ثورتنا العظيمة فجّرت أشياء كثيرة جدا فى مصر، وزلزلت الأرض زلزالًا شديدًا تحت أقدامنا جميعًا، مما أخرج لنا من باطنها كائنات كانت مخفيّة عن العيون، فالثورة لم تسقط فحسب الفرعون الأخير، ولكنها أسقطت أيضًا الكثير من الأقنعة، وكشفت عن كثير من الحقائق الغائبة عن الأذهان. ومن ضمن ما حدث فى مصر حالة عجيبة من فقدان «البوصلة»، أو عدم الاتفاق على الاتجاه العام الذى يجب أن نسير فيه! بمعنى أننا لم نعد قادرين على الاتفاق معًا على مجموعة من المبادئ العامة، أو الأهداف العليا التى لا نختلف عليها! وثمة موضوع يبدو أنه واضح للغاية، ولا يسمح لنا بأن نختلف حوله، وأقصد موضوع الأنفاق الموجودة على الحدود المصرية، فهناك المئات من الأنفاق المحفورة منذ سنوات بين مصر وغزة، وهذه الأنفاق كانت تمثل شريان الحياة بالنسبة إلى أهلنا المحاصرين فى غزة، فى أيام نظام حكم المخلوع، لكن الآن الأوضاع تغيّرت، وتم فتح المعابر بطريقة طبيعية، فلماذا تمر البضائع مهرّبة من تحت الأرض؟! ولننظر فى ما كتبه اثنان من كبار كتابنا عن هذا الموضوع الواضح، (أحدهما صدمنا بشدة حين أعلن فى انتخابات الإعادة تأييده لقاتل شهدائنا فى موقعة الجمل، ولمجرم هارب الآن من العدالة)!، لكن أحمد رجب كتب: «لماذا اكتفينا بهدم 31 نفقًا فقط من 225 وتركنا الباقى ممرات حرة لهم؟ الغريب أن هذه الأنفاق تم حفرها لكى تبقى، فبعضها مكيّف الهواء، وتزينت الحوائط فيها بالقيشانى، لماذا نترك حدودنا نهبًا لكل عابر خطر ومهرب ومعتدٍ وأداة لقتلة أولادنا فى الكرّ والفرّ؟ قولوا لنا ماذا يحدث فى سينا؟». فى حين كتب فهمى هويدى: «لم أفهم، ولا أحد ممن أعرفه فهم، لماذا قررت مصر هدم الأنفاق التى تصل بين غزة وسيناء، فى خطوة مفاجئة لم يلجأ إليها نظام مبارك. أدرى أن المتحدث باسم القوات المسلحة أعلن فى مؤتمر صحفى عقده يوم 2/10 أن تلك الخطوة تمت لاعتبارات تتعلق بحماية الأمن القومى المصرى، وهو اعتبار مهم لا ريب، لكن الكلام يظل ناقصًا وغير مقنع ما لم يذكر لنا المتحدث الرسمى شيئًا من مظاهر أو قرائن تهديد الأمن القومى التى سببتها تلك الأنفاق». ويؤكد فهمى هويدى أننا دمّرنا وأغلقنا 104 أنفاق حتى الآن، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار داخل القطاع! ثم يضيف: «هل كانت مصدرًا لتهريب السلاح إلى مصر، أو معبرًا يستخدمه الإرهابيون والمتطرفون أو طريقًا يسلكه مهربو المخدرات على الجانبين. وهل ثبت ذلك فى قضايا مرفوعة أو تحريات موثوقة؟». فهل تريد منا يا أستاذنا أن نرفع قضايا فى المحاكم، وننتظر حتى تصدر لصالحنا أحكام قضائية نهائية لكى نغلق أنفاقًا تحت الأرض تُستخدم فى التهريب؟! يمكن للأستاذ فهمى أو غيره أن يطالب بفتح المعابر بصفة دائمة، وبما يسمح بمرور كل ما يحتاجه الفلسطينيون، لكنه للأسف الشديد يطالب ببقاء عمليات التهريب عبر الأنفاق السرية!