عندما التحقت بالعمل بدار «الهلال» (المصور) سنة 1975 كان فوميل لبيب هو فتى الشاشة الأول فى الدار.. فقد كان يكتب فى «المصور».. وفى «حواء» وفى «الكواكب» مقالا لكل مجلة أسبوعيا.. ورغم أننا كنا نعمل فى دار واحدة. فلم نكن نلتقى إلا قليلا.. ثم شاءت المقادير أن نتجاور فى المسكن، كما كنا نتجاور فى العمل.. فقد بنيت منزلى المتواضع فى مدينة الصحفيين مجاورا لفيلا فوميل لبيب الضخمة.. بل كنا نملك حديقة مشتركة! زميلان فى السكن وفى العمل.. لكن لم نكن أصدقاء.. ثم شاءت المقادير أن يتزوج من الصحفية الشابة جانيت فرج التى جاءت للتمرين على العمل الصحفى فى «دار الهلال» ورشحت الدار فوميل لبيب لأن يكون أستاذها.. وقد كان لفارق السن بينهما سبب آخر ليكون هو الأستاذ وهى التلميذة.. ثم كان حجمه الكبير ورقتها سببا ثالثا للأستاذ والتلميذة. لكن زواج فوميل وجانيت كان سببا لقيام الصداقة بيننا.. ولما كانت مجلة «الإذاعة والتليفزيون» التى كنت أرأس تحريرها لها مقر فى دار «الهلال» إضافة إلى كونها تطبع فى الدار.. فقد أصبحنا «برنا» وأنا، وهو الاسم الذى يستخدمه أصدقاء جانيت فى الحديث معها.. صديقين. كنت اصطحب «برنا» فى الذهاب إلى «دار الهلال».. ويعود كل منا منفردًا بعد الظهر لاختلاف مواعيد العمل. ثم أصبحت الضيف شبه الدائم على العشاء فى منزل فوميل و«برنا» وكل ما أفعله أن أتمشى نحو 100 متر لأكون فى منزلهما العامر.. و100 متر أخرى وأعود إلى منزلى.. لا مواصلات ولا سيارات، ولا أوتوبيسات.. مجرد الدوران عند الناصية.. وأحيانا فى الحديقة، وأكون فى منزل الصديقين العزيزين.. وأحيانا يكون معنا أقارب جانيت وتصبح السهرة «ندوة سياسية أدبية لا مثيل لها». كان فوميل صحفيا «ملو هدومه».. متعدد المصادر.. لا يكتفى بالعمل فى دار «الهلال» بمطبوعاتها المختلفة.. لكن أصبح مراسلا لعدد كبير من الصحف العربية.. خصوصا اللبنانية.. وأصبحت له علاقات واسعة.. ومصادر مهمة للمعلومات. ولعل ذلك ما دفع الرئيس الراحل أنور السادات ليصطحبه معه فى رحلته إلى القدس.. وكتب عن رحلة السادات سلسلة من الموضوعات.. واتبع ذلك بكتابة «إلهام السلام الصعب» وله 17 كتابا آخر فى الفن والسياحة وأدب الرحلات.. وهو المؤسس لاتحاد الكتاب السياسيين. وتشاء المقادير أن تستكمل لفوميل عناصر الحياة السعيدة، فرزق بثلاثة أبناء أيمن ودينا وحازم. وأيمن رجل أعمال ناجح.. ودينا تعمل فى شركة لوفتهانز.. أما حازم فكان الفاجعة التالية بعد وفاة والده.. رحل حازم فى حادثة سيارة.. وأكتب هذه السطور بعد وفاته رحمه الله ببضعة أسابيع. وقد كان فوميل من صناع النجوم.. فقد كان يستطيع أن يرفع ممثلا إلى السماء أو يهبط به إلى الأرض.. لتودد الصحف والمجلات التى يكتب بها مصريا وعربيا.. وعدد كبير من نجوم السينما الآن من صناعة فوميل.. ومنهم صلاح ذو الفقار الذى كان كثيرا ما يسهر معنا فى منزل فوميل و«برنا». كان قلب فوميل يعانى من الجهد الكبير الذى يبذله فى عمله.. وهذا الجهد هو الذى أودى بحياته مبكرا عام 1988 وهو دون الستين.. وفى فجر ليلة وفاته اتصلت بى «برنا» وقالت لى إن فوميل تعبان فأسرعت بالذهاب إلى منزله.. كان الصحفى اللامع والرجل القوى قد رحل إلى السماء.. وذلك أفضل جدا! وكانت ثلاجة مستشفى العجوزة معطلة، فنقلوه إلى صالة منزل مجاور.. وتحملت مع «برنا» لحظات من أقسى ما مر بها وبى فى حياتى.. أمدها الله بالصبر على فقد زوجها وابنها.. وعزائى القلبى للصديقة العزيزة!