الكنيسة الأرثوذكسية تحتفل اليوم بتذكار رئيس الملائكة جبرائيل    إعلان الحكومة الجديدة خلال ساعات ودعوة النواب أول الأسبوع المقبل    التفاح ب40 جنيهًا والموز ب30.. أسعار الفاكهة في أسواق الإسكندرية اليوم الخميس 20 يونيو 2024    عيار 24 الآن.. أسعار الذهب اليوم الخميس 20-6-2024 في محافظة المنيا    معيط: تحويل تريليون و117.4 مليار جنيه ل«المعاشات» خلال 6 سنوات    طلب إحاطة بشأن ارتفاع عدد الوفيات في صفوف الحجاج المصريين    أول إجراء من قبرص تجاه اللبنانيين بعد تهديدات نصر الله    الاتحاد الأوروبي يعلن عن فرض حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    حماس تتمسك بعودة اللاجئين وترفض محاولات إسرائيل إلغاء الأونروا    وقف القيد بسبب 941 ألف دولار، فيوتشر يقترب من حل الأزمة    بعد رفض الأهلي.. تطور عاجل بشأن احتراف زين الدين بلعيد في بلجيكا    عاجل - ماذا حدث في واقعة مصرع نورهان ناصر ونرجس صلاح عقب مباراة الأهلي الأخيرة؟ (التفاصيل الكاملة)    إقبال كبير على حدائق القناطر الخيرية آخر أيام إجازة العيد (صور)    تشييع جنازة أم و3 من بناتها لقين مصرعهمن في حادث مروع بالشرقية    التصريح بدفن جثة طالب أنهى حياته شنقا بسبب رفض والده إصلاح هاتفه    «التضامن»: بدء عودة حجاج الجمعيات الأهلية إلى أرض الوطن غدًا    شواطئ الإسكندرية تستقبل زوارها في آخر أيام إجازة عيد الأضحى    قوافل مرورية للتأكد من جاهزية اللجان لاستئناف امتحانات الثانوية العامة بالإسكندرية    خالد فودة: بعثة حج جنوب سيناء بخير.. والعودة الإثنين المقبل    رسالة أحمد عز ل الفيشاوي وداوود بعد الأرقام القياسية ل فيلم ولاد رزق 3 (تصريح خاص)    ثقافة الإسماعيلية تنظم حفلات وعروضا للفنون الشعبية    ماذا قال أحمد عز ل يسرا قبل إنطلاق أول عروض مسرحية ملك والشاطر؟    التعليم العالي: تنظيم زيارة للطلاب الوافدين لمستشفى سرطان الأطفال 57357    فى 3 خطوات فقط.. حضري أحلى ستيك لحم بالمشروم (المقادير والطريقة)    انقطاع الكهرباء عن ملايين الأشخاص في الإكوادور    مليون أسرة تستفيد من لحوم صكوك أضاحى الأوقاف هذا العام.. صور وفيديو    بعد انتهاء عيد الأضحى 2024.. أسعار الحديد والأسمن اليوم الخميس 20 يونيو    الإسكان: 5.7 مليار جنيه استثمارات سوهاج الجديدة.. وجار تنفيذ 1356 شقة بالمدينة    الأهلي يحسم مصير مشاركة عمر كمال أمام الداخلية اليوم    أول تحرك لنادي فيوتشر بعد إيقاف قيده بسبب "الصحراوي"    سنتكوم: دمرنا زورقين ومحطة تحكم أرضية ومركز قيادة للحوثيين    محمد صديق المنشاوى.. قصة حياة المقرئ الشهير مع القرآن الكريم    عاجل - قوات الاحتلال تقصف مربعا سكنيا غربي رفح الفلسطينية    عاجل - "الإفتاء" تحسم الجدل.. هل يجوز أداء العمرة بعد الحج مباشرة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 20-6-2024    طواف الوداع: حكمه وأحكامه عند فقهاء المذاهب الإسلامية    الإفتاء توضح حكم هبة ثواب الصدقة للوالدين بعد موتهما    تقرير: واشنطن لا ترى طريقا واضحا لإنهاء الحرب في غزة    وول ستريت جورنال: 66 من المحتجزين في غزة قد يكونوا قتلوا في الغارات    عاجل - تحذير خطير من "الدواء" بشأن تناول مستحضر حيوي شهير: جارِ سحبه من السوق    ثلاثة أخطاء يجب تجنبها عند تجميد لحوم الأضحية    منتخب السويس يلتقي سبورتنج.. والحدود مع الترسانة بالدورة المؤهلة للممتاز    كيفية الشعور بالانتعاش في الطقس الحار.. بالتزامن مع أول أيام الصيف    مبدأ قضائي باختصاص القضاء الإداري بنظر دعاوى التعويض عن الأخطاء    تعرف على خريطة الكنائس الشرقيّة الكاثوليكية    يورو2024، إنجلترا تسعى لتسجيل اسمها كأحد المنتخبات القوية المرشحة للقب أمام الدنمارك    الآلاف في رحاب «السيد البدوى» احتفالًا بعيد الأضحى    التخزين الخامس خلال أيام.. خبير يفجر مفاجأة بشأن سد النهضة    هل يسمع الموتى من يزورهم أو يسلِّم عليهم؟ دار الإفتاء تجيب    تشييع جثامين أم وبناتها الثلاث ضحايا حادث انقلاب سيارة في ترعة بالشرقية    «آخرساعة» في سوق المدبح القديم بالسيدة زينب| «حلويات المدبح»    تحت سمع وبصر النيابة العامة…تعذيب وصعق بالكهرباء في سجن برج العرب    "تاتو" هيفاء وهبي وميرهان حسين تستعرض جمالها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    خاص.. موقف الزمالك من خوض مباراة الأهلي بالدوري    حظك اليوم| برج الحمل الخميس 20 يونيو.. «وجه تركيزك على التفاصيل»    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 20 يونيو.. «ركز على عالمك الداخلي»    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج بكالوريوس الطب والجراحة (الشعبة الفرنسية) جامعة الإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجم عابر للأجيال
نشر في التحرير يوم 13 - 08 - 2015

قبل أكثر من عامين ونحن نتوقَّع هذا الخبر، فقط لم نكن ندرى هل لا تزال باقية أمامه ساعات أم أيام أو مع كثير من التفاؤل ربما نصل إلى أسابيع، ورغم ذلك فلقد نزل الخبر علينا كالصاعقة، كان لدينا أمل بأن نور الشريف سيقهر الموت.
فى سبتمبر الماضى التقينا فى مهرجان الإسكندرية إذ تم إهداء الدورة إليه، وكنا نفطر معًا، واكتشفت أنه مِثلى من عشَّاق الطعمية، كان يبدو أكثر تفاؤلًا وتصوَّرت أنه فى طريقه للتعافى، بعد أقل من ثلاثة أشهر التقينا مجددًا فى مهرجان «دبى»، حيث حصل على جائزة «إنجاز العمر»، وعرض آخر أفلامه «بتوقيت القاهرة»، وكنا أيضًا نلتقى على الإفطار، ولكن لاحظت تراجعًا فى الوزن وخفوتًا فى بريق العين، إلا أنه ظل محتفظًا بلياقته الفكرية.
فى جلسة الإسكندرية التى جمعتنا مع مدير التصوير سعيد شيمى، والمخرج محمد النجار، والإعلامى إمام عمر، كان نجم الجلسة هو بالطبع نور، كان حاضرًا معنا خمسة من الأرواح، أولهم عاطف الطيب، وقال نور الشريف إن كتاب سيد قطب «الصورة فى القرآن» من الممكن أن يُصبح مرجعًا غير مباشر لكى يتأمَّل صُنَّاع السينما والدراما كيف نصنع شاشة مصرية خالصة، لأنه يتناول الصورة ومدلولاتها وتفاصيلها التى لا يمكن أن يُدركها إلا الإنسان الذى يتقن بطلاقة العربية، سواء أكان مسلمًا أو مسيحيًّا، ليست فقط الكلمات ولكن الحروف التى تَشعّ طاقات إيجابية، وأضاف أنه يستشعر أن عاطف الطيب ربما استفاد من هذا الكتاب، وقدَّم لنا الواقعية المصرية السحرية لأنها تستند إلى خصوصية، بينما أستاذ عاطف الطيب المخرج الكبير صلاح أبو سيف، قدَّم الواقعية بمعناها المطلق، سألته عن فيلمه أو حُلمه لتقديم حياة الطيب قال لى: نعم حلمت ولا أزال، لكن الواقع الفنى حاليًّا غير ملائم، قلت له: سبق أن قلت لى إذا كنت أنا فى التمثيل أساوى 7 على 10، فإن أحمد زكى 10 على 10، أجابنى: نعم أعنيها، لكن أيضًا أقول لك: إن ما تركه لنا أحمد زكى لا يعبّر حقيقة عن موهبته، أحمد كان أقرب إلى روح الهواة فى التعامل مع الكاميرا، لكن الفن يحتاج إلى احتراف، بمعنى أن الممثل المحترف يستطيع أن يلتقط شيئًا بتعمُّد وسبق إصرار، وعندما يعيد اللقطة عليه أن يقنعك أيضًا ببكارة وعفوية الأداء كأنها المرة الأولى، بينما أحمد فإن على المخرج أن يلتقط مباشرة ما ترسله أحاسيسه، كان ممثلًا ملهمًا لديه ما يدهشنا دائمًا، ولكن الاحتراف شىء آخر.
وحضرت فى النهاية روح العملاقَين يوسف شاهين ويوسف إدريس وفيلمهما «حدوتة مصرية»، وقال لى إنه لا ينسى هذا المشهد خارج التصوير عندما كان يلتقى إدريس كاتب الفيلم، وشاهين المخرج، كل منهما على انفراد، وكان كل منهما يحذّره قائلًا: إن الآخر مجنون، ويضحك نور ما أجمل هؤلاء المجانين!
نور الشريف أكد أنه يكتب مذكراته، لكنه لن ينشرها فى حياته وسيتركها لابنتَيْه، مى وسارة.
كنت أتمنّى أن ينجز الفنان الكبير نور الشريف قصة حياته، وأن ينشرها لنرى زمنًا خصبًا مليئًا بالتفاصيل، كان نور شاهد إثبات على كثير من أحداثه على مدى يقترب من خمسة عقود من الزمان، ولا أدرى حقيقة تلك المذكرات هل أكملها أم لا، لكن لدىّ يقين أنها ستمنحنا عديدًا من المفاجآت، لأن كثيرًا من الوقائع الشائكة كان نور شاهد إثبات عليها.
عندما يمرّ الزمن ونبدأ فى تقييم النجوم الذين أضاؤوا حياتنا فى الأربعين عامًا الأخيرة ونبحث عمن هو صاحب الرصيد الفنى الباقى؟! لو سألتونى عن هذا النجم أقول لكم إن اثنين يحتلان المركز الأول، أحمد زكى ونور الشريف، كل منهما له اختيارات سينمائية وإبداعات خاصة تبقى مع مرور السنوات.. الفارق بين أحمد زكى ونور الشريف أن أحمد زكى يختار الدور ويؤدّيه بمشاعره، بينما نور الشريف مزيج من العقل والمشاعر، وفى أحيان كثيرة يترك لعقله الرأى الفاصل والنهائى، ما سوف يبقى مع الزمن للنجمين من أعمال فنية هو الأكثر عددًا، رصيد نور بالأرقام ربما يتجاوز ثلاثة أضعاف ما قدَّمه أحمد زكى، لأن نور دائمًا ما يترك مساحة للعقل الذى يقول له إن هناك وجهًا آخر للسينما، وهى الأعمال التجارية، والفنان بين الحين والآخر لا بأس من أن يقدِّم المذاقَين معًا.
لا يوجد فنان عرفته الشاشة الفضية يمتلك هذا المزيج المتوازن من الانضباط والمرونة، مثل نور الشريف، إنه دائمًا يطرح اسمه على الخريطة الفنية، ويعرف بالضبط كم يساوى كأجر وكمساحة درامية وقيمة أدبية، يحدد كل شىء بلا تعالٍ مصنوع ولا تواضع كاذب.. نور يعلم دهاليز توزيع الأفلام فى الداخل والخارج، ويدرك أن الزمن له إيقاع وله نجوم، ولهذا لا يشعر بغضاضة إذا اكتشف أن قانون السينما الآن لا يتيح له أن يحصل على أجر أحمد حلمى ولا حتى نصفه.. إنه لا يطالب مثل أغلب النجوم بأجر يساوى ما يحصل عليه المنافسون، لكنه يحدّد أجره وفق متغيرات السوق، فهو الذى طلب أن يسبقه أحمد عز على تترات فيلم «مسجون ترانزيت»، رغم أنهم كتبوا الأسماء «حسب الظهور»، وجاء اسم عز أيضًا سابقًا لنور، وكان هذا بالطبع مقصودًا، لأنه تعبير عن الفارق فى الأجر، والمؤكد أن أجر عز أكبر.
بدأت فى الحديث عن نور الشريف بالأجر لا الأداء، بالأرقام قبل الإحساس، لأن الحياة الفنية لا تستقيم بعيدًا عن تلك المعادلة الرقمية، والتى مكَّنت نور وسط كل الظروف ورغم وهج النجوم المنافسين أن يظل دائمًا فى دائرة النجوم الكبار، وعبر قرابة نصف قرن متواصلة هو الوحيد بين أبناء جيله الذى ظل فى الدائرة. صحيح أنه لم يصل إلى مرتبة «السوبر ستار» أو «نجم البؤرة»، هذه المكانة التى حققها مثلًا عادل إمام منذ مطلع الثمانينيات، ومحمود ياسين قبله فى مطلع السبعينيات، إلا أن نور كان قادرًا على أن يظل داخل محيط الدائرة نجمًا أول، لكنه ليس الأول بلغة شباك التذاكر، المؤكَّد أنه كان فنانًا ينتظره الجمهور، وأيضًا بلغة المهرجانات هو فنان يجيد اصطياد الجوائز، وتلك المعادلة كانت هى شفرته الإبداعية.
نور يعرف بالضبط متى يقول «لا» ومتى يقول «نعم»، متى يقبل ومتى يحجم، متى يظهر على الشاشة الصغيرة ومتى يتركها، متى يقف على خشبة المسرح أو خلف ميكروفون الإذاعة أو متى يصمت وينتظر، ومتى يعتذر للناس.. نعم يعتذر، إذ إنه لم يجد أى حرج فى أن يعلن قبل نحو عشر سنوات أن مسلسل مثل «عيش أيامك» لم يكن على المستوى، وتغيّب عامًا ثم عاد بمسلسلات «حضرة المتهم أبى» و«الدالى»، واستطاع أن يعقد صلحًا مع الجمهور الذى تعلَّق به فى مسلسلات مثل «هارون الرشيد» و«لن أعيش فى جلباب أبى» و«الحاج متولى»، ورغم أن «الحاج متولى» قوبل بعاصفة نقدية سلبية، فإنه على المستوى الجماهيرى يعدّ واحدًا من أكثر المسلسلات شعبية فى تاريخ التليفزيون المصرى.
بدايةً نور على مستوى الاحتراف كانت مع مسلسل «القاهرة والناس» الذى كان يتبادل كتابته الراحلان عاصم توفيق ومصطفى كامل، وأخرجه محمد فاضل، لكن يظل نور الشريف فنانًا سينمائيًّا من الطراز الأول رغم زياراته بين الحين والآخر للتليفزيون والمسرح والإذاعة.. إنه ضيف حتى لو تكررت الزيارة على تلك المجالات الفنية، لأن بيته ومحل إقامته الدائمة هو السينما، والذى بدأت انطلاقته الأولى على يد مكتشف النجوم حسن الإمام، فى الجزء الثانى من ثلاثية نجيب محفوظ «قصر الشوق»، وذلك قبل 45 عامًا، وبترشيح من عادل إمام الذى حرص على أن يقدّمه إلى حسن الإمام، ليولد بطل جديد فى وقت كانت فيه السينما تتوق إلى أبطال جدد، حيث إن جيل نجوم نهاية الأربعينيات والخمسينيات من الرجال، أمثال كمال الشناوى ورشدى أباظة وفريد شوقى وشكرى سرحان وأحمد مظهر وصلاح ذو الفقار، كانت ملامحهم بحكم الزمن لم تعد مقنعة لأداء دور «الجان»، ولهذا استقبلت السينما نور، وفى فترة زمنية مواكبة فتحت ذراعيها لمحمود ياسين، ولم تمضِِ سوى سنوات قلائل ليلحق بهما حسين فهمى، وكان النجم الأول بين هذا الثلاثى المتصارع هو محمود ياسين، فهو صاحب الأجر الأعلى والاسم الألمع، إلا أن نور كان دائمًا يقتنص الأدوار المهمة، مثل «السراب» إخراج أنور الشناوى، حيث شارك ماجدة الصباحى البطولة، وعندما بدأ سعيد مرزوق مشواره الفنى وقع اختياره على نور الشريف فى أول أفلامه «زوجتى والكلب» عام 71 أمام سعاد حسنى، ومن الواضح أن هناك حالة من الكيميائية بين نور وسعاد، حيث تعدّدت اللقاءات، وأكثرها خفّة ظل «غريب فى بيتى».
نور بين فرسان السينما الثلاثة الذين كانوا فى مرحلة الشباب نهاية العشرينيات ومطلع الثلاثينيات من عمرهم هو الأقل وسامة، إلا أن السينما شهدت مولد عدد من المخرجين الجدد فى السبعينيات، راهنوا عليه فى تجاربهم الأولى، مثل محمد راضى الذى أسند إليه بطولة «الحاجز» 1972، وعلِى بدرخان «الكرنك» 1975 فيلمه الثانى بعد «الحب الذى كان»، ثم سمير سيف، ومن إنتاج نور الشريف «دائرة الانتقام» 1976، ثم هشام أبو النصر «الأقمر» 1979، إلا أن الانطلاقة الكبرى لنور جاءت مع مخرجى الثمانينيات، خصوصًا عاطف الطيب ومحمد خان وداوود عبد السيد وبشير الديك كاتبًا ومخرجًا، كان نور وأحمد زكى هما أكثر نجمين موجودين على خريطة جيل مخرجى الثمانينيات، وكان يبدو نور كأنه يحمل فى يده ختم النسر يوقّع به الشهادة للمخرج الجديد، وبعدها ينطلق إلى الحياة الفنية، لا بد أن ترى إمضاء نور على فيلمه الأول ليتم اعتماده.
لديك مثلًا محمد خان فى أول أفلامه «ضربة شمس» عام 1980، والذى أنتجه نور ولعب أيضًا بطولته، عاطف الطيب فى أول أفلامه «الغيرة القاتلة» 1982، ثم فى فيلمه الاستثنائى «سواق الأوتوبيس» 1983، وهذا الفيلم شهد انطلاقة نوعية لعاطف، حيث بات ينظر إليه بعد «سواق الأوتوبيس» باعتباره واحدًا من أهم مخرجى السينما المصرية طوال تاريخها، وفى كل الاستفتاءات يأتى «سواق الأوتوبيس» فى موقع الصدارة، فهو واحد من أفضل عشرة أفلام فى تاريخ السينما المصرية، وحصل نور على جائزة «الطاووس الفضى» أفضل ممثل عن هذا الدور من مهرجان «نيودلهى».
نور كان الأقرب إلى عاطف وجدانيًّا، وتعددت اللقاءات بينهما بعد ذلك فى «الزمار» عام 84، ثم «قلب الليل» 89، و«ناجى العلى» و«دماء على الأسفلت» 92، ثم تحفة عاطف الطيب «ليلة ساخنة»، والتى توّجت العلاقة بينهما بأهم جائزة حصل عليها نور الشريف عام 1995، أفضل ممثل فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى.
وحصل أيضًا الطيب على جائزة الهرم الفضى من مهرجان القاهرة وهى جائزة لجنة التحكيم، وبعد رحيل الطيب حصل الفيلم ونور الشريف ولبلبة البطلة المشاركة فى الفيلم على عديد من الجوائز، أهمها الجائزة الكبرى من «بينالى» السينما العربية الذى أُقيم عام 1996 فى باريس.
مع داوود عبد السيد قدَّم أول أفلامه «الصعاليك» عام 1985، وشارك البطولة محمود عبد العزيز، ثم فيلم داوود الثانى «البحث عن سيد مرزوق» 1991، ومع بشير الديك «سكة سفر» 1987، وأول أفلام منير راضى «أيام الغضب» 1989، وقدَّم المخرج محمد النجار ومن إنتاج نور الشريف فى أول أفلامه «زمن حاتم زهران»، ثم لعب بطولة فيلمه الثانى «الصرخة»، وبعد أن قدَّم نور كل هؤلاء المخرجين قرر أن يقدّم نور الشريف الممثل نور الشريف المخرج.. حلم الإخراج ظلّ يطارد نور أكثر من 25 عامًا، وله أكثر من سيناريو رفضته الرقابة خلال تلك السنوات.
وفى عام 2001 أخرج فيلمه الروائى الأول «العاشقان»، وأتصوَّر أن سنوات الانتظار التى زادت على العشرين زادت نور الشريف إلمامًا بالقواعد الإخراجية، لكنها خصمت منه أهم أسلحة المخرج وهو الجرأة والمشاغبة والتمرد، وعلى هذا جاء فيلمه الأول كما وصفته من قبل على المستوى الإخراجى بأنه إخراج «شرعى»، أى أنه يفهم ويستوعب القاعدة، لكنه لا يضيف كثيرًا، فهو فيلم يقع فى الإطار المتوسط ويخصم كثيرًا من نور الممثل، بينما نجده وفى نفس العام يقدّم أفضل وأهم أفلام المخرج محمد أبو سيف ومن أهم أدواره أيضًا «سنة أولى ثانوى» مع ميرفت أمين، والتى قدمت مع نور أكثر من 25 فيلمًا، وكوَّنا معًا أشهر الثنائيات فى السينما المصرية فى الربع قرن الأخير.
نور الشريف هو واحد من القلائل أو ربما الوحيد الذى حسم منذ زمن بعيد مأزقًا يواجه كل النجوم، وكان السبب وراء اعتزال بعض النجوم والنجمات وهو مكانة اسم النجم على الأفيش والتترات وأيضًا ترتيب النجوم.. الكبار يريدون أن تتصدّر أسماؤهم الأفيشات والجدد يطالبون بأحقيتهم فى الصدارة ما دام شباك التذاكر يشهد لصالحهم، ولم يصمت نور وطالب بتطبيق قانون صارم، قائلًا «اللى أجره أكبر منّى يسبقنى»، وطبق فعلًا هذا المبدأ على نفسه، حيث إنه فى فيلم «العار» الذى شارك بطولته نور وحسين فهمى ومحمود عبد العزيز عام 1982 إخراج علِى عبد الخالق، جاء اسم نور سابقًا لحسين فهمى، حيث احتلّ محمود المرتبة الثالثة.
ويلتقى الثلاثة مرة أخرى فى فيلم «جرى الوحوش» بعد خمس سنوات، وكان اسم محمود عبد العزيز قد أصبح فى التوزيع الخارجى والداخلى أكبر من نور، ويحقق مردودًا فى شباك التذاكر أكبر من نور، ووافق نور بلا أى تردد ولا تفكير على أن يسبقه محمود عبد العزيز الذى صعد إلى المركز الأول وهبط نور إلى الثانى، واستقر حسين فى الثالث، إنها مرونة ولا شك تتيح له الاستمرار من خلال هذا الانضباط العقلى الذى يسيطر عليه. نور على مستوى فن أداء الممثل تستطيع أن تضعه فى الإطار العقلانى، وقال لى فى حوار خاص إنه دائمًا يحتفظ بورقة يكتب فيها ملاحظات على بعض الشخصيات التى يقابلها.. يدوِّن تفاصيل يلتقطها من الحياة ليعيدها أمام الكاميرا، وأخذ نور هذه النصيحة من رشدى أباظة، فهو يتعامل مع الشخصية الدرامية بدرجة ملحوظة من الاحتراف، وعندما يقدم نور شخصيات معاصرة مثل توفيق الحكيم فى «عصفور الشرق» أو يوسف شاهين فى «حدوتة مصرية»، يحرص على أن لا يستهويه الإطار الخارجى.
ينفذ نور الشريف إلى عمق الشخصية، لا يخاصم قسمات الملامح ولا نبرة الصوت، إلا أنه لا يترك الماكياج الخارجى يسيطر عليه ويقع فى مصيدة التقليد.. إنه يتعامل مع الشخصية المعاصرة فى هذه الحالة وكأنه فنان تشكيلى يرسم لوحة «بورتريه» بالفرشاة، وليس كمصور فوتوغرافى يقدم صورة مباشرة.. نور يبدو فى مثل هذه المواقف شديد الصلابة، ولا يصل أبدًا إلى حل وسط، ولهذا فى فيلم «حدوتة مصرية» اختلف مع يوسف شاهين بعد تصوير أسبوع من الفيلم. أراد يوسف شاهين أن يتحول نور إلى صورة كربونية من يوسف شاهين فى النظرة والملامح ومخارج الألفاظ واللعثمة بنطق الكلمات، لكن نور أصرّ على أن يعيد تصوير المشاهد مرة أخرى حتى لا يتحول إلى صورة باهتة من يوسف شاهين، رغم أنه يقدم حياة يوسف شاهين.
ضاقت الفرص كثيرًا أمام الجيل الذى ينتمى إليه، لكن نور حاول أن يعثر على معادلة وغاب فقط 4 سنوات، صحيح أننى لم أشعر أنه عثر عليها فى فيلمه «دم الغزال» 2006 إخراج محمد ياسين، ليس بسبب صغر مساحة الدور، لكن لأنه دور يبدو كأنه مزروع عنوة وبلا عمق حقيقى فى الدراما، أما فى «عمارة يعقوبيان» لمروان حامد، فلقد كانت الشخصية أكثر جاذبية على مستوى البناء الدرامى، ثم فى «مسجون ترانزيت» لساندرا نشأت فإن الدور يتوازى من حيث المساحة مع البطل أحمد عز، لكن الفيلم نفسه يفتقد التوازن والمنطق الدرامى.
تاريخ نور الفنى يشهد دائمًا بأنه قادر على أن يحقق تلك الحالة من التوافق بين أن تقدم إبداعًا فنيًّا، وأن تظل أيضًا على صلة مع الجمهور، لأنه أستاذ فى العثور على تلك المعادلات الزئبقية.
أعود معكم إلى الوراء وبالتحديد عندما قدَّم عام 1991 الفيلم الفلسفى «البحث عن سيد مرزوق»، وفى العام التالى مباشرة يقدّم الفيلم التجارى «لهيب الانتقام» مشاركًا بطل كمال الأجسام الشحات مبروك البطولة، ذلك لأن نور يدرك أن السينما صناعة لها وجهان فنى وتجارى، وحتى تستمر السينما ويستمر نور فى السينما عليه أن يقبل شروط اللعبة، وأن يُبحر بسفينته فى أمواج السينما المتلاطمة بمجداف الفن والتجارية.
نور الشريف فى السينما هو العقل البارد جدًّا شديد الانضباط والقلب الساخن جدًّا شديد التمرد، لكن حتى قلبه لا يتحرك قبل أن يأخذ تعليمات صارمة من عقله.
وكان لا بد من لحظة الوداع التى جاءت وكنا نتوقعها، بل كان القدر رحيمًا به وبأسرته ومحبيه، فتأخَّرت بضعة أشهر، لكن مَن قال إن نور الشريف من الممكن أن يغيب؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.