مصر تحرّكها غريزة البقاء فى السنوات الأربع الأخيرة إلغاء المجلات الثقافية فى السبعينيات.. مذبحة نفذها السادات المصريون سيبحثون عن الثقافة بعد أن تستقر الأمور قرأت مراجع بالإسبانية والفرنسية من أجل «كتيبة سوداء».. واستغرقت أكثر من عامين فى كتابتها حرية الإبداع تخدم الكتابة والشعور بالقيود يدفع إلى عدم الإنتاج كتابته العذبة الراقية، تعكس الجانب الأبرز فى شخصيته، سواء فى رواياته وقصصه القصيرة، أو مقالاته. صاحب تاريخ طويل من العمل الصحفى، تحديدا فى المجلة الثقافية الهامة «العربى» الكويتية، ولذلك قُوبل خبر اختياره رئيسا لتحرير مجلة «إبداع» خلفا للشاعر أحمد عبد المعطى حجازى بحفاوة كبيرة. محمد المنسى قنديل، صاحب «أنا عشقت»، و«قمر على سمرقند»، و«يوم غائم فى البر الغربى»، ابن المحلة الكبرى، بلد نصر أبو زيد، وسعيد الكفراوى، ومحمد فريد أبو سعدة، وجابر عصفور، يتحدث فى حوار ل«التحرير» عن تجربته فى «إبداع»، ورؤيته للصحافة الثقافية بمصر.. فإلى نص الحوار: ■ حدثنا عن تجربتك فى مجلة «إبداع»؟ - أتذكر عندما كنت شابا، جئت إلى نفس المكتب الذى أجلس به الآن، وقتما كان الدكتور عبد القادر القط رئيس تحرير المجلة، وأعطيته قصة لى، لم يكن يعرفنى، فقط قرأها، ثم قرر نشرها. ولذلك أرى أن المجلة الثقافية توفر خدمة عامة لصغار الكتّاب فى بداية حياتهم. هناك مجلات عربية أكثر فخامة وأقل سعرا، ولن نستطيع منافستها، ولكن المنافسة الوحيدة أنهم يعتمدون على كتّاب محترفين، بينما ستعتمد «إبداع» على اكتشاف مواهب بالمجتمع المصرى، وإعطائها فرصة، ورعايتها حتى تتحقق. المجلة دورها بالأساس الجمع بين الأجيال المحققة المنتشرة، والأجيال التى تكتب لأول مرة، ولذلك وجدت أن قبولى المنصب واجب لا بد من تأديته، وأن تصبح المجلة شهرية، وتستمر لتستوعب أكبر عدد من الكتابات الجديدة. ■ وهل اختيار طارق إمام مدير تحرير للمجلة جاء للسبب الأخير أيضا؟ - أحد أسباب اختيار طارق إمام أنه صوت يعبر عن جيل جديد فى الكتابة المصرية، وهذا الصوت تحديدا مهّد للثورة المصرية، وشهد بزوغها، وهذا جيل من الكتّاب يجب الاحتفاء به، لأنه بالضبط كما أحدث جيل الستينيات تغييرا فى الكتابة، على مستوى الشكل والمضمون، الجيل الحديث غيّر كثيرا فى الوعى المصرى، وبدؤوا فى التحقق. كما أن إمام نافذتى على عديد من الأصوات الجديدة والموهبة فى الأدب المصرى، وكل مرة أعمل معه أتأكد أننى أحسنت الاختيار، لأنه تعبير عن جيل من الموهوبين، ويكتب القصة والرواية والمقال. ■ توقفت مجلة «إبداع» منذ عام 2002 حتى 2007، بسبب نشر لوحات «غير لائقة»، حسب وصف البعض.. فهل تشعر أن هناك قيودا فى أثناء إعداد المجلة؟ - لو شعرت بقيود، أو رقابة ما، سأخاف بالتأكيد، ولن أنتج شيئا، أفعل دائما ما أكون مقتنعا به فقط، والذى سيخدم الكتابة وحرية الإبداع. بالتأكيد حرية الإبداع مقيدة بشكل كبير فى العالم العربى، و«طول عمرها مش حرة»، ولكن زادت مع ازدياد المد الدينى، وظهر رقيب فى كل مكان، ابتداء بالشارع حتى عامل المطبعة، ولكن علينا أن نسعى وننفذ ما نؤمن به، لخدمة الإبداع والمجتمع. ■ وهل ترى أن الجنيهات العشر، سعر المجلة، تشكل عائقا أمام توزيعها؟ - المجلة بعد قرار تحويلها إلى شهرية قلّ عدد صفحاتها، بحيث تكون 160 صفحة فقط، فآمل أن ينخفض سعرها، لأن الناس يضعون الثقافة فى آخر أولوياتهم، ولن يقبلوا عليها بشكل كبير إذ استمرت بنفس السعر، ولكن المعركة الحقيقية ليست فى سعر المجلة أو عدد صفحاتها، بل فى انتشارها إلكترونيا فى موقع إلكترونى للمجلة، لأن الموقع سيتيح انتشار المجلة فى أماكن لا تصل إليها النسخة الورقية. كما أن العالم العربى الآن أصبح مضطربا، والمدن التقليدية التى كانت تقرأ حُرقت، بغداد أصبحت مضطربة، دمشق «مش موجودة»، اليمن انهار، حتى لبنان مضطرب، ولم يبق سوى المغرب العربى تقريبا، ومن الصعب الوصول إليه ورقيا، ولذلك لا بد من وسيلة جديدة ليتعرف على المجلة وموضوعاتها. ■ إصدارات وزارة الثقافة بشكل عام تعانى مشكلة فى التوزيع.. ما الحل من وجهة نظرك؟ - أعتقد أن حل الأزمة فى الاستقرار، المجتمع المصرى طوال السنوات الماضية لم يكن مستقرا، وأحد أسباب انخفاض توزيع «إبداع» خلال السنوات الأخيرة، رغم أن القائمين عليها كانا من أبرز المثقفين المصريين، هما الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى، والكاتب حسن طلب، إلا أن الظروف السياسية والاجتماعية فى السنوات الأخيرة جعلت المصريين مشغولين، وآخر اهتماماتهم البحث عن مجلة ثقافية. عندما تستقر الأمور، سيبحث المصريون عما يشبعهم روحيا، مثل الثقافة والفن، وذلك لن يحدث إلا بعد أن نشعر بآدميتنا، ولكن منذ أربع سنوات تحركنا غريزة البقاء فقط. ■ أنت متابع جيد للصحافة الثقافية فى مصر منذ الستينيات.. كيف ترى الصحافة الثقافية الآن؟ - كانت هناك نهضة كبيرة بالصحافة الثقافية فى الستينيات والسبعينيات تحديدا، ومجلات متخصصة فى كل نوع، فى القصة، والمسرح، والشعر، كانت هناك منظومة صحافة ثقافية حقيقية. ولكن للأسف حدثت مذبحة فى السبعينيات، بإلغاء كل المطبوعات الثقافية، وقتها لم يلغوا الوزارة فى الحقيقة، بل ألغوا مطبوعاتها، كانت هناك مجلات «المجلة، الكاتب، المسرح، السينما، والشعر»، كل هذه المجلات توقفت مع بداية عصر السادات، ومصر فقدت كثيرا من دورها الثقافى بهذا القرار، لأنها كانت تربط العالم العربى بهذه الإصدارات، وظهرت مجلات أخرى فى بلدان عربية، منها العراق، وقطر أصدرت «الدوحة»، وحتى ليبيا، وبالطبع كانت هناك مجلة «العربى» الكويتية التى صدرت فى الخمسينيات. وبعدها بدأت تصدر مجلات ثقافية، ولكن سرعان ما اختفت، منذ ذلك التاريخ تقريبا لم تنتظم مجلة مصرية ثقافية جادة فى الصدور، والآن نأمل أن تنتظم هذه المجلات. ■ تجربتك فى مجلة «العربى» الكويتية استمرت 15 عاما.. حدثنا عن هذه التجربة؟ - مجلة «العربى» صدرت بهدف خدمة الثقافة العربية، حتى إنها كانت تتكلف مبالغ كبيرة، وتُباع بسعر زهيد، حتى إن بائعى الصحف فى القاهرة احتجوا على سعرها، «لأنهم مابيكسبوش فيها». الإمكانيات المادية بالصحف الكويتية كبيرة جدا، كما أن الكويت بلد منفتح على الثقافة العربية، وبعد استقلال الكويت كان شعارها «بلد العرب»، ورغم أنها بلد على طرف الخليج، لكنها ترغب دائما فى إعلان انتمائها إلى جسم الوطن العربى، وأنها ليست دولة طرفية، ونجحت فى ذلك من خلال الثقافة، وامتلكت مشروعا ثقافيا متكاملا، والحقيقة أننى استفدت كثيرا من تجربة عملى فى العربى، وانفتحت على ثقافات أخرى، واكتسبت خبرة العمل بالثقافة. ■ وما الفرق بين الصحافة الثقافية فى الخليج وبمصر؟ - بجانب الإمكانيات التى تحدثت عنها، تتميز الصحافة الثقافية هناك بالانفتاح على الثقافات العربية كافة. هم لا يدعون امتلاكهم ثقافة عربية خاصة، ولكنهم يعتبرون أنفسهم جزءا من الثقافة العربية الكبيرة، ولذلك يرحبون بكل الأصوات العربية. ■ كثير من العاملين بالصحف الثقافية الخليجية مصريون.. لماذا يترك المصريون العمل فى الصحافة المصرية والعمل بالخليج؟ - مصر هى الأسبق فى الصحافة، وتحديدا الصحافة الثقافية، ولذلك تعتمد عليهم الصحف الخليجية، بالإضافة إلى أن مصر أقرب للخليج من دول أخرى، رغم بُعد المسافة، ولكنها أقرب من حيث العلاقات بمجالات مختلفة. أما اتجاه المصريين إلى صحافة الخليج فجزء منه لأسباب اقتصادية، ومحاولة بعضهم تحسين مستوى معيشتهم، وأيضا السبب الفكرى، لأنه كلما يُضيق على الإبداع والثقافة، نشهد موجة طاردة للمثقفين، كما تعجبهم الرفاهية التى تتمتع بها دول الخليج، هناك «مافيش حرب الشوارع اللى عندنا، لدرجة أننى كنت باعتبر نفسى هاربا من التجنيد، لأنى لا أخوض الحرب اليومية اللى بيخوضها المواطن العادى علشان يحافظ على وجوده وحياته». ■ اختيارك رئيسا لتحرير «إبداع»، وسيد محمود ل«القاهرة»، ومحمد شعير ل«عالم الكتاب».. كيف ترى تأثير هذه الدماء الجديدة بالصحافة الثقافية؟ - تغيير الأشخاص يُغيّر الفكر والتوجهات، وأنا الوحيد الذى اختير لأحد المناصب، ويعتبر من الجيل القديم، كل الأصوات شابة وجديدة، وستعطى للصحافة روحا جديدة، وهذا كان ضروريا فى الوقت الحالى. ■ وهل عملك الجديد يُعطلك عن الكتابة الأدبية؟ - بالتأكيد يؤثر بشكل كبير، ولكن دائما ينتصر شىء على آخر، والآن كل تركيزى بالمجلة، ومحاولة ظهورها بشكل جيد. ■ روايتك الأخيرة «كتيبة سوداء» تتناول حدثا تاريخيا لم يُكتب عنه كثيرا.. لماذا اخترت هذه الفترة تحديدا؟ - تتناول الرواية مشاركة كتيبة من الجيش المصرى فى حرب فرنسا ضد المكسيك، ولكنهم كانوا فى الجانب الخاطئ، حيث شاركوا فى محاولة فرنسا احتلال المكسيك، عام 1863، بسبب الصداقة بين سعيد باشا والإمبراطور نابليون الثالث، وسافرت إلى المكسيك، حتى أرى على الطبيعة الأماكن التى حاربوا بها، كنت أحتاج إلى الشعور بتفاصيل المكان، وإن كانت ملامح المكان تغيرت كثيرا. ■ وهل احتجت العودة إلى مراجع تاريخية لكتابة الرواية؟ - وجدت الكثير من المراجع فى المكسيك بالإسبانية والفرنسية عن هذه المعركة، وهناك كتاب وحيد بالعربية ألفه طوسون باشا، واستغرقت عامين ونصف العام تقريبا لكتابتها. ■ وهل تفكر فى كتابة رواية عن السنوات الأربع الأخيرة؟ - أفكر فى ذلك، لأن هذه السنوات كانت عصيبة جدا على مصر، وكتبت «ثلاث لحظات من الغضب»، وهو كتاب صغير عن الثورة به ثلاث حكايات، وغلب عليها طابع الحزن، ولكن حتى الآن ما زلت فى مرحلة التخطيط للرواية، لأن الرواية لا تُكتب بالترتيب، بل على حلقات متفرقة.