كان مفترضًا أن تسود البلاد احتفالات بمناسبة ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير والعيد القومى للشرطة المصرية، كان مفترضًا أن تسود الاحتفالات، فبعد أربع سنوات عجاف بدأت البلاد تعرف طريق الاستقرار، بدأت تنهض من جديد. وفى نفس الوقت بدأت الشرطة المصرية تسترد عافيتها، وتحفظ الأمن والاستقرار فى البلاد، أخذت درسًا لا ينسى مما حدث فى الخامس والعشرين من يناير 2011، حيث انكسرت أمام غضب شعبى عارم، وكانت الفترة الماضية كفيلة بتلقين الجهاز درسا قاسيا، دفعها فى المحصلة النهائية إلى إدخال تعديلات جذرية على طريقة الأداء والتعامل مع المواطنين. وحدها كانت جماعة الإخوان تحمل مشاعر مغايرة للمشاعر الوطنية المصرية، كل تطور كانت تحققه مصر كان يمثل ضربة موجعة للجماعة، كل خطوات على طريق الاستقرار كانت تخطوها مصر، كانت سببا للهيجان فى صفوف الجماعة. حملت الجماعة مشاعر مجافية للمشاعر الوطنية بل الإنسانية، ويكفى أن نتوقف أمام شماتة الجماعة فى وفاة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، ثم وفاة العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز. تدريجيا، انضمت قطاعات من أقصى اليسار المصرى إلى الجماعة فى موقفها، رؤيتها ومشاعرها، فقد بدأت جماعاتهم أقصى اليسار تحن إلى أيام الفوضى والانفلات الأمنى والبقاء فى الميادين والانتقال من الميادين إلى استوديوهات الفضائيات والعكس، ومن ثم بدأت فى التسخين استعدادا للذكرى الرابعة للثورة، والحديث مجددا عن ثورة جديدة تسقط النظام القائم. اجتمعوا فى الدوحة وإسطنبول، وأقنعوا بعضهم بأن الثورة قادمة، وأن مرسى سوف يعود، وأن شارة رابعة سوف توضع على علم البلاد الجديد وعلى عملتها الورقية، وهناك من قال إن ميدان رابعة سوف يتحول إلى ساحة لإعدام رموز النظام القائم اليوم فى البلاد. استعد أنصار الجماعة لجعل الذكرى الرابعة لثورة الخامس والعشرين من يناير يوما لثورة جديدة تعيد الجماعة إلى السلطة، ورصدوا لهذه الغاية ميزانيات ضخمة، ويبدو أن الجماعة نجحت فى إقناع حكام الدوحة بقدرتها على تغيير النظام فى مصر، فعادت الجزيرة إلى خطها المعادى لمصر، فأخذت تتحدث عن ترنح سلطات الانقلاب فى مصر، وأن الثورة تعود إلى مختلف الشوارع والميادين فى مصر. فى نفس الوقت بدأت جماعات من أقصى اليسار وأخرى فوضوية فى الخروج إلى الشوارع لإثارة الفوضى والقلاقل، وكانت النتيجة لكل ذلك سقوط نحو 20 ضحية، وإصابة قرابة المئة، وتخريب وتدمير عشرات من محولات الكهرباء، وحرق أقسام للشرطة ورئاسة بعض الأحياء، وقتل عدد من المجندين وإصابة عدد من الضباط. باختصار، مرّ يوم الخامس والعشرين من يناير، وكان يوما مشحونا بالشغب والاضطرابات فقط لا غير، وتكشفت القدرة المحدودة للجماعة، وكيف أنها باتت متهاوية وعاجزة عن الحشد، ناهيك بقدرتها على تحدى النظام القائم. فالشعب المصرى قام بثورة رائعة فى الخامس والعشرين من يناير 2011، وهبّ مرة ثانية لاسترداد ثورته فى الثلاثين من يونيو، بعد أن سرقتها منه الجماعة، ثار واسترد ثورته ووضع بنية نظام ديمقراطى، وعاد لممارسة حياته الطبيعية، تاركًا نظامه الجديد ينضج بمرور الوقت، وهو ما لم تدركه الجماعة ولا المجموعات الفوضوية، التى تلتقى مع الجماعة فى هدف إثارة الفوضى والتخريب، والمؤكد أن فى الطريق إلى بناء نظام ديمقراطى حقيقى تتعدد الأخطاء، وترتكب التجاوزات من أطراف مختلفة منها جهاز الشرطة، وهى أخطاء وتجاوزات يجرى التعامل معها وفق منهج للإصلاح الذاتى، لكن هذه الأخطاء لن تستمر، ولن تأخذ شبه كرة الثلج، لأن الجميع استوعب الدرس عدا الجماعة وفوضويى أقصى اليسار.