الأهم من التحقيق فى أمر معتقل بور سعيد، هو سرعة التحقيق فيه، وإرسال مندوب اليوم وليس غداً، إلى سجن بور سعيد، قبل أن يتم إخفاء الجريمة كالمعتاد، كما يحدث فى المعتاد، وينبغى لجهة التحقيق منح السجناء حصانة من الانتقام والتنكيل، بنقل ضابط المباحث، الذى يثير رعبهم إلى هذا الحد، إلى وظيفة إدارية فى الوزارة، أو نقلهم إلى سجن آخر؛ حتى يقول السجناء ما لديهم بلا خوف، ويكشفوا أسرار معتقل بور سعيد، الذى من الواضح أن سر تميّزه بالعذاب، هو اتهام مواطن بور سعيدى بمحاولة اغتيال الرئيس السابق، وما استتبعه هذا من برنامج سادي؛ لمعاقبة بور سعيد وشعبها ونزلاء سجنها. لا قيمة أيها السادة للثورة، ما لم يسترد المواطن كرامته فى وطنه، سواء أكان حرا أم سجينا، يدفع دينه للمجتمع، فالسجن عقاب قانونى، وليس تعذيبا أو انتهاكا للآدمية، والتعذيب لن يتوقف، إلا بعقوبات رادعة قوية للمعذبين، تصل إلى الفصل من الخدمة، والتحويل إلى النيابة والقضاء. والأمر هنا يتعلّق بالقانون، ولوائح الشرطة، فمنذ أكثر من عام، وفى عمود سابق، طالبت بأن تنتقل ثلاثة أفعال رئيسية للشرطة، من قائمة التجاوز الوظيفى، الذى يستوجب عقوبة إدارية، إلى قائمة العمل المشين، التى تحتم الفصل من الخدمة نهائيا، وتلك الأفعال أو التجاوزات الثلاثة هي: تلفيق الاتهامات والأدلة، واحتجاز مواطن بدون وجه حق، والتعذيب البدنى. وكان النظام السابق يتجاهل هذا التعديل؛ لأنه يريد من الشرطة، فى ظروف بعينها، أن تلفق الاتهامات والأدلة، وتحتجز المواطنين بدون وجه حق، وتعذّبهم بدنيا، إذا ماشكلوا خطرا عليه، ولم يكن يريد أن يقلق رجال الشرطة من عاقبة تلك الأفعال الثلاثة المشينة. أما الآن، فهناك ثورة، تعتبر تلك الأفعال من شرارات اندلاعها، فالأجدى إجراء التعديل الآن... وفوراً، لو أن الداخلية تنوى بالفعل بدء عهد جديد، يملك المواطن، أى مواطن، فيه حريته، وكرامته، وحقوقه. وهناك نقطة أخرى مؤلمة فى هذه الرسالة، وهى أن يسجن فقير لعقود، فقط لأنه فقير، وعاجز عن سداد ألف، أو بضعة آلاف قليلة من الجنيهات، فى الوقت نفسه الذى نتكلّم فيه عن مليارات ومليارات، تم نهبها من عرقه وشقائه، وأظن أن مليارا واحدا منها، كاف لإعادة كل هؤلاء إلى بيوتهم، ورحمتهم من عذاب ما بعده عذاب. كما لا بد من وضع قانون للبيع بالتقسيط، يمنح الطرفين حقوقا متساوية، ولا يجعل الفقير نهبة للأغنياء، يعبثون بمقاديره كيفما شاؤوا. فمن فرّج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، فرّج الله سبحانه وتعالى عنه كربة من كرب اليوم الآخر. وليس للحديث بقية.