنت تحاصره وتدفع بظهره إلى الحائط، وتجعله على الدوام في حالة من النفي المستمر لكل ما تقوله، في محاولة يائسة لإثبات براءته. ولطالما كان العقيد القذافى كبش فداء للغرب وقت الأزمات. أجبروه بأدلة شبه ملفقة على تحمل مسئولية طائرة لوكيربى ولاحقا أجبروه على دفع تعويضات بالمليارات من قوت الشعب الليبي ومن عائدات النفط. حاصروه بتهمة الإرهاب ووضعوه دائما في خانة المدافع عن نفسه. ساعدهم القذافى على ذلك، فلم يكن ذكيا بما يكفى، فكان يأمل في إخضاع الغرب وأمريكا لسطوة النفط، لكنه أدرك في لحظاته الأخيرة حتى وهو يحاول إقناعهم أنْ "خذوا النفط وخذوا كل شيء واتركوني" أن همهم ليس البترول وإنما رقبته والفوضى في بلاده. من الرائع هنا أن يدرك السيسى أن ثمة مكيدة استخباراتية لم تتكشف ملامحها بعد، من الحلفاء المشكوك فى ولائهم لضرب صداقته التى تتوطد بالدب الروسى، كأنه سمع قول المتنبى فى إحداهن: "وَهْيَ مَعْشُوقةٌ على الغَدْرِ * لا تَحْفَظُ عَهْدًا ولا تُتَمِّمُ وَصلا"!