أعد الملف : إيهاب الملاح تتجه الأنظار الثلاثاء القادم إلى أبو ظبى لمعرفة الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر 2013)، التى يتنافس عليها ستة روائيين من ست دول عربية من الخليج إلى المحيط يمثلون اتجاهات وتيارات فنية مختلفة وأطيافا متنوعة فى الكتابة الروائية. الأعمال الستة المتنافسة على بوكر هذا العام، هى: «ساق البامبو» للكويتى سعود السنعوسى، و«يا مريم» للعراقى سنان أنطون، «أنا هى والأخريات» للبنانية جنى الحسن، و«القندس» للسعودى محمد حسن علوان، «مولانا» لإبراهيم عيسى، وأخيرا «سعادته السيد الوزير» للتونسى حسين الواد. الروايات الست وصفتها لجنة التحكيم التى يرأسها الكاتب الاقتصادى المعروف جلال أمين فى تقريرها الأول بأنها «تُعد فى صلب الواقع العربى اليوم، وتعالج التطرف الدينى وغياب التسامح ورفض الآخر وانفصال الفكر عن السلوك عند الإنسان العربى المعاصر».. فى هذا الملف نعرض إضاءات كاشفة ومكثفة عن الروائيين وأعمالهم المرشحة للجائزة. 4. إبراهيم عيسى.. «مولانا» يعود من جديد تقتحم الرواية عوالم ما اصطلح بتسميتهم شيوخ الفضائيات، وكواليس العمل فى تلك القنوات. يقدم إبراهيم عيسى شخصية الشيخ حاتم الشناوى، الداعية العصرى الشهير. وتعرض الرواية صور ونماذج وأنماط الشيوخ ومقدمى البرامج فى القنوات الدينية، والساسة والمتحكمين فى دهاليز السلطة ومفاصلها. يتعرف الشيخ حاتم على نجل رئيس الجمهورية، ويطلب نجل الرئيس لقاءه لأمر مصيرى، يطلب منه طلبًا غريبًا يمثل مفاجأة مزلزلة لحاتم الشناوى. «مولانا» لإبراهيم عيسى، 6 طبعات فى أقل من عام، وأرقام توزيع غير مسبوقة، وجمهور عادى، لا هو ناقد متخصص، ولا أكاديمى متحصن بأسواره العالية، يتحدث عن الرواية محللا وناقدا ومعلقًا، متحمسًا ومعجبًا، يسجل ملاحظاته، ويبعث بها إلى الروائى، أو يواجهه بها فى لقاء مفتوح أو ندوة لمناقشة الرواية.. «هذا أقصى ما أتمناه ويرضينى ويجعلنى دائما واثقًا فى رهانى على السيد الجمهور العظيم»، يقول عيسى. تلقى أعمال عيسى الروائية فى المحيط الثقافى المصرى، إشكالية مؤرقة حقيقة، فهناك من يحاسبه على كونه صحفيًّا مشهورًا وإعلاميًّا لامعًا يتابعه القاصى والدانى على كل المستويات، وبالتالى فهم يتساءلون: وماذا يريد بعد ذلك؟ «ما كفاية عليه كده.. حتى الرواية ما عتقهاش». الأحكام جاهزة ومعلبة «رواياته عادية.. ليست فى مصاف الأعمال الكبرى.. ليس روائيًّا»، وهناك قارئ آخر هادئ مدقق وفاحص، يقرأ العمل بمعزل عن صاحبه، يركز على النص لا «الشخص»، هذا هو القارئ الذى يراهن عليه عيسى دائما، ويتوجه إليه بأعماله الروائية، بغض النظر عن القبول أو الرفض لشخص الكاتب لأى اعتبارات مغايرة. بعيدا عن الداخل المصرى وإشكالياته وانحيازاته وتحيزاته، دع هذا كله جانبًا وضعه بين قوسين، على المستوى العربى، حققت الرواية نجاحًا كبيرًا، ليس مبالغة منى ولا ادعاء، فأنا مجرد راصد فقط. «يعنى أمام الشعب السورى احتمالان: يا يموت بالجلطة من القهر.. يا يغطس بالقراءة ويصير فيلسوف من كثر ما عم يقرأ. فى 3 أيام قرأت رواية مولانا الرائعة وهى فى 600 صفحة»، هذا ما كتبته الروائية السورية هيفاء بيطار على صفحتها الشخصية على «فيسبوك». ليس هذا أول ما كتبته بيطار عن «مولانا»، فقد سجلت قرابة التعليقات الخمس عنها مشيدة بها ومنوهة بروعتها وموضوعها وشخوصها، مستشهدة بفقرات من الرواية. تقول هيفاء بيطار «كم أحب أن أحتفى بالأعمال العظيمة كرواية مولانا التى تفضح تحكم السياسة بالدين ورجال الدين الذين يكون معظمهم كرجال الأمن، وما مواعظهم إلا لترسيخ استبداد الحكام.. رواية مولانا (لإبراهيم عيسى روعة من الروعات). عبقريته أنه خفيف الظل وبسيط اللغة مع عمق شديد فى الغوص فى الدين والنفس البشرية، ولا أعرف لم أحسست أنه يتحدث عن الداعية عمرو خالد (مش هيك اسمه). لازم كل عربى يقرأها عن جد الجد، وهى تستحق ليس بوكر فقط بل نوبل لأنها الرواية الوحيدة التى وضعت إصبعها فى قلب الجرح.. شكرا إبراهيم عيسى».. هذا ما كتبته الروائية السورية بنصه دون زيادة. لن أستعيد ما كتبه عباس بيضون عن «مولانا» فى جريدة السفير اللبنانية (أول مقال نقدى عن الرواية عقب صدورها بقليل)، لكنى أحيل القارئ المهتم بتتبع الأصداء التى حققتها الرواية إلى موقع (جود ريدز المعنى برصد وتسجيل انطباعات القراء حول ما يقرؤون)، وسيجد جمهورا متهما بأنه لا يقرأ ولا يتابع وليس له ذائقة، يكتب ويتحدث وينقد كأبرع النقاد والمحللين عن الرواية وكاتبها بما لا يحتاج إلى مزيد. الرواية، وبعيدا عن السجال الذى يحتدم دائما مع كل عمل أدبى يكتبه عيسى، تقدم رؤية للمجتمع المصرى خلال العامين الأخيرين من عمر النظام السابق، وحيث تنتهى أحداث الرواية مع حادثة تفجير كنيسة القديسين فى الإسكندرية قبل أيام من اندلاع ثورة 25 يناير. عيسى يرصد العنف الهادر والفساد العطن الذى ضرب وعشش فى كل الأركان والزوايا فى الدولة المصرية وعمق المجتمع المصرى من خلال نموذج مولانا الشيخ حاتم، الداعية العصرى أحد نجوم الفضائيات، شيخ ذكى وظريف ارتبط بحكم جماهيريته وشهرته برموز السلطة ورؤوس النظام الحاكم، يتعرض لتجارب محرجة تكشف خفايا السلطة فى تراتبها المتنوع، حيث الفساد والقتل يتوسلان الطرق المتاحة وغير المتاحة. من أهم ما حققته الرواية من نجاح أنها استطاعت جذب شرائح عريضة من القراء، خصوصًا من الشباب، أقبلوا على الرواية بشغف حقيقى، وتوصلوا إلى رؤية مغايرة لفكرة «السعى نحو خطاب دينى معاصر»، بينما قدمته الرواية من نقاشات وسجالات على لسان الشيخ كشفت كثيرا من الآراء المغلوطة والقضايا المنتهية والفتاوى المحنطة. الرواية احتشدت بقدر غير قليل من المعلومات والمعارف الدينية والتراثية فى قضايا سجالية أو خلافية، ضفّرها عيسى فى المتن الروائى، فى ما أطلق عليه «رواية الفضاء المعرفى»، وهى الرواية التى تقوم على احتشاد الروائى لجمع مادته المعرفية من حقول مختلفة ومتباينة، وينسج خطوطها الروائية من فضاءات معرفية متعددة، كى يكتب فى النهاية رواية يعيد من خلال أحداثها طرح تلك المادة ومعالجتها ضمن السياق الروائى بغرض الإشارة أو المناوشة أو الاشتباك مع قضايا الواقع وإشكاليات المجتمع». بعيدا عن الأمنيات والخلافات والتوترات، فإن «مولانا» تأتى على رأس الروايات الست المرشحة بقوة، والأوفر حظًا بالفوز بالجائزة. 5. السنعوسى.. أمل الرواية الكويتية الجديدة بين ثقافتين متباينتين، ينشأ بطل «ساق البامبو» (هوزيه ميندوزا أو عيسى راشد الطاروف). ثمانية عشر عامًا قضاها فى الفلبين، لا يعرف لغة غير الفلبينية، ولا يمارس طقوسًا تعبدية غير المسيحية الكاثوليكية، لكن لا يغيب عنه أنه ابن لكويتى عربى الجنس واللغة، مسلم الديانة، ينتمى إلى عائلة أرستقراطية كبيرة فى مجتمع ثرى. يواجه (هوزيه / عيسى) ذاته العصية على التصنيف والتحديد، على كل المستويات، من عتبة تخلقه كجنين فى رحم أمه ونهاية بمشاهدته لمباراة كرة قدم بين منتخبى الكويت والفلبين، تجعله يعلق على تسجيل هدف فى مرمى، أحدهما قائلا «ها أنا أسجل هدفا جديدا فى مرماى الآخر»! ويقول أيضا: «أمام ثلاثة خيارات كنت. إما أن أكره نفسى لما جلبته لعائلتى، أو أن أكره عائلتى لما فعلته بى، أو أن أكرههم، فأكرهنى لأننى واحد منهم». «ساق البامبو»، إنها رواية جميلة حقًا، لم يختلف كثير ممن قرؤوها على أنها بديعة ومتميزة على مستويات عدة، كتبها الروائى الكويتى الشاب سعود السنعوسى، ومنذ نشرها منتصف عام 2011، وأصداء نجاحها تتواصل وتتسع، ولا يكاد يمر عام على صدورها، إلا ويحظى الروائى الشاب بالجائزة التشجيعية فى الرواية من الكويت، ومن بعدها تحتل الرواية مكانها فى القائمة الطويلة للبوكر عابرة إلى القصيرة، وتكون أحد أهم الروايات المرشحة بقوة للفوز بالجائزة. «ساق البامبو» لسعود السنعوسى، تروى سيرة شاب (كويتى / فلبينى) هو ثمرة زواج أب كويتى وأم فلبينية، القضية الجوهرية التى تعالجها الرواية، إشكالية «الهوية». الموضوع ليس جديدا على الرواية العربية عموما، عالجها روائيون عرب كثيرون فى أعمال سابقة، لكن الجديد هو الطرح الذى قدمه السنعوسى عن مجتمع عربى تقليدى له سماته وأعرافه وقواعده التى من الصعب اختراقها أو الكشف عنها، وهذا ما فعله السنعوسى باقتدار وشجاعة. الروائى الشاب يتميز، على المستوى الشخصى، بحضور لافت، دائرة قرائه ومحبيه تتسع يومًا بعد يوم، يتحدث بأدب جم وذوق بالغ، ولا يفوت فرصة ليشكر من أبدى رأيا فى روايته، إيجابًا أو سلبًا، ويتمتع بسماحة وتواضع أدهشا الكثيرين، فعلى غير عادة حقق نجاحًا كبيرًا وشهرة عريضة واعترافًا رسميًّا وغير رسمى بعمله الروائى، إضافة إلى انتمائه لمجتمع بطبيعته يجاهر بالفخر والإحساس بالتميز، نجد السنعوسى «حالة خاصة بالفعل، وفى ظنى أن جزءًا كبيرًا لنجاح روايته مردّه إلى الاتساق والتناغم بين شخصيته وكتابته، فلا هو كتب رياءً وتملقًا وبحثًا عن الشهرة، ولا نافق وتودد وتقرب لانتزاع اعتراف والوصول إلى مكانة رفيعة، لكنه سعى بصدق وجد ودأب إلى كتابة اعتبرها بتواضع وخلق رفيع «بلورة لتجارب غيرى من المبدعين فى الكويت، ولا أرى فى تجربتى المحدودة سوى جزء صغير من صورة للحركة الشبابية الإبداعية فى الكويت.. ولا أعتبر نفسى إلا (عود فى حزمة) فى المشهد الروائى الكويتى»، ومعتبرا أن «أشد ما لفت الانتباه إلىّ هو الجوائز وما يلحقها من بروز إعلامى، لكن ذلك لا يعنى أننى الأفضل بين المبدعين من أبناء جيلى.. هناك من يعمل فى صمت وهو يستحق ما نلته أو ربما أكثر». الروائى الشاب يبشر بكثير، ويعد بمستقبل زاهر، خصوصًا بعد ما اعتبرته الصحف العربية والخليجية «أمل الرواية الخليجية.. وقائدها إلى العالمية»، وإذا تجاوزنا بعض المبالغات الاحتفائية والمجاملات التى تصاحب عادة من وضع فى بؤرة الضوء، سنجد أن السنعوسى بالفعل بما يمتلكه من موهبة جارفة وثقافة عالية وقدرة على التأمل والهدوء واستبطان الواقع الذى نشأ فيه إضافة إلى استيعابه لتطورات الكتابة الروائية ومراحلها فى العالم العربى، مرشح بقوة لكى يتصدر المشهد الروائى فى الخليج خلال سنوات قليلة، ويكون أحد أهم كتاب الرواية فى العالم العربى. «ساق البامبو»، هى الرواية الثانية للسنعوسى بعد «سجين المرايا». إنها رواية «البحث عن الهوية»، والكشف عن المستور والمسكوت عنه فى طبقات المجتمعات العربية المتراكمة، يغمس الروائى إصبعه فى الجرح، لكن بعد رشه لجرعات من المخدر الموضعى عليه. أما لماذا «ساق البامبو».. هذا العنوان اللافت وما يحمله من دلالات لا تتكشف إلا عقب الانتهاء من الرواية، فيجيب السنعوسى على لسان بطله (هوزيه / عيسى) فى الرواية «لو كنت مثل شجرة البامبو، لا انتماء لها، نقتطع جزءا من ساقها، نغرسه، بلا جذور، فى أى أرض.. لا يلبث الساق طويلا حتى تنبت له جذور جديدة، تنمو من جديد، فى أرض جديدة، بلا ماض، بلا ذاكرة. لا يلتفت إلى اختلاف الناس حول تسميته، كاوايان فى الفلبين، خيزران فى الكويت، أو بامبو فى أماكن أخرى». البعض توقف كثيرا أمام رمزية العنوان ودلالته، معتبرين أنه دلالة رمزية على النشأة مقطوعة الجذور، غير المقيدة بتربة بعينها أو اشتراط مناخ أو محددات بذاتها، فنبات البامبو، يكفى أن نقتطع جزءا منه، ونغرسه فى أى أرض أو تربة فى أى بقعة، كى ينمو ويترعرع فارعًا سيقانه الطويلة، ومثبتا دورته فى الوجود، ومادا جذوره فى أعماق الأرض التى تم غرسه فيها، فى موازاة بالغة الروعة مع سيرة الفتى «هوزيه» بطل الرواية، الذى نشأ لأم فلبينية مسيحية، وأب كويتى مسلم، شاء له القدر أن يكون نتاجًا لهذا التزاوج الذى تم فى سياق اجتماعى تتعرض له الرواية تفصيلا، حيث ينكأ الروائى بمهارة جرح المجتمعات العربية فى نظرتها إلى «الآخر» وإشكالية النظرة «الدونية» التى يعانى منها عديد من الجنسيات الأجنبية الوافدة للعمل فى دول الخليج. أمضى السنعوسى ما يزيد على العامين فى الفلبين، فى زيارة خاصة، متأملًا ودارسًا ومدققًا فى خصائص وسمات وتقاليد المجتمع الفلبينى، يكشف السنعوسى «ما كان لهذا العمل أن يصل بهذه الشفافية، كما لمست فى انطباعات القارئ، من دون تجربتى فى السفر إلى الفلبين والمعايشة المباشرة من خلال سكنى فى البيوت التقليدية بين الناس المحليين فى الأحياء الفقيرة هناك». «ساق البامبو»، بلا شك، أعلنت عن مولد روائى واعد آت إلى الساحة العربية بقوة وموهبة عالية. 6. الواد.. بلاغة الكوميديا «سعادته.. السيد الوزير»، أرادها حسين الواد فى صورة مرافعة أمام المحكمة لوزير فاسد رفض المحامون الدفاع عنه بسبب الجرائم التى ارتكبها، وما وراءه من ملفات الفساد، حيث عمل فى حاشية «سيادته» الذى تومئ له الرواية (الرئيس التونسى المخلوع زين العابدين بن على)، وتتناول مراحل من حياة وزير كان معلمًا فى المدارس الابتدائية يعانى من الفقر والحرمان بجميع أشكاله ومن متاعب الحياة فساقته المصادفة إلى منصب وزير فى دولة يحكمها الفساد، فقام فيها بمهام قذرة، ما أن انتهى دوره فيها حتى أطاح به سيده فى أقبية وزارة الداخلية ومذبح المحاكم ومسلخ مستشفى المجانين. لا يملك من ينتهى من قراءة رواية «سعادته.. السيد الوزير» للتونسى حسين الواد إلا أن تستدعى ذاكرته فورا أداء الراحل العبقرى الفنان أحمد زكى، وهو يؤدى دور الوزير الفاسد «رأفت رستم» فى فيلم «معالى الوزير» (حال رؤية الفيلم طبعا!). بين «معالى الوزير» و«سعادته.. السيد الوزير»، تشابه ملحوظ (هل أقول كبيرا؟) على مستوى العنوان، وكذلك فى المضمون العام، أو الفكرة الرئيسية، التى يمكن تلخيصها فى «الوزير بالصدفة»، حيث تتشابه بنية الأنظمة الفاسدة والأحزاب الحاكمة المستبدة المتسلطة فى كل مكان وأى مجتمع، وتؤدى بيئة الفساد التى تعشش فى كل نواحى وأرجاء الدولة إلى أن يأتى «وزير بالصدفة» فى حكومة فاسدة، ليمارس من خلالها الفساد ويتمرغ فيه ظهرا لبطن. حسين الواد روائى وأكاديمى تونسى مخضرم، تخصص فى الأدب العربى قديمه ووسيطه ومعاصره، وركز فى أعماله البحثية على تطبيق المناهج النقدية الحداثية، وما بعدها على النصوص السردية، وله محاولات حثيثة فى ذلك، وتوارى جهده الإبداعى طويلا وراء انهماكه فى التدريس والكتابة البحثية. سألته عن ذلك وما السبب وراء تأخر ظهور أعماله الروائية، فأجابنى «لم أكن أتوقع أن تحظى كتاباتى السردية بإقبال القراء عليها. عندما أضيق بكتاب من الكتب التى أقرأها كنت أستغرب من جرأة صاحبه على نشره». توقفت عند وصفه «جرأة صاحبه على النشر»، لماذا؟ «أرى فى ذلك استخفافًا بعقول الناس وعدوانا على وقتهم. جميع ما صرفت إليه جهدى أن لا أنشر كتابا ليس فيه أفكار جديدة إذا كان دراسة، أو لا أشعر أنه قد وصل إلى نقطة الفراغ منه إذا كان إبداعًا. ووضع نقطة الفراغ أو النهاية قرار خطير فعلا. ما يحصل بعد ذلك ربما تستغرب إذا قلت لك إنه ليس مما يشغلنى إذ أقدّر أنى غير مسؤول عنه، لكنه عين الحقيقة». روايته الأولى «روائح المدينة»، حظيت بقبول لافت وتقدير كبير، ونال عنها جائزة (الكومار الذهبى) فى الرواية، وهى من الجوائز الأدبية المهمة فى تونس، لكنه ورغم هذا التقدير، كان يبدى سخطًا على الواقع العربى عامة والتونسى خاصة، الذى يجعل المبدعين لا يلتفتون إلا إلى ما فيه من إشكاليات ونواقص «أنا أكتب من باب الغضب للثقافة التى أنتمى إليها.. يدفع إلى ذلك منتهى الضيق بما نشاهده. أما «سعادته.. السيد الوزير»، روايته الثانية، التى تخطت القائمة الطويلة للبوكر، لتحتل مكانها على اللائحة القصيرة، فتطرح سؤال الفساد، من خلال تجربة المعلّم التونسى البسيط الذى أصبح وزيرا على نحو غير متوقع، منخرطا حتى النخاع فى الفساد المستشرى فى أركان الدولة. الجديد فى هذه الرواية السياسية بامتياز، هو روح الفكاهة والسخرية السارية فى جنبات العمل وفى ثنايا السرد، وهو ما التفتت إليه لجنة تحكيم البوكر فى تقريرها عن الروايات الست، قائلة إن الرواية «غنية بروح الفكاهة٬ وتصف بنجاح عديد من أوجه الضعف الإنسانى». الهاجس السياسى والهم العام، يستحوذان على وجدان وتفكير الروائى التونسى حسين الواد، ويجعلانه ينخرط فى كتابة رواية سياسية بليغة، تعتمد التهكم والسخرية والمفارقة، ورصد التناقضات وتعرية الواقع العربى بحس فكاهى.