عندما سافرنا إلى أوروبا ونحن طلبة لنعمل فى غسل الصحون وبيع الجرائد فى فترة الصيف كان هناك حلم مشترك بين الأصدقاء الذين عشت بينهم فى شقق ضيقة كان يتم تأجيرها بالسرير.. حلم فوجئت باجتماع الكل على تمنى تحقيقه من أجل أن ينقلهم نقلة توفر عليهم سنين من التعب والعرق والمرمطة، وكان لهم فى التعبير عن هذا الحلم نكات وإفيهات وحواديت لا يملون من ترديدها. هذا الحلم ببساطة هو أن يتلقى سعيد الحظ عضة من أحد الكلاب التى تتنزه مع أصحابها كل يوم فى الحدائق والشوارع.. عضة بسيطة لا تترتب عليها أضرار جسيمة ولا تؤدى إلى مرض حقيقى.. فقط بعض الرضوض والخدوش وبالكثير جرح يلتئم خلال أيام، لكن تكون نتيجته أن طاقة السعد سوف تنفتح على اتساعها للحصول على تعويض معتبر يدفعه صاحب الكلب أو شركة التأمين. وكان بعض المغامرين يندفعون أحيانا ويذهبون بالحلم إلى مستوى أعلى من الإثارة والخطر بقبولهم فكرة أن تصدمهم سيارة صدمة خفيفة يترتب عليها كسر فى الساق أو الذراع ثم بعد الشفاء يفتحون أحضانهم لاستقبال الثروة والحياة الجديدة. طافت ببالى هذه الذكريات بعد النهاية السعيدة التى حدثت منذ فترة لقصة صفع الوجيه الأمثل رجل الأعمال لرجل غلبان على وجهه مع سب دين الذين خلفوه فى وجود السيد محافظ الشرقية، بينما الجميع ينتظرون قدوم رئيس الوزراء عصام شرف. فى هذه القصة انبرى الكتاب والناشطون السياسيون للدفاع عن الرجل الذى تعرض للظلم والإهانة، وظهرت المجموعات على الإنترنت تطالبه بالصمود وعدم التخلى عن حقه، وأنا شخصيا كتبت أُطمئن الرجل بأننا معه وناشدته أن لا يقبل الصلح وأن يصر على الحصول على حقه كاملا بالقانون.. بالعربى نهضت مصر الحرة بأكملها وهبت للدفاع عن الرجل، فى الوقت الذى نشط فيه شماشرجية مرتكب الجريمة وخداموه، فحاصروا الضحية بالإغراءات المادية مقابل التنازل وطى الموضوع بعيدا عن النيابة والمحكمة. ورغم هذا فمن الواضح أن الرجل قد أصاب ثروة كبيرة لم يكن يحلم بها هبطت عليه من السماء على غير توقع مقابل صفعة نالها على الوجه مع باقة منتقاة من الشتائم أصابت أباه وأمه، كما أنه من الواضح أن الحملة الكبيرة لمناصرة الرجل والتى أسهمتُ فيها شخصيا بمقال نارى قد رفعت من قيمة التعويض وقدمت للرجل صفقة العمر ونقلته إلى مصاف الأغنياء أو المستورين على الأقل.. وهى صفقة فى عمومها لا تختلف عما رأيناه فى الفيلم الشهير «عرض غير مهذب» الذى شاهدناه منذ سنوات بطولة ديمى مور وروبرت ردفورد عن ملياردير شهير عرض على رجل أن يؤجره زوجته لليلة واحدة مقابل مليون دولار! فى البداية شعرت بالغضب لأن الرجل أفلت من يده فرصة للقصاص كنا سنساعده عليها ورضى بقرشين ثمنا لكرامته التى تبعثرت، لكنى بعد تفكير عذرت الرجل الذى لا هو ثائر ولا صاحب قضية.. هو مجرد رجل غلبان يسعى على لقمة عيشه، والصفعة التى نالها وقبض مقابلها مبلغا كبيرا، ينال مثلها الآلاف من المواطنين كل يوم على يد الإرهابيين من رجال الأمن دون مقابل! ولا أدرى لماذا تذكرت الحلم القديم للشباب فى أوروبا بعضة كلب يتلوها مبلغ التعويض وربطت بينها وبين ما فعله الرجل الذى نال الصفعة، لكنى حاولت إقناع نفسى بأن عضة الكلب شىء وتلقى صفعة على الوجه من شخص يملك المال شىء آخر.. لأن عضة الكلب مؤلمة لكنها ليست مهينة، كذلك فيها بعض الطرافة التى تبقى بعد أن تزول الخضة والألم، فى حين أن الصفعة تكسر الروح.. نعم قد يكون كل هذا التنظير صحيحا، لكن بشرط واحد هو أن تكون العضة عفوية ولا تمثل حدثا مفرحا وتحقيقا لحلم طال انتظاره.. لأنه فى الحالة الأخيرة تكون عضة الكلب مماثلة لصفعته!