جاء حكم المحكمة في قضية مذبحة بورسعيد بالكثير من المشاكل وترك وراءه الكثير من الأزمات التي مازلنا نتعامل معها حتي الآن ومن المتوقع أن نظل نتعامل معها لفترة قادمة. وللأسف فإن الأحداث البشعة التي تلت الحكم من سقوط قتلى وجرحى، وانهماك الدولة في ممارسات غير مسئولة كتهرب الأمن من المسئولية أو محاولات الساسة المستميتة لتبرير الأخطاء وطمس الحقيقة، لم تمكننا هذه الأحداث فور وقوعها من تحليل كل جوانب الحكم وما تركه من آثار جانبية على المستوى السياسي. وبالرغم من أن الأحداث المتعلقة بهذا الحكم لم تهدأ بعد ،خاصة بعض أن انتفض شعب بورسعيد مطالباً بأبسط حقوقه وهو اعتذار رسمي من رئيس الجمهورية عن الضحايا الذين سقطوا، إلا أن هناك آثار أخرى للحكم بدأت تظهر في علاقة الألتراس بمجموعة من شباب الثورة ،وهو الخلاف الذي ظهر بوضوح في العشرة أيام الأخيرة. وفي الواقع كان الخلاف بين الألتراس وباقي التيارات والحركات السياسية في معسكر الثورة بعد حكم قضية بورسعيد خلافاً متوقعاً، فالألتراس لم تكن يوماً حركة سياسية ،هي حركة اجتماعية اضطرت للعمل بالسياسة بعد حادث بورسعيد، ولكن لم يكن للحركة يوماً أجندة سياسية أو انتماء سياسي واضح ومحدد. ولعل ما يجعل الأمور أكثر غموضاً فيما يتعلق بالألتراس هو عدم التفرقة بين الحركة ككيان وبين الأعضاء كأشخاص مستقلين عن الحركة لهم مطلق الحرية في اختيار توجهاتهم السياسية، فقد تجد عدد من أعضاء الألتراس بجانبك في مظاهرة أو اعتصام أو حتى اشتباك ،ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن الحركة مشاركة في الحدث بشكل رسمي. ولا أحد يستطيع أن ينكر الدور الذي قامت به مجموعات الألتراس المختلفة أثناء الثمانية عشر يوم أو خلال المرحلة الانتقالية ،ولكن الألتراس كأي حركة سياسية أو اجتماعية كانوا يتحركون في القضايا التي تهم المجموعة ،فالمجموعة ليس لها رؤية سياسية قومية تسعى لتطبيقها لذا الألتراس يشاركون فيما يعرفونه من قضايا كالعنف من قبل الداخلية أو القوات المسلحة وبالطبع أحداث بورسعيد. ولكن يجب ألا ننسى أن مجموعات الألتراس غابت عن معارك سياسية كثير مثل الانتخابات البرلمانية ،وانتخابات الرئاسة، واستفتاء الدستور. لذلك لم يكن غريباً أن تبدأ الخلافات بين بعض شباب الألتراس وبعض النشطاء السياسيين بعد الحكم في قضية بورسعيد، فأولاً صدور حكم بالإعدام على المتهمين في قضية بورسعيد يلغي أحد أهم دوافع الألتراس للعمل السياسي ،كما أن أي متابع للألتراس على مدار العام الماضي «وخاصة ألتراس أهلاوي» يدرك حجم الخلاف بين تياران رئيسيان داخل الحركة ،تيار يرى أن الحركة يجب أن يكون لها دور سياسي دفاعاً عن مبادئها وما تؤمن به من قضايا وطنية، وتيار آخر يرى أن الألتراس حركة نشأت لتشجيع فريق ما ويجب ألا تبتعد عن هدفها الأصلي، لذلك من الطبيعي أن نستمع لأصوات داخل الألتراس تطالب بأن يكون حكم الإعدام بمثابة خط النهاية للدور السياسي للحركة. على الجانب الآخر يرى النشطاء أن الحكم في قضية بورسعيد لم يأتي بأي عدل بل بالعكس جاء ليحمل معه مذبحة جديدة وضحايا جدد وموجات جديدة من العنف والاعتقالات. ومن ثم فالرمزية السياسية للحكم مختلفة تماماً لدى كل فريق من الفريقين، فالألتراس يرى الحكم انتصاراً لقضية الحركة التي دافعت عنها منذ وقوع الحادثة ،والنشطاء يرون أن الحكم تجاهل المتهمون الحقيقيون حيث أن جهات التحقيق لم تبذل الجهد المطلوب للتوصل للجناة. وإذا كان الخلاف السياسي بين الفصيلين أمراً متوقعاً بل ومقبول بعض الشيء بعد انتهاء المعركة المشتركة بعد حكم المحكمة ،فغير المقبول هو مزايدة كل فصيل على الآخر ،ومحاولة كل فريق التعظيم من دوره في الثورة والتقليل من دور باقي الأطراف ،فنجد أنفسنا أمام عبارات غير دقيقة تبعث فقط على الكراهية والتوتر ،عبارات من نوعية أن الألتراس هم من قاموا بالثورة أو أن النشطاء هم السبب الرئيسي لنجاح الثورة، وهناك بالطبع العبارة الأكثر شهرة وهي أن الثورة لم تكن لتنجح بدون الدور البطولي للإخوان. يجب أن ندرك أنه من غير الممكن أن نعمل سوياً كقوى سياسية واجتماعية على النهوض بهذا البلد واستمرار ثورته إذا استمر التناحر فيما بيننا حول من صاحب أكبر رصيد في الثورة ،فالثورة لا تنتمي لتيار أو فصيل أو حركة أو جماعة ،وكل من شارك فيها على قدم المساواة، كما أن الثورات لا تستمر بالتناحر على معارك الماضي ولكن بالحشد لمعارك المستقبل.