ما اقسي أن يفني الإنسان عمره في إسعاد الآخرين و يرحل دون أن يتذكره أحد، أو يترحم عليه أحد، ليس نكرانًا للجميل أو جحودًا ربما هي عجلة الحياة سريعة الوطء التي تلهينا حتى عن تذكر اسم من أضحكونا وأسعدونا يومًا. إجابة في السينما المصرية الآلاف من الممثلين والنجوم الذين لم ينالوا حظهم من الشهرة والنجومية ولم تزين الأضواء أسماءهم على أفيشات الأفلام، ولم تهتم بهم الصحافة والإعلام رغم أن الجمهور ينتظر أحيانًا ظهورهم على الشاشة في كل فيلم. أسماء ربما لم يحالفها الحظ لتكتب على أفيشات الأفلام من الأساس، ولكنها خلقت وجوهًا حفرت ملامحها في وجدان أجيال من المشاهدين، أنت بالطبع لن تذكر أسماء مثل " سعيد أبو بكر، أو عبدالغني النجدي، أو عبدالغني قمر ، أو حسن إسماعيل، أو ميمو رمسيس، أو الطوخي توفيق أو زكي محمد حسن "زكي الحرامي"، أو إسكندر منسي أو والده منسي فهمي، أو محمد كمال المصري أو محمد أحمد المصري أو فؤاد راتب وغيرهم مئات ومئات أسعدونا بأدوارهم على شاشة السينما، ولكنك بكل تأكيد إذا عرضت لك صورهم ستتذكرهم وتتذكر إفيهاتهم وقفشاتهم وتضحك عليها من جديد. حكاية جديدة من حكايات المجهولين أمس الأول توفي الفنان محمد درديري وهو أحد هؤلاء المئات الذين أسعدونا، توفي كما عاش دون ضجيج أو صخب إعلامي فهو ليس نجم شباك ولم يكن يومًا نجمًا من نجوم الدراما، هو واحد من الذين يظهرون في مشاهد قليلة فيتركون في نفوسنا ضحكة أو شجنًا يعيش و يستمر. بدأ درديري حياته الفنية في السبعينيات، فقدم عددًا من المسرحيات إضافة إلى فيلم حب المراهقات عام 1970، بعدها توقف درديري عن العمل لمدة قاربت العشر سنوات، حتى عاد بمسلسل حساب السنين عام 1980، ثم مسلسل نهاية العالم ليست غدا عام 1983. ويبدو أن عام 1983 كانت البداية الحقيقية لمحمد درديري، فقدم بعدها دور الطبيب في فيلم الأفوكاتو مع المخرج رأفت الميهي، وارتبط في أذهان جمهوره بلزمته المرحة "اطمئن"، بعدها قدم فيلم النشالة والبيه ثم مسلسل محمد رسول الله في العام نفسه، وفيلم الوداع يا بونابرت. لينطلق بعدها درديري في السينما بأدوار أكبر بعض الشيء، فقدم فيلم مشوار عمر عام 1986 مع المخرج محمد خان وفيلم "للحب قصة أخيرة" مع الأستاذ رأفت الميهي والطوق والأسورة مع المخرج خيري بشارة، واليوم السادس مع يوسف شاهين، كل هذه الأفلام مع مخرجين بقامة هؤلاء قد تعطيك دلالة على حجم موهبة محمد درديري التي لمسها المبدعين ووظفوها في أعمالهم حتي وإن خرجت في أدوار بسيطة، ولكنها في النهاية تنم عن فنان يملك من الموهبة أكثر مما يتيح له مساحة الدور الذي يؤديه. وفي 1988 قدم درديري عددًا من الأفلام المهمة مثل صاحب العمارة وسمك لبن تمر هندي وزوجة رجل مهم وسرقات صيفية، وفي 1989 قدم الدنيا على جناح يمامة مع عاطف الطيب. واستمر الدرديري في عمله الفني ليقدم كمًّا هائلًا من الأدوار في أعمال مثل ضمير أبلة حكمت الثعلب قليل من الحب كثير من العنف تفاحة البطل هيستريا مبروك وبلبل جنة الشياطين، سكوت ها نصور أبيض في أبيض الناس في كفر عسكر أمير الظلام السيرة العاشورية، العاصفة بحب السينما ، جحا المصري ، فرحان ملازم آدم ، حين ميسرة، الحرامي والعبيط، بدون ذكر أسماء. وواصل الدرديري عطاءه الفني رغم مرضه الشديد، إلا أنه آثر الاستمرار في العمل حتى آخر لحظة في عمره، وفي 24 فبراير 2015 أسلم محمد درديري روحه إلى بارئها تاركًا وراءه ما يقرب من 114 دورًا قدمها في المسرح والسينما والتليفزيون.