تعجبنى الكتابة الذاتية حين تكون كالاعتراف بالذنوب فى الكنائس، منتهى التجرد والصدق، ويعجبنى فى ذاكرة الزمن الفنية أنها تنسى اسم الناقد وتتذكر اسماء المُبدِعين، ويعجبنى فى سقوط العظماء المساحة التى تترك لصعود عظماء جدد. ويعجبنى فى الفشل أنه مهد النجاح، ويعجبنى الزهد حين يكون عن إيمان حقيقى وليس استسلاما، ويعجبنى الاستسلام حين يكون ترفعًا عن هزيمة آتية وليس انكسارا، ويعجبنى الغضب حين يتحول إلى وقود إنجازات، ويعجبنى التصالح مع الأزمة بعد عناد حين يفتح بابا للمواساة الإلهية، وتعجبنى التضحية حين تكون بصمت هادئ ومهذب، ويعجبنى التوهان حين يؤدى آخره إلى الطريق الأنسب، ويعجبنى الإنسان حين يثور على حزنه أو مرضه أو إدمانه أو على علاقة فاشلة. وتعجبنى العلاقات العاطفية حين تبنى وترتكز على صداقة كصداقة رجُلين، وتعجبنى الاتفاقات الضمنية غير المنطوقة ولا المكتوبة حين يتوفر فيها التفهم والاحترام بين جميع الأطراف، ويعجبنى فى الصراحة توفيرها للوقت وللطاقة البشرية، ويعجبنى فى منطق الأطفال فطرته المظبوطة وهو ما يفتقده أغلب الناضجين، ويعجبنى فى البدايات رونقها ككل جديد،. ويعحبنى فى النهايات دروسها رغم الآلام، ويعجبنى فى الليل الوحدة والقرب من الذات ومراجعة الأخطاء، ويعجبنى فى النهار طرده للحزن وتجديده للأمل، ويعجبنى فى الأمل تعزيزه للصبر، ويعجبنى الصبر حين لا تشوبه السذاجة أو قلة الحيلة والضعف، ويعجبنى فى الفرصة ذكاؤها فى تفضيل المهيأ لها وبعدها عن الكسالى الذين سيخذلونها، ويعجبنى فى العدل أنه آجلًا أم عاجلًا يتحقق، ويعجبنى فى الخوف أنه الدليل على نضارة المشاعر الإنسانية، ويعجبنى فى القلق أنه عادة العقول المفكرة التى لا تعرف الخمول. ويعجبنى فى الشجاعة نتيجتها الحاسمة ولو بالخسارة، ويعجبنى فى المحاولات أنها تريح الضمائر بشرف السعى ولو فشلت، ويعجبنى فى المرض قدرته على إعادة تقدير نعمة الصحة المنسية وسط زحام التطلعات، ويعجبنى فى الموت إعادة الجسد لأطهر حالاته قبل أن يسكنه كل كميات الكافيين والنيكوتين والكحول والدهون والأدوية والمهدئات والمسكنات وعوادم السيارات والأشعات ومشارط الأطباء والاحتكاكات الفيزيائية والجروح والكسور، فرغم مأساته فإنه له سحره الخاص، ويعجبنى فى الحياة أنها لا تتوقف أبدًا، وأن العرض مستمر رغم أنف الممتنعين عن الحضور.