التغيير هو دليل على النضوج، والنضوج هو نتيجة الاستيعاب المواقف وسماع حكايات. أكره الإجابات النموذجية منذ أن كانوا يصرُّون على أن نأخذ جزءا من السؤال ونبدأ به الإجابة حتى تكون نموذجية. كنا لم نتخطَّ الحادية عشرة، حين كنا نمشى فى مجموعة وجاءت فتاة لا نعرفها إلا اسمًا واخترقتنا وأبلغت إحدانا أن مَن تحبه لا يحبها بل هو معها فقط لتخطى علاقته المنتهية بها. اعتبرنا أن ذلك فخر لصديقتنا، فهو اختارها هى الآن وهى الموجودة الآن ولأنها بالتأكيد تنجح فى إلهائه عن آلامه. ولكن حين نضجتُ عرفتُ أن ذلك النوع من العلاقات له اسم خاص ويعتبر استخداما للآخر، وأن الناس ليسوا للاستخدام لغرض معين بل للعِشرة والبقاء. حكت لى امرأة تعمل فى كوافير أن طليقها أرسلها للعمل فى الكويت لأنه لا يمكنه أن يترك وظيفته هنا، وكانت ترسل إليه مرتبها الشهرى إلا قليلا يكفيها. حين عادت كان قد اشترى عمارة وتزوَّج فيها بشابّة، وأخذت هى بناتهما الثلاث وربّتهن وحدها واستعوضت الله. كل ذلك قد يكون كليشيهى. الجديد أنها تحبه، وأنها ما زالت تتمنى بعد عشرات السنوات من الموقف، أن يعود إليها. اندهشتُ من بلاهتها. ولكن حين نضجتُ عرفتُ أن المشاعر ليس فيها 1+1= 2 وأن البلاهة للأسف كثيرًا ما تصاحب الحب، فأصبحت أتفهم ولا أندهش. قبل التخرج فى الجامعة، حين كنت أزور أىٍّ من أهلى فى مكاتبهم، كانت تلمع عيناى حين أشاهدهم داخل تلك الحياة التى تبدو مهمة وقيّمة. فى كل تجاربى العملية، لم تعنينى المناصب ولا الألقاب ولا الكروت وكرهت المكاتب وشكلها وأموت مللًا فى أى اجتماع، وقررت أننى فى يوم ما سأترك ذلك عاليًا لأحقق حلما خاصا خارج تلك الأبواب. ويعتقد البعض أن ذلك استسلام لطبيعتى الكارهة للالتزام وأعتقد أن ذلك اتساق مع النفس وزُهد فى الطريقة التى لا أحبها. منذ سنتين فقط تقريبًا، لم أكن أجد أى صعوبة فى الشرح أو الوصف أو المواجهات، كنت أمتلك القدرة على حكْى ما أقصد لساعة متواصلة دون لعثمة أو لحظات صمت أو محاولات للتذكر. الآن، طاقتى المحدودة تجعلنى أتجنب كل المواقف التى تحتاج إلى كلام. وإن تكلمتُ أنجزتُ. أصبحتُ أرى أنه لا داعى لكلام مكرر وسط آذان صماء وعقول مُصمِّمة. العطاء. كنت أرى أن العطاء ما دام رغبة موجودة وقدرة متاحة فإنه يجب أن نعطى بلا حدود. ولكنى رأيت أن أمام كل موهوب فى العطاء عشرة موهوبين فى الأخذ. فأيّهما كنّا، يجب أن لا نتمادى. تساؤلى الداخلى الدائم: أيهما كان أصدق؟ الفطرة أم ما بعد الخبرة؟ أبحث لهذا السؤال عن الإجابة الأصدق لا الإجابة الصحيحة. أنا أكره الإجابات الصحيحة النمودجية.