كنت في شبابي المبكر ولا فخر خبيرا لا يبارى في الخطف والإخفاء القسري. وقد يسر الله لي في ذلك الزمان البعيد عددا من المساعدين المخلصين الأكفاء كفريق عمل متطور ينفذ عمليات الخطف بإتقان شديد. وكلا، لا أخجل أبدا من ذكر ذلك الآن لأن في مصر المحروسة ليس كل الخطف جريمة اللهم إلا إذا كان الخاطف فتوة ضخم الحجم فائق القوة مثل أرنولد شوارزنيجر في أمريكا ، أو كالمستشار محمود رضا الخضيري في مصر . ذلك الأخير بالذات الذي استعمل قوته الجسدية المفرطة ونظره الحديدي الحاد الثاقب وساقيه اللتان يجري بهما كالريح ولا كارل لويس وبن جونسون معا بمنشطات أو بدون، مستعملا كل ذلك ليحتجز ضابطا مسكينا في مباحث أمن الدولة على سن ورمح لعدة ساعات فاستحق على ذلك السجن لعدة سنوات جزاء وفاقا على فعلته الشنعاء النكراء دون أدنى فرصة في العفو ، فإذا انعكست الآية في حالتنا هذه وانقلب الخاطف مخطوفا والمخطوف خاطفا فلا جريمة حتى ولو استمر الخطف لأشهر أو لسنوات أو حتى لمدة مفتوحة، هذا هو الرأي الراجح بإجماع الفقه والقضاء لأننا دولة قانون. أما العبد لله ، فلم يكن في شبابه الأول يرتكب جرائم الخطف إلا في أضيق الحدود وللضرورة القصوى وعلى سبيل الدفاع الشرعي عن مدرستنا الإعدادية، وفقط خلال مباريات كرة القدم التي كانت تجري في الحوش مع الفرق المعادية وعندما تكون النتيجة في غير صالحنا فقط . لم أكن يوما بارعا في كرة القدم أو أفهم فيها ، لكنني كنت بارعا جدا في خطف اللاعبين من الأعداء من قلب الملعب في عز المباراة ، وهكذا ساهمت في تحقيق انتصارات كروية غير مسبوقة لمدرستنا دون لعب أو كرة أو نهجان وبهدلة ووجع قلب! وكل ميسر لما خلق له. المباراة حامية ، والكل منشغل بالكرة ، وأنا ومعي صديقين أو ثلاثة نقف على خط الملعب مباشرة بعيون مفتوحة عن آخرها كالصقور نراقب بتركيز شديد لنختار وننتقي ضحيتنا ، لاعب شارد من الخونة يقف داخل الملعب قريبا من الخط ، أو تخلف للدفاع في نصف ملعبه ويقف وحيدا ، وما أن تصدر الإشارة المتفق عليها حتى نهجم عليه هجمة رجل واحد خلال فيمتو ثانية، ثم ودون أن يلاحظ أحد، نكمم فمه ونحمله حملا في لمح البصر كالشوال هيلا هوب ونعدو به بسرعة الصاروخ إلى فصل مظلم فارغ أعددناه مسبقا لنحتجزه داخله اقوى من سانجام، أجدع من لاظوغلي مستخدمين زميلا ضخم الجثة جدا ، تماما كأرنولد أو الخضيري ليجلس على المخطوف فيشل حركته تماما ونهائيا كأي صرصار لزق في أي جزمة ! وهكذا ينقص عدد فريق الأعداء واحدا ، ثم نعود لنكرر العملية لنخطف لاعبا آخر أو اثنين كمان على الأكثر وإلى أن تبدأ النتيجة في التحسن ويتحقق لنا الفوز بالعرق والجهد ، ثم نأمر الزميل ضخم الجثة بإطلاق سراح المختطفين بعد انتهاء المباراة ونختفي تماما لنترك الضحية يبرر غيابه عنها في عز اللعب ليحاول يائسا قول الحقيقة انه اتخطف ! الحقيقة التي لا يصدقها أحد طبعا! في إحدى المرات قررنا خطف حارس المرمى مغامرين بانكشاف أمرنا ، فعلناها من باب الفن فأحرزت مدرستنا هدفا في المرمى الخالي فتساءل الفريق الآخر بعلامات غباء واضحة " الله .. هوا عماشة راح فين!!" ولا يزال عماشة وحتى هذه اللحظة غائبا لا بعلم مكانه ، لا هو ولا أرنولد رضا الخضيري بتاع الفصل المظلم ولا نعلم ماذا حدث لهما حتى تاريخ كتابة هذه السطور فتم إبلاغ الداخلية التي أفادت بما لها من قدرة أكبر على الوصول للمعلومات أن الاختفاء قد حدث بفعل فاعل وإن كانت لا تعلم عن الخاطفين والمخطوفين شيئا ! طبعا تلقفنا إفادتها بكل توقير واحترام لأننا نترم القانون نصدق كلام الداخلية التي لا تنطق عن الهوى، هوا احنا حاشا لله حا نعرف أكتر من الحكومة؟!! ( ملحوظة الجزء الأخير تخيلي وعماشة اسم حركي بمناسبة حراسة المرمى ، وهو موجود وبخير ويشغل اليوم منصبا مهما في إحدى الوظائف الحساسة التي لا أستطيع الإفصاح عنها) . المسألة وما فيها ، لماذا أحكي كل ذلك؟ السبب الأول هو أن هذه الأيام السعيدة التي تعيشها مصر قد حركت ذاكرتي وعواطفي وأعادت لي ذكريات الطفولة السعيدة في هذا البلد السعيد من يومه، ثانيها أني طبعا شجاع وأمتلك شجاعة الإعتراف وخصوصا أن عمليات الخطف التي ارتكبتها خلال المرحلة الإعدادية قد سقطت بالتقادم ، الثالث أني أردت أن أقول للقاريء حاول أن تفهم أن الخطف هبة وموهبة تظهر على الإنسان في مراحل الطفولة المتأخرة والشباب المبكر ولا يتمتع بها سوى العباقرة الاستثنائيين من خلق الله وهم ندرة، مصر مش سوريا أو العراق ، مصر حاجة تانية ، من تحت لتحت . رابعا أنه ليس شرطا رغم مرور السنوات وعظم المسئوليات والمناصب أن ينجح كل العباقرة في التخلص من كل رواسب الطفولة، لذلك أرجوكم قبل أن تغضبوا لخطف إبن أو بنت أو غياب أب ، لا تنظروا فقط للمخطوفين وحاولوا أن تلتمسوا بعض العذر للخاطفين ، بيتعبوا عشان مصر ومحدش فينا عارف ظروفهم!