اعتلى الدكتور سمير سرحان المقاعد التى جعلته من أهل النفوذ فى الثقافة المصرية، وربما العربية كذلك، خصوصا أنه كان يترأس الهيئة المصرية العامة للكتاب لزمن طويل، هذه الهيئة أو المؤسسة التى كان -ولا يزال- يتطلع إلى التعامل معها القاصى والدانى، والكبير والصغير، ويشدو كثيرون بإنجازات سمير سرحان فى كل مجالات النشر، هذا بالإضافة إلى أنه حوّل معرض الكتاب من مجرد معرض لعرض الكتب وبيعها، إلى ظاهرة ثقافية تغمر الحياة كلها برحيق الثقافة والفكر، ويشارك فى صناعة هذه الظاهرة مثقفون وكتّاب وشعراء كبار من طراز محمد حسنين هيكل وفرج فودة ومحمود درويش وعبد الرحمن الأبنودى وأدونيس وسعدى يوسف وغيرهم. كذلك انطلق فى عهد سمير سرحان أكبر مشروع ثقافى لنشر الكتاب، وهو مشروع مكتبة الأسرة، الذى تبنَّته السيدة سوزان مبارك، وجعلته قرينًا لها، ووجها آخر لإنجازاتها، هذا المشروع الذى ظل يعمل بوتائر مختلفة حتى الآن، وتائر تحتمل الصعود والهبوط، والفساد وانعدام الضمير فى نشر الكتب -قلنا ذلك فى حينه- فى وقت واحد، لذلك، أصبح هذا المشروع -آنذاك- حكرا على فئة محدودة من الصحفيين والقيادات الثقافية، الذين كانوا يتقاضون مبالغ طائلة تتجاوز الثلاثين ألفا من الجنيهات، فى ظل أن كاتبا مثل الراحل يوسف إدريس كان يُنشر له كتاب فى ذات المشروع، ولا يتقاضى أكثر من ألفى جنيه! بالتأكيد إن شخص سمير سرحان لم تكن مسؤوليته كاملة، فالمنظومة كلها كانت معطوبة، والسفينة كانت مبحرة بقوة نحو الغرق بضراوة، رغم كل هذه الأبَّهة التى كانت تزدان بها الثقافة يمينا ويسارا، ورغم هذه الإصدارات التى كانت بأسعار زهيدة، والتى كان الناس البسطاء يستفيدون منها، فإن هذه الإصدارات كانت تأتى كنوع من الجسر الذى تمر عليه إصدارات بائسة لآخرين من قيادات المؤسسات الصحفية الكبرى. وفى عهد سمير سرحان، حظى العالم العربى بأن يكون ضيفًا على معرض فرانكفورت للكتاب، وتصدر عمرو موسى ليكون عرّاب الرحلة، ولكن كان الشعار الذى تبناه موسى وبقية رهط الوفد الذى ذهب إلى هناك، يتلخص فى أننا ذاهبون للدفاع عن أنفسنا، كأننا متهَمون بالإرهاب والتخلف والرجعية وهكذا، كما قال عمرو موسى آنذاك فى مؤتمر عقده مع المثقفين فى جامعة الدول العربية وقتذاك، وحضره جمع من المثقفين والفنانين الكبار مثل جمال الغيطانى ويوسف القعيد ومحمود حميدة، وبالطبع كان سرحان -رحمه الله- حاضرا، وكان يعانى من مرض السرطان آنذاك. وكان سمير سرحان -قبل أن يتفرغ لمناصبه التى كثرت وتتالت- من المثقفين والكتّاب الذين بدؤوا حياتهم مبكرا جدا، ففى أواخر الخمسينيات، وكان وقتها فى السابعة أو الثامنة عشرة من عمره، نجح فى نشر مجموعة قصصية مترجَمة، وكتب له مقدمة الكتاب الناقد الكبير والمرموق وصاحب المعارك الجبارة فى ذلك الوقت الأستاذ أنور المعداوى، وكان وجود اسم المعداوى على مقدمة كتاب ليس مجرد جواز مرور للكاتب فقط بل كان لفتًا حادا لهذا الكاتب، لذلك كان الفتى -سرحان- الذى كان قد اكتشف مقاهى المثقفين، مثل قهوة عبد الله و كافيه أنديانا ، يجلس مع كبار الكتاب مزهوًّا وفخورًا بنفسه وبكتابه الذى قدمه له أحد عمالقة النقد فى ذلك الوقت، وفى كتابه على مقهى الحياة ، كتب سمير سرحان سيرته الذاتية، منذ أن عرفت قدماه التوجه نحو هذه المقاهى. وفور صدور هذا الكتاب عن مؤسسة أخبار اليوم فى عام 1988 كتب كثيرون مديحًا بولغ فى درجته، وقَرَّظه آخرون بشكل مريب فعلا، فقارنه البعض ب أيام طه حسين، و اعترافات جان جاك روسو، ومن جاء على شاكلتهما، وكان هذا المديح الذى ملأ الصحف والجرائد مثيرا لبعض آخر، ربما لم يجرؤ أحد فى ذلك الوقت أن يكتب سلبًا عن الكتاب، لأن الجميع كانوا يحلمون بصدور أعمالهم فى هيئة الكتاب، لذلك فلم يجرؤ على نقد سمير سرحان وكتابه إلا قلة قليلة جدا، وكان على رأس هؤلاء الناقد الراحل فاروق عبد القادر، الذى كتب مقالا تحت عنوان سمير سرحان -على مقهى الحياة- وكل هذه الأكاذيب.. فى كتاب واحد! . ولأن فاروق عبد القادر مولَع بالدقة وبالتاريخ الصحيح، فقد اكتشف مزالق جمَّة للدكتور سمير سرحان، الذى كان يكتب دون الرجوع إلى أى مطبوعات أو تواريخ أو مجلات أو كتب، فاختلطت الأزمنة لديه وتداخلت الخطوط بشكل فجّ، هذا التداخل المخلّ تماما بأى صدق يتحرَّاه أى كاتب يكتب سيرة ذاتية، أو حتى مجرد ذكريات، واشتبكت الوقائع بدرجة تجعل من هذه السيرة مجرد ثرثرات لا معنى لها، هذه الثرثرات التى سمح بمرورها وتقريظها وإعلاء شأنها، ضمير ثقافى خرّبته المنظومة التى كانت -وربما ما زالت- تعمل على قدم وساق فى كل مجالات الحياة. ولا أريد أن أتحدث عن مزالق سرحان الكثيرة، والتى اكتشفها وسرد بعضها فاروق عبد القادر، ولكننى أود الإشارة إلى أن سمير سرحان الذى أفقدته المناصب دقته ووضوحه وصدقه، كان أحد النقاد الذين كتبوا عن المسرح الغربى الأمريكى بشكل لافت للنظر، فبعد بعثته الأمريكية عاد وكتب سلسلة مقالات فى مجلة صباح الخير ، وضمَّن هذه المقالات هذا المقال الذى كتبه فى 6 مارس 1969 تحت عنوان المسرح فى هذا العالم البعيد الجديد ، وفيه خاض رحلة نقدية فى مسرح القارة الأمريكية، وكشف عن بعض المستغلقات التى كانت جديدة على القارئ المصرى آنذاك.