«معونة أمريكا ومصر..الأمر معقد»، كان هذا عنوانا لتقرير عن المعونة الأمريكية لمصر نشرته دورية «صدى» التابعة لمؤسسة كارنيجى الأمريكية للسلام أعدته تاليا بيتي الباحثة والمحرّرة المستقلّة في الأقسام الخاصة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا حول المعونة الأمريكية لمصر. وجاء في مستهل التقرير إنه في 28 سبتمبر الماضي، أبلغت إدارة أوباما الكونجرس بأنّها ستخصّص مبلغ 450 مليون دولار لدعم الموازنة المصرية، كجزءٍ من مليار دولار كان الرئيس الأميركي أعلن في مايو 2011 عن منحها لمصر بهدف تخفيف عبء الديون المترتِّبة عليها، وقد يبدو هذا الرقم كبيراً جداً، لكنّه حقيقةً لايندرج لا في إطار المساعدات الخارجية الجديدة، ولا في إطار أموال المكلّفين، وما هو إلا إعادة توزيع للدفعات المنتظمة التي تسدّدها مصر استيفاءً لديونها؛ فبدلاً من إيداع هذه الأموال لدى الخزانة الأميركية، يُعاد تخصيصها لدعم الاقتصاد المصري خلال هذه المرحلة الانتقالية. وتابعت الباحثة قائلة «الإعفاء من الديون هو أحد الأساليب المبتكرة العديدة التي استخدمتها الإدارة الأميركية في العامَين الماضيين؛ فقد استعملت الولاياتالمتحدة نحو 800 مليون دولار من الأموال التي هي في معظمها من المخصّصات، لدعم الهيئات الأهلية وإدارة الانتخابات وتشكيل الأحزاب السياسية، فضلاً عن الدعم المباشر لموازنات الحكومات الناشئة في تونس ومصر وليبيا. لكن، وفي حين أن اللمسات الأخيرة لم توضَع بعد على آلية تخصيص المليار دولار للإعفاء من الديون، يهدف مبلغ ال450 مليون دولار إلى إظهار الثقة الأميركية وتمهيد الطريق أمام المفاوضات الجارية بين مصر وصندوق النقد الدولي منذ مارس الماضي للتوصّل إلى اتفاقٍ يتيح للحكومة المصرية الحصول على قرضٍ من الصندوق. ومن أجل الحصول على قرض من الصندوق وقدره 4.8 مليارات دولار، يتعيّن على مصر وضع خطّة لخفض العجز في موازنتها، وقد تعهّدت إدارة أوباما بتسديد 260 مليون دولار إضافية عند إنجاز الاتفاق مع الصندوق قبل نهاية العام الجاري». واستطردت تاليا بيتي قائلة إن «تلك الخطة الهادفة إلى تخصيص 450 مليون دولار من أصل مليار دولار لدعم الموازنة المصرية لم تلقَ ترحيباً في كل الأوساط في الولاياتالمتحدة، حيث عارض البعض فكرة تمويل الحكومة المصرية الجديدة التي يقودها الإخوان المسلمون». واستمرت كارنيجي قائلة إنه «لدى النظر في تقديم المساعدات إلى مصر، على الولاياتالمتحدة أن تواجه بعض الحقائق غير المريحة عن عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية وافتقارها إلى المرونة في ذلك البلد، فمن الخطأ التعامل مع المساعدات الخارجية الأميركية وكأنها حنفية يتم تشغيلها ثم تُغلَق مرة أخرى عندما تخرج الحكومة المصرية عن خط السياسة الأميركية، فذلك الأمر يتنافى مع منطق المساعدات كما أنه ينطوي على سوء فهمٍ لطبيعة العلاقات الأميركية-المصرية». وأشارت الباحثة إلى أن هناك روابط مؤسّسية مهمة بين الحكومتَين، تمثل أهمية كبرى لكل منهما، لكن إذا ما نظر للمسألة بلغة الإنجازات المشتركة والمصالح المتبادلة فالشراكة الأميركية- المصرية تظهر بمظهر ما دون المتوسط إلى حد كبير، ويجب إعادة تقويمها. وتابع موقع «صدى» التابع لمركز كارنيجي في تقريره قائلا إنه «رغم التعاون الحكومي الممتدّ على مايزيد عن ثلاثة عقود، ثمة شعور ملموس بالمرارة بين الحكومتَين، فالحكومة المصرية، في عهد مبارك كما الآن، مغتاظة من القيود التي تفرضها الولاياتالمتحدة على المساعدات، ولاسيما تمويلها المباشر للمنظمات الأهلية، ومنذ الإطاحة بمبارك، فرض الكونجرس قيوداً أو شروطاً على المساعدات العسكرية عبر ربط إرسال الأموال بتسليم المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر السلطة إلى حكمٍ مدني». وأشارت كارنيجي إلى أن حينما وافق الطرفان على أنه من المحبذ الانتقال من المساعدات الخارجية نحو تعزيز التجارة بين الولاياتالمتحدة ومصر، لم تتخذ خطواتٌ عمليةٌ لإصلاح آليات المساعدات الاقتصادية الأميركية، ولاسيما بسبب المنافع العسكرية، فالحكومة المصرية تشعر بأنّ الولاياتالمتحدة تفرض قيوداً أكثر من اللازم لمنح المساعدات، إذ تشترط على مصر احترام معاهدة السلام مع إسرائيل والإبقاء على الامتيازات الممنوحة للجيش الأميركي، وعلى وجه الخصوص أولوية الولوج إلى قناة السويس التي تتمتّع بها الولاياتالمتحدة، فضلاً عن حقوق التحليق في الأجواء المصرية، وعلى أغلب الظن، لن يرغب الجيش الأميركي في وضع هذه الامتيازات على طاولة المساومات وإعادة النظر فيها. وتابعت قائلة إنه في المقابل، تستخدم مصر المساعدات العسكرية للحصول على المعدّات والمؤازرة والتدريب من الشركات الأميركية، الأمر الذي يعود بالمنفعة على مصنّعي الأسلحة في مختلف أنحاء الولاياتالمتحدة.