أيام قليلة تفصلنا عن الذكرى الثانية للخامس والعشرين من يناير. انقضى عامان بالفعل منذ ذلك الثلاثاء الذي غير الكثير من شكل الأمور في مصر وللأسف لم يغير الكثير في جوهرها. وكما هو الحال منذ استفتاء مارس 2011 من استقطاب وثنائية ومحاولات طرف واحد الانقلاب علي باقي الأطراف، بات 25 يناير يمثل معنى سياسياً بل ورمزياً مختلفاً لكل قطب من القطبين. ولعل خير دليل على هذا الاختلاف في المعنى هو التعامل مع ذكرى 25 يناير، فتجد فريقاً يحتفل وآخر ينوي التظاهر. ويحلو للإخوان المسلمين ومن معهم من مؤيدين ومستفيدين بتبرير هذا التباين بأنه فشل من المعارضة في حصد أصوات الناخبين وإقناع الشعب المصري بمشروعها، مثلما أقنعت الجماعة وحزبها الملايين من المواطنين بوجود مشروع النهضة. وبناء عليه، فالمعارضة تحاول زعزعة الاستقرار في مصر وتأجيج التظاهرات والغضب الاجتماعي بهدف الانقلاب على شرعية النظام الحاكم المنتخب، والوصول للحكم بطرق ملتوية يشوهون من خلالها وعي الشعب الباحث عن النهضة، لذا فهي معارضة كيدية وليست وطنية في شيء. هذا العبث هو بالفعل فحوى الخطاب السياسي للإخوان المسلمين، مثلما كان أيضاً فحوى الخطاب السياسي لنظام مبارك. وقد يكون هذا التبرير الاخواني دقيقاً إذا كانت الثورة قد قامت من اجل الانتخابات ليس إلا ،فبهذه الطريقة تكون الثورة معركة انتخابية في الأساس تنتهي بإعلان النتيجة ثم يصمت الجميع انتظاراً لموعد الانتخابات القادمة إن جاء. وبالرغم من سخف هذه الرؤية ،وبعدها كل البعد عن الواقع ،إلا أن كل تصرفات وتصريحات الاخوان تبرهن على مدى تصديقهم لهذه الرؤية وقناعتهم بها. وهذا هو مربط الفرس والسبب الرئيسي للاختلاف المستمر والاحتجاج المتواصل بل والاستقطاب أيضاً ،فالأزمة ليست من فاز بالانتخابات ومن لم يفز،ولا من استطاع أن يمرر دستور ومن لم يتمكن من منعه ،الأزمة في واقع الأمر تتلخص في نظرتان مختلفتان بل ومتناقضتان ل 25 يناير،فأحدهما ترى في 25 يناير فرصة سياسية يجب استغلالها والاستفادة منها بقدر المستطاع ،وأخرى ترى في 25 يناير ثورة هدفها الهدم من أجل البناء ،إرساء المبادئ قبل التناحر على مواقع السلطة ،علاج الخلل بدلاً من تسكين أعراضه ،بناء وطن من خلال تكاتف كل الأطراف بدلاً من الانهماك في معارك سياسية لإعلاء أطراف فوق الأخرى. وبين مفهوم الثورة ومفهوم الفرصة تدور المعركة الحقيقية بين الإخوان ومن يعارضوهم. فمنذ اليوم الأول للثورة وجماعة الاخوان تتعامل مع 25 يناير كفرصة سياسية ،يستغلونها سعياً لتحقيق أكبر مكاسب ويتنصلون منها حين يشعرون أنها قد تضر بهم ،ولعل هذا يفسر الكثير من قرارات الاخوان على مدى العامين الماضيين. بدأ الأمر بإعلان الجماعة عدم المشاركة بشكل رسمي في تظاهرات يوم 25 يناير ولكن عدم منع من يريد الذهاب من الأعضاء، واستمر نفس النهج حين رفضت الجماعة الانسحاب من الميدان ولكنها ذهبت للمشاركة في حوار عمر سليمان ،ثم تغيير المواقف من الحديث عن المنافسة علي ثلث مقاعد البرلمان إلي المنافسة علي كل المقاعد ،وبنفس الطريقة من التصريح بعدم ترشح أحد أعضاء الجماعة في الانتخابات الرئاسية إلي التقدم بمرشحان. وملخص كل هذه المواقف أن الجماعة لم تكن يوماً معنية بأية مبادئ ،بل ولم تكن لها رؤية سوى السعي لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الآنية بغض النظر عن التكلفة السياسية والأخلاقية لهذه المكاسب ،ولهذا السبب حرصت الجماعة دائماً علي وجود خط رجعة تستطيع من خلاله التقليل من الخسائر في حال لم تستطع الحصول على أية مكاسب ،وهو ما يفسر الحرص على التواجد في الحوار مع عمر سليمان والتحالف مع المجلس العسكري في مرحلة لاحقة. من رأى في 25 يناير فرصة للقفز علي حكم مصر عليه أن يحتفل الآن بتحقيق ما خطط له ،أما من رأى في 25 يناير ثورة تسعى لإقامة دولة العدالة الاجتماعية والحرية ،فعليه أن يعود أدراجه للميادين ليس للاحتفال ولكن للتصدي للحكم القائم علي استغلال الفرص ،للتأكيد علي أن ما بدأ يوم 25 يناير 2011 لم يكتمل بعد ،للتذكير بأن هذا اليوم كان من المفترض أن يكون بداية لإعادة بناء الدولة بدلاً من محاولات السطو علي ما تبقى منها من مؤسسات خربة. 25 يناير لا يجب أن يكون يوماً للاحتفال، ولكن يوماً للاعتراف بأن هناك ثورة مستمرة لم تكتمل.