كان أفلاطون فيلسوفا فى غاية الفلسفة.. كان يرفض فكرة الحكومة الديمقراطية على أساس أننا فى المسائل التافهة كصناعة الأحذية نعتمد على المتخصص ليصنعها لنا.. أما فى السياسة فنفترض أن كل شخص قادر على إحراز الأصوات «أو تزويرها» يستطيع إدارة المدينة أو الولاية.. وهكذا نسمح لأكبر مداهن أن ينهض إلى الحكم ويدعو نفسه حامى حما الشعب ويستولى على السلطة المطلقة.. وكان أيضا يكره الحكومة الأرستقراطية التى تحصر أمور السلطة (بالضمة أو الفتحة.. الاتنين شغالين) فى مجموعة أشخاص بعينهم.. وتدمر نفسها بنفسها بسبب التهافت السريع على جمع الثروة.. إذن.. ما الذى كان أفلاطون يريده بالظبط.. لا ديمقراطية عاجباه.. ولا أرستقراطية ماليه دماغه.. طب عايز إيه؟! كان أفلاطون يرى أن الحل يكمن فى جعل الفرص متساوية أمام الجميع.. والأفضلية لمن يثبت المقدرة.. حيث يبدأ ابن الحاكم دراسته على قدم المساواة مع ابن ماسح الأحذية وغاسل الصحون.. فإذا كان ابن الحاكم غبيا يرسب.. وإذا أثبت ابن ماسح الأحذية مقدرة.. فالطريق مفتوحا أمامه ليصبح حاكما فى الدولة.. بعد أن يمر بعدة مراحل من الاختبارات القاسية الكثيرة التى تعتمد على أن السلوك الإنسانى يجرى من منابع رئيسية ثلاثة.. الرغبة والعاطفة والمعرفة.. وبينما يرى أفلاطون أن بعض الرجال ليسوا سوى صوره مجسده للرغبه بأرواح محبه للكسب تحرقها شهوة الترف والبذخ والمظهر وهؤلاء هم الرجال الذين يسودون ويحتكرون الصناعه.. يرى أن هناك آخرون يملؤهم الشعور والشجاعه ولا يبالون كثيرا بمن يحاربون وكل همهم هو الحصول على النصر لذاته وهؤلاء هم الرجال الذين يصنعون الجيوش والأساطيل الحربيه فى العالم.. وأخيرا هناك القله من الرجال الذين يجدون بهجتهم فى التأمل والتفكير ومحاولة الفهم.. الذين لا يتوقون إلى المال ولا إلى النصر.. ولكن إلى المعرفه.. وهؤلاء هم رجال الحكمة.. وفى هذا الصدد يرى أفلاطون أن أفضل مكان لرجال الإنتاج هو الميدان الإقتصادى.. بينما المحارب أو العسكرى يبرز فى ميدان المعركة.. وكلاهما لا يصلح لشغل المناصب السياسية والوظائف العامة.. ولأن إدارة الدول علم وفن فعلى الشخص أن يخصص عمره لهذا العلم والفن.. وهنا يخلص أفلاطون إلى نتيجة مفادها أن الدولة لن تنجو من الشرور والفساد والمرض إلا إذا أصبح الفلاسفة حكاما أو أصبح الحكام فلاسفة! ويضع أفلاطون أسس لحماية وتحصين حكام الدولة بإقامة نظام لا يسمح لهم بتسلل الغرور إلى قلبهم.. حيث لن يسمح لهم باقتناء أملاك أكثر من احتياجاتهم.. ولن تكون لهم قصور خاصة بهم مغلقة بمزاليج حديدية ضخمة مغلقة فى وجه الشعب.. كما أنهم سيتناولون الطعام مع الناس فى وجبات مشتركة.. ويعيشون كالجنود فى المعسكر.. ولن يأخذوا أكثر مما يكفيهم من الأموال.. يا دوبك ما يسد رمقهم ويجعلهم قادرين على مواصلة إدارة شئون البلاد.. وبذلك نكون قد عقمنا سلطتهم وأزلنا السم منها.. ليصبح شرف خدمة الشعب هو مكافأتهم الوحيدة! كان أفلاطون يرى أن العدالة فى المجتمع أشبه ماتكون بانسجام العلاقات التى تجمع الكواكب فى حركتها المنظمة.. ويعترف بنفسه أنه وصف دولة مثالية صعبة التحقيق.. ولكنه مقتنع بأن أهمية الإنسان تكمن فى قدرته على تصور عالم أفضل! ظل أفلاطون يدعو إلى جمهوريته المثاليه الخياليه.. وطبعا لم يلتفت إلى كلامه العبيط أحد.. حتى تلقى فى عام 378 ق.م دعوة من «ديونيسيوس» حاكم «سرقسة» المزدهرة القوية عاصمة صقلية فى ذلك الوقت لتحويل دولته إلى دولة مثالية «يوتوبيا».. وعندما فوجئ الملك بأن نظرية أفلاطون تستلزم منه أن يصبح فيلسوفا أو يتوقف عن كونه ملكا.. قفش عليه وعصف به وطرده من القصر بتاعه شر طردة.. هام أفلاطون على وجهه فى البلاد بعدها كالمجنون.. وكانت العيال الصغيرة بتحدفه بالطوب وهى بتشاور عليه وتقول.. «العبيط اللى عايز الحكام يبقوا فلاسفة يا إما يتنازلوا عن الحكم أهو.. العبيط اللى عايز الحكام يبقوا فلاسفه يا إما يتنازلوا عن الحكم أهو» .. تروى القصة بعد ذلك أن أفلاطون قد بيع فى سوق العبيدحيث قام بشرائه وتحريره من العبودية أحد تلاميذه المخلصين! كتبت هذا المقال منذ حوالى 5 سنوات أيام إنتخابات الرئاسة الأخيرة التى فاز فيها الرئيس السابق مبارك تحت عنوان «هل كان أفلاطون عبيطا؟!».. الآن أراه مناسبا للنشر أكثر ولكن تحت عنوان جديد.. «نعم.. كان أفلاطون عبيطا»!