بعيدًا عن تحليلات نتائج زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لألمانيا وملحقها المجر، والتى يعتبرها البعض نجاحًا لدرجة أطلقوا عليها «غزوة برلين»، وذلك فى ظل الوفد الشعبى الفنى الذى لم يكن له أى دور فى التواصل مع الشعب الألمانى، وتقديم صورة أخرى له بعيدًا عما يعتقده الألمانى من أن ما جرى فى 30 يونيو انقلاب. بعيدًا عن كل ذلك، وكل ما أحاط بالزيارة، لا بد من الانتباه إلى أهمية مصر. تلك الأهمية التى تأتى من بَشَرها وجغرافيتها وتاريخها، تلك الأهمية التى جعلت دولا كثيرة تسعى إلى العلاقة مع مصر، فرغم معارضة الصحافة الألمانية لزيارة الرئيس السيسى، وإن لم ينعكس ذلك على لقاء المستشارة الألمانية بالرئيس، رغم انتقاداتها لحالة حقوق الإنسان وأحكام الإعدام وما زعمته عن التخلص من حاكم جاء بانتخابات ديمقراطية، فإنها أوضحت أن زيارة السيسى أظهرت لبرلين أنه حتى بالنسبة للألمان فالمصلحة المرتبطة بالوضع الأمنى والاستقرار فى المنطقة أهم من المبادئ بالنسبة لها، فليس للمبالغة فى الاعتبارات الأخلاقية مكان فى السياسات الخارجية، والسؤال القائم حاليا هو: كيف يمكن شرح موضوع حقوق الإنسان العالمية، وقيم الديمقراطية لمثل هؤلاء الناس؟ وبالنظر إلى كيفية تعامل ممثلى الحكومة الاتحادية مع هذا الموضوع فى برلين فقد تم ذلك بشكل محتشم جدًّا بصحيفة «تريشيه فولكس تشايتونج». وهو الأمر الذى كان يدركه الرئيس السيسى هذه المرة بشكل واضح، وانعكس فى مرافعته فى المؤتمر الصحفى الذى عقده مع المستشارة أنجيلا ميركل، والذى اعترف فيه بانتخاب محمد مرسى انتخابات ديمقراطية بنسبة 51٪، ولكن الشعب هو الذى أطاح به. وحرص على القول إن مصر دولة دستورية منذ دستور 1923، ولعل كل زيارات الرئيس لدول الغرب ستواجَه بمثل هذه القضايا المطروحة، فى ظل تراجع الأوضاع بالفعل، وتأخر الانتقال الديمقراطى، وعودة عنف الشرطة، واستمرار مطاردة شباب ثورة 25 يناير، وعودة رموز نظام مبارك إلى الساحة السياسية والعامة بروح الانتقام من الذين خرجوا فى الثورة عليهم. فمن العيب وصف مصر الآن بالدولة القمعية البوليسية، ومن العيب أن يتم وصف رئيس منتخب بالديكتاتور، فأين الدولة الدستورية؟! وأين الدستور الذى يحفظ كرامة المصرى الذى ناضل ضد الديكتاتورية للحصول عليها واستطاع أن يطيح برئيس فاسد ومستبد أراد أن يكون الحكم وراثيا بعد أن ظل جاثما على صدور المصريين 30عاما، وأراد للفاشية أن تحكم البلاد وأن يتبع الوطن جماعته؟! لقد قامت ثورة 25 يناير، و30 يونيو من أجل بناء مصر الجديدة التى تتمتع بالديمقراطية والحرية وكرامة بشرها. فأين ذلك الآن؟ وسيظل هذا مطروحا على الرئيس فى كل زياراته، ولا بد من الاستعداد لذلك، بشكل قوى، فالتقدم الاقتصادى إن حصل لا يغنى أبدا عن الانتقال السياسى والديمقراطى، فيا أيها الذين تديرون البلاد طبقوا الدستور.