غبت لفترة كنت فيها فى رحلة علاجية أتمنى ألا تطول، وأضطررت للخضوع لجراحة بسيطة وفى أثناء ذلك إكتشفت كيف أن التجهيز للجراحة يكون أحيانا مؤلما فى حين لا يشعر المرء منا بالجراحة نفسها لأنه يكون تحت تأثير التخدير.. ومن هنا وجدتنى أتامل فى معنى الألم واللا ألم. وكيف أن الوعى سر الألم، فأنت لا تتألم إذا كنت مخدرا.. فى حين تشعر بكل حواسك وأنت واعى. الأوجاع ليست فقط جسدية بل أن هناك من الآلام المعنوية ما يفوق الجراح، فالخيانة أو فقدان الثقة فى المقربين ، فقد الأحباب، العوز وقصر ذات اليد، الإحساس بعدم الآمان،التعرض لظلم أولقهر، كلها مشاعرمن الصعب عنها. أحيانا يكون الألم مفيدا، فهو ينبهك إلى التوجه للطبيب، ويساعد وصفك له على تشخصيه وإيجاد علاج له. آلام الشعراء الكتاب طالما عبروا عنها فى قصائدهم ورواياتهم فخرجت لنا دواوين شعر وروايات غاية فى المتعة.. وكلما إزداد تعمق الكاتب فى تجربته المؤلمة، برع فى تصويرها على الورق، فيخرج عملا إبداعيا صادقا مميزا. عادتنى يوما فتاة عربية جميلة بشوشة الوجه دمثة الخلق، بعد فترة من تعارفنا عرفت أنها خضعت منذ عامين لجراحة لإستئصال الثديين، ساءنى ما قالت وأشفقت عليها، كانت تتحدث بكل بساطة ورضا بقضاء الله، سألتها عن إن كان لديها أطفال، فتبسمت وقالت أنها لا تزال فتاة ولم تتزوج بعد، فوجئت بقولها ذلك، حاولت أن أخفى إشفاقى عليها وقلت لها لبث الأمل فى صدرها أنه عما قريب ستلتقى بفارس أحلامها، لفت وجهها نظرات حزينة قائلة: من ذا الذى سيرضى بى وأنا بهذه الحال، رق قلبى لها أكثر ودعوت لها أن يرزقها الله بخير الرجال لجمال روحها وطيب أخلاقها. وجعلت أذكر لها بعض الرويات التى عانت بطلاتها من آلام وأحزان وإنتهت نهايات سعيدة عكس توقعاتهن.. ووجدتنى أحدثها عن رواية نادية للكاتب الراحل الكبير يوسف السباعى، وكيف كانت نادية (التى مثلت دورها فى فيلم سعاد حسنى) تتبادل الرسائل مع فارسها وهى تخفى عنه شخصيتها وتفاصيل الحادث التى ترك أثر حروق على رقبتها، حتى سافر إليها ذات يوم وإكتشف الحقيقة.. ولم يغير ذلك من مشاعره نحوها. قلت لها :الحب إذن يفعل المعجزات.. إبتسمت ووجههت يديها لله قبل أن تصافحنى وتنصرف. كثير من الآلام التى تواجهها قد تشعرك أنها نهاية العالم، أنك لن تستطيع التغلب عليها، لا تجعلها تهزمك، ببعض الصبر والإيمان وحب من حولك وحبك لنفسك وثقتك فى أنك ستنتصر عليها ذات يوم تستطيع التغلب عليها. ودائما تذكر قوله تعالى (إن مع العسر يسرا)، فالله تعالى دائما موجود، يرسل البلاء إختبارا للإنسان ليرى هل يصبر عليه أم لا، ولكى يسمع دعاؤه، ثم يكشف عنه البلاء وقتما شاء. ليس أكثر من مرض سيدنا أيوب عليه السلام، الذى استمر سنوات طويلة، وكانت زوجته تسأله كيف يرسل له الله مرضا وهو نبيه، فكان يقول لها أن الله قد متعه بصحته عمرا طويلا، فكيف لا يكون عبدا شكورا ويتحمل بضعة سنوات من المرض، فأوحى إليه ربه بدعاء (رب أنى قد مسنى الضر وانت أرحم الراحمين) وأن يركض فى الأرض دلالة على ممارسة الرياضة، وأن يغتسل من نهر، دلالة على أهمية الإغتسال، حتى شفاه الله. قل لنفسك أنك قوى الإرادة، وأنك تستطيع أن تضع نهايات الأمور، قم بدورك حيال ذلك، إصبر، لا تضعف، لا تستسلم، ثق أنك سنتنتصر.. بعدها إنتظر جزاء الصابرين.