جرّب وأنت تسير بالشارع فى القاهرة أو فى أى مدينة مصرية أن تستوقف مئة من المارة وتسأل كلا منهم على حدة: هل تعرف الدكتور أحمد زويل؟ ليس لدىّ شك فى أن أكثر من تسعين من المئة شخص سيردون بالإيجاب وقد يضيفون إليك عن الرجل معلومات لم تكن تعرفها، قرؤوها بالصحف أو شاهدوها بالتليفزيون. أنا شخصيا لم أحاول أن أفعل هذا بالقاهرة، لأننى واثق من النتيجة، لكننى فعلت شيئًا يشبهه فى أثناء زيارتى الحالية إلى أمريكا فتحدثت مع عشرات الأمريكان من كل الأنواع والأصول وسألتهم إذا كانوا يعرفون الدكتور زويل، ولم أجد أحدًا يعرفه أو سمع باسمه على الإطلاق. ما المقصود من هذه الحدوتة؟ هل المقصود هو التقليل من شأن الدكتور زويل فى وطنه أمريكا؟ حاشا لله أنْ أقصد هذا، وإنما أقصد أن الشهرة والصيت الإعلامى للرجل موجودان هنا بمصر وفى عالمنا العربى فقط، أما فى أمريكا فإن وفرة العلماء الحاصلين على الجوائز العلمية، ومن ضمنها نوبل لا تجعل من أحدهم نجمًا تليفزيونيا يعرفه الناس. ليست وفرة العلماء فقط وإنما نزوع العلماء الفطرى للبعد عن الأضواء وانكبابهم على شغلهم وأبحاثهم فى المعامل والمراكز البحثية لا يترك لهم وقتًا للبحث عن النجومية واللمعان، وحتى لو وجد أحدهم الوقت والرغبة فى ذلك فإن الجمهور من المواطنين العاديين لا يتخذ من العلماء أبطالا له، ولا يقوم المراهقون هناك بتعليق صورهم على الدولاب والثلاجة. والحقيقة أن وسائل الإعلام عندنا أو قل بعض الكتّاب قد نشروا أكذوبة، مفادها أن المواطن عندنا تافه وسخيف، لأنه يتخذ من نجوم السينما ولاعبى الكرة أبطالا له، يهيم بهم حبا وشغفًا وتشجيعًا ومتابعة، وذلك على العكس من المواطن الواعى الحصيف فى الغرب الذى يوقع الأوتوجرافات فى الشارع من علماء الفيزياء والكيمياء والطب والذرَّة! وهذا غير حقيقى بالمرة، فرهبان العلم هناك لا يعرفهم أحد والناس لا تهتم سوى بنجوم الغناء والتمثيل وكرة القدم والبيسبول.. أما العلماء فيحظون بتقدير الدولة المادى والمعنوى ويلقون من الجهات الرسمية كل الرعاية والاهتمام من أجل أن يتفرغوا لعملهم الجليل الذى لا يصنع شهرة شعبية ولكن يحفر أسماء العلماء فى سجلات التاريخ الناصعة. من هنا، فى تقديرى يأتى اهتمام وشغف الدكتور أحمد زويل بزيارة مصر وكذلك شقيقاتها العربيات كلما تيسر له ذلك، وهو فى الحقيقة يتيسر بكثرة فى السنوات الأخيرة وبالتحديد بعد فوزه بجائزة نوبل، خصوصًا أن هذا الفوز قد حوله إلى نجم يضاهى نجوم السينما فى الشهرة وذيوع الاسم، الأمر الذى جعل الرجل ضيفًا دائمًا على لقاءات وفاعليات ومؤتمرات وأحداث لا تمت إلى العلم بصلة، وإنما بعضها فنى وبعضها إعلامى وبعضها قانونى لدرجة أن اللجنة التأسيسية للدستور قد دعت الدكتور زويل وطرحت عليه ما قامت به من عمل وناقشته فيه! ومن الواضح أن العالم الأمريكى من أصل مصرى أحمد زويل رجل محب للشهرة وشغوف بالأضواء بصورة كبيرة، وهو يجد هنا عند شعبنا الطيب ومسؤولينا الكواحيل الحفاوة وحسن الاستقبال طول الوقت على أمل أنه سيأتى اليوم الذى يسهم فيه هذا العالم الفائز بجائزة نوبل عام 99 فى إحداث نهضة علمية فى البلاد. تمر السنوات والرجل يجىء ويذهب ويسجل لقاءات صحفية وتليفزيونية ويحضر مآدب غذاء وعشاء ويخطب فى الميكروفونات ويقيم مؤتمرات صحفية ويفتى فى السياسة والإعلام.. كل ذلك دون أن يقدم ولو بثلاثة تعريفة من علمه الغزير لهذا الوطن ودون أن يرينا لمحة صغيرة من كراماته! كان الكلام قبل الثورة أن مبارك يغار منه ولا يريده أن يقدم جهدًا علميا فتزيد شعبيته فى الشارع! وعلى الرغم من نطاعة مبارك فإن هذا الكلام غير حقيقى بدليل أن مبارك غار فى داهية ودخل السجن منذ شهور طويلة، ومع ذلك فإن زويل ما زال يذهب ويجىء ويتعلل طوال الوقت بالعقبات التى يضعونها فى طريقه، وحتى عندما يلوح أننا قد نرى من الرجل شيئًا قبل أن نموت نكتشف أن زويل قد وضع اسمه على جامعة النيل وسماها مدينة زويل العلمية، ثم اتخذ من النزاع المتوقع مع أصحابها سببًا فى بقاء الأوضاع كما هى. أنا لن أتوجه إلى الدكتور زويل بالحديث ولن أناشده أن يتركنا فى حالنا، لكننى أقول لذوى الشأن من المسؤولين: لا يحلمن أحدكم بأن الولاياتالمتحدة ستترك مستشار الرئيس الأمريكى يرعى المشروعات العلمية فى دولة يتخوفون منها ولا يريدون لها نهوضًا، ولا يحلمن أحدكم أن زويل الحاصل على جائزة «وولف» من إسرائيل عام 93 نتيجة جهوده العظيمة فى الخدمة والتعاون مع الدولة العبرية سيقدم لكم شيئًا. إن الرجل سيواصل مسيرته العلمية الجادة فى خدمة وطنه أمريكا وربيبتها إسرائيل، وسيظل يأتى إليكم عندما يحب أن يستريح من عناء العمل لينعم بالأضواء والفلاشات والحفلات والسهرات.. افهموا بقى!