تكساس إنسترومنتس تتجاوز توقعات وول ستريت في الربع الأول    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    موازنة النواب: تخصيص اعتمادات لتعيين 80 ألف معلم و30 ألفا بالقطاع الطبي    ارتفاع جديد.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الأربعاء 24 إبريل 2024 بالبورصة والأسواق    البنتاجون: هجومان استهدفا القوات الأمريكية في سوريا والعراق    مفاجأة صادمة.. تفاصيل العرض النهائي من الأهلي لتجديد عقد علي معلول    سيناريو هوليودي، سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح على منزل بشمال العراق    اليوم، فتح متحف السكة الحديد مجانا للجمهور احتفالا بذكرى تحرير سيناء    بعد وصفه بالزعيم الصغير .. من هم أحفاد عادل إمام؟ (تفاصيل)    قناة «CBC» تطلق برنامج «سيرة ومسيرة» الخميس المقبل    مصرع شخصين .. تحطم طائرة شحن نادرة النوع في أمريكا    التموين: تراجع سعر طن الأرز 20% وطن الدقيق 6 آلاف جنيه (فيديو)    مدافع الزمالك السابق: الأهلي قادر على حسم لقاء مازيمبي من الشوط الأول    رئيس البنك الأهلي: «الكيمياء مع اللاعبين السر وراء مغادرة حلمي طولان»    نتائج مباريات ربع نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية PSA 2024    أيمن يونس: «زيزو» هو الزمالك.. وأنا من أقنعت شيكابالا بالتجديد    موعد مباراة ليفربول وإيفرتون في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    جهاز دمياط الجديدة يشُن حملات لضبط وصلات مياه الشرب المخالفة    إصابة العروس ووفاة صديقتها.. زفة عروسين تتحول لجنازة في كفر الشيخ    خطر تحت أقدامنا    مصطفى الفقي: الصراع العربي الإسرائيلي استهلك العسكرية والدبلوماسية المصرية    مصطفى الفقي: كثيرون ظلموا جمال عبد الناصر في معالجة القضية الفلسطينية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الأربعاء 24/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    بقيادة عمرو سلامة.. المتحدة تطلق أكبر تجارب أداء لاكتشاف الوجوه الجديدة (تفاصيل)    بعد 3 أيام من المقاطعة.. مفاجأة بشأن أسعار السمك في بورسعيد    من أمام مكتب (UN) بالمعادي.. اعتقال 16 ناشطا طالبوا بحماية نساء فلسطين والسودان    تونس.. قرار بإطلاق اسم غزة على جامع بكل ولاية    فريد زهران: دعوة الرئيس للحوار الوطني ساهمت في حدوث انفراجة بالعمل السياسي    الدوري الإنجليزي.. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    بالأسماء.. محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تنقلات بين رؤساء القرى في بيلا    مسئول أمريكي: خطر المجاعة «شديد جدًا» في غزة خصوصًا بشمال القطاع    3 أشهر .. غلق طريق المحاجر لتنفيذ محور طلعت حرب بالقاهرة الجديدة    أداة جديدة للذكاء الاصطناعي تحول الصور والمقاطع الصوتية إلى وجه ناطق    القبض على المتهمين بإشعال منزل بأسيوط بعد شائعة بناءه كنيسة دون ترخيص    مصرع سائق سقط أسفل عجلات قطار على محطة فرشوط بقنا    مصرع شاب غرقًا أثناء محاولته السباحة في أسوان    العثور على جثة شاب طافية على سطح نهر النيل في قنا    إعلام عبري: مخاوف من إصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال لمسؤولين بينهم نتنياهو    إعلان مهم من أمريكا بشأن إعادة تمويل الأونروا    لازاريني: 160 مقار ل "الأونروا" بقطاع غزة دُمرت بشكل كامل    تعيين أحمد بدرة مساعدًا لرئيس حزب العدل لتنمية الصعيد    الأزهر يجري تعديلات في مواعيد امتحانات صفوف النقل بالمرحلة الثانوية    فريد زهران: الثقافة تحتاج إلى أجواء منفتحة وتتعدد فيها الأفكار والرؤى    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    هل يجوز طلب الرقية الشرعية من الصالحين؟.. الإفتاء تحسم الجدل    حكم تنويع طبقة الصوت والترنيم في قراءة القرآن.. دار الإفتاء ترد    رغم فوائدها.. تناول الخضروات يكون مضرا في هذه الحالات    تنخفض 360 جنيهًا بالصاغة.. أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 24 إبريل 2024    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    عصام زكريا: الصوت الفلسطيني حاضر في المهرجانات المصرية    بعد انخفاضه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024 (آخر تحديث)    قد تشكل تهديدًا للبشرية.. اكتشاف بكتيريا جديدة على متن محطة الفضاء الدولية    طريقة عمل الجبنة القديمة في المنزل.. اعرفي سر الطعم    كم مرة يمكن إعادة استخدام زجاجة المياه البلاستيكية؟.. تساعد على نمو البكتيريا    الخطيب يفتح ملف صفقات الأهلي الصيفية    مع ارتفاع درجات الحرارة.. دعاء الحر للاستعاذة من جهنم (ردده الآن)    عاجل- هؤلاء ممنوعون من النزول..نصائح هامة لمواجهة موجة الحر الشديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عام الحزن.. 2014| السينما تودّع روادها
نشر في التحرير يوم 24 - 12 - 2014

سنتذكركم، وسيتذكركم التاريخ، ويدوّن أسماءكم بقلمه الذهبى فى سجلات مَن أسعدوا حياتنا، طوال رحلة عطائهم الممتدة. الخلود فى الذاكرة هو مصيرهم، لما قدَّموه من عطاء إنسانى وإبداعى منير. يمضون كما تغادر الطيور المهاجرة، كما ترحل شمس الغروب بعد أن أضاءت حياتنا. يرحلون وتظل ذكراهم فى كل مكان فى خيالنا. لقد شهد عام 2014 رحيل عدد كبير من نجوم الفن والأدب والثقافة، الذين فارقوا دنيانا، تاركين أعمالاً مضيئة ومحفورة فى الذاكرة الإنسانية. لعل العام الماضى من أكثر الأعوام التى فقدت فيها القوة الناعمة المصرية، نجومًا بارعين سواء بشكلٍ مفاجئ أو بعد صراع مع المرض. بالفعل كان العام الماضى وبشهادات كثيرين هو الأصعب منذ سنوات. نعم، بقيت عدة أيام لاستقبال العام الجديد، لنسدل الستارة على عام مرّ بأحداثه السعيدة والحزينة، وودعنا فيه عددًا من النجوم الكبار قدرًا وسنًّا، بالإضافة إلى نجوم شباب فارقونا فجأة وبصدمة.. «التحرير» تحتفى بكل هؤلاء الذين أثروا حياتنا بكل خير وإبداع ومحبَّة.
مريم فخر الدين.. الأميرة التي تغسل المواعين
فى الوقت الذى كان فيه العرب يتابعون بإعجاب قصة الحب المثالية بين الأميرة إنجى و علِى ابن الجناينى، على شاشة السينما فى فيلم رد قلبى 1957، ويعطون مريم فخر الدين عن رضا تام لقب أميرة السينما المصرية ، كانت الممثلة الشقراء الشابة تعانى من شغل المنزل، وتحديدًا من غسيل المواعين . الأم المجرية كانت حريصة على أن تجعل ابنتها ذات التعليم الألمانى تعيش الواقع، وأن لا تُصدِّق أنها أصبحت أميرة أو نجمة حقيقية، فكانت تترك لها يوميًّا جانبًا كبيرًا من الأعمال المنزلية، كى لا تعيش الوهم، وكان يصل الأمر إلى الحديث معها باستخفاف شديد للغاية والاستهتار بمهنتها !
هذه القصة التى حكتها مرين فخر الدين، بكل تفاصيلها، ربما تدلّل على كثير من الصفات التى رافقتها على مدار مشوارها، وجعلت صدقاتها فى الوسط الفنى نادرة جدًّا، فلا أحد يتحمَّل كل تلك الصراحة، ولا أحد يمكنه أن يستأمن على أسراره مع امرأة لا تهتمّ أبدًا بتجميل الحقائق. ظلت دائمًا هادئة ومسالمة وصامتة ومنكسرة على الشاشة فقط، بينما لم تكن تتردد أبدًا فى أن تكشف أسرار الجميع، وتقول رأيها فى الكل بصراحة، بَدَت فى بعض الأوقات جارحة، وسبَّبت لها عداوات دائمة! أكثر من 230 عملاً قدَّمتها الراحلة مريم فخر الدين منذ أن اختارتها مجلة إيماج الفرنسية، لتكون أجمل وجه فى عام 1951، حيث انطلقت من وقتها فى السينما، وكان من أبرز أعمالها بها الأيدى الناعمة ، و ملاك وشيطان و حكاية حب ، ولم ترفض فخر الدين بعد أن تقدَّم بها العمر أن تؤدى أدوارًا ثانية، وظلت موجودة وقدَّمت قشر البندق و النوم فى العسل و الحب الأول ، لكن بسبب تدهور صحتها غابت كثيرًا، وكان آخر أعمالها هو مسلسل الوتر المشدود الذى قدمته عام 2009، واحتجبت بعدها، ولم تظهر إلا فى بعض اللقاءات التليفزيونية التى أثارت من خلال تصريحاتها بها جدلاً واسعًا.
محمد أبو الحسن .. أسعد سعيد فى العالم!
الفن يمنح صنَّاعه قُبْلة الحياة فى كثير من الأحيان، قد تخونهم أجسادهم وتمرض لكنهم يجدون الإكسير فى الفن، ليس ضروريًّا أن يصبحوا نجوم شباك، أو تتصدَّر صورهم المجلات والجرائد، فقط الوقوف على خشبة المسرح ولقاء الجمهور قد يكونان دافعًا للحياة وصراع الزمن والمرض، محمد أبو الحسن ينتمى إلى هؤلاء، يقف على خشبة المسرح الذى هواه منذ دراسته فى كلية الزراعة، ليبقى فى دمه هذا العشق حتى فى أثناء عمله كمهندس زراعى بعد ذلك.
الفنان القدير الذى وصف نفسه فى وقت سابق أنه متسول للفن لا المادة، يرغب فى أن يقدِّم فنه إلى الجمهور ولا يجد لذلك سبيلاً، فلا أحد يطلبه رغم خبرته ومشاهده التى ما زالت تضحك كثيرين، حالة التجاهل التى أحاطت به هى أكثر ما أثَّرت فيه، لكن هذا لم يمنعه من استمراره فى عمله الذى اختتمه أيضًا فى المسرح، كما بدأ بمسرحية للأطفال تحمل عنوان أسعد سعيد فى العالم ، وهو نفس المجال الذى ترك لأجله عمله كمهندس زراعى وذهب إلى التليفزيون، حيث عُيّن كمخرج وممثل متخصص فى برامج الأطفال.
عزاء الفنان الراحل لم يحضره غير محبّيه وزملائه المسرحيين وغاب عنه النجوم، لتُرسَم النهاية كما كانت مع بداية مرضه وابتعاده قصرًا عما يحبه بسبب مشكلات قلبه الصحية، والتى أودت به فى النهاية، لتأتى وصيته لابنه أن يضحك فى وجه المعزين، ولا يمكن لمثل هذا الشخص إلا أن يتمنّى أن يتوفاه الأجل وهو على المسرح يفعل ما يعشق، وهو رسم السعادة على وجوه جمهوره.
خالد صالح .. حطّي ورد ع قبره يا يسرية !
فى صعيد مصر كانت النهاية، جسَّد هناك آخر أدواره، الشيخ جعفر زعيم الرحالة المتطرف صاحب القلب القاسى الذى يتلاعب بعقول مريديه ويقتل مَن يخالفه بدم بارد، فى الصعيد أيضًا كان صاحب القلب الطيب الذى يُمثّل القسوة على الشاشة يعانى الآلام ويبحث عن العلاج فى مستشفى القلب فى أسوان، لكن القلب الرحيم انهار وتوقّف عن الخفقان وحطم قلوبنا برحيل مبكر بعد أن تأخّر دخوله مجال الفن لسنوات، كان فى ذروة سنوات نضجه الفنى، وأدواره كانت تضيف مزيدًا من الحب والإعجاب بموهبته الأصيلة، فقط حينما بدأ خالد صالح يتربع على عرش النجومية فى قلب معبد الفن خذله قلبه وتوقّف معلنًا الرحيل.
لم يعش دراميًّا على الشاشة سنوات الشباب، فملامح الرجل الناضج الذى تجاوز الأربعين أو الخمسين الممتلئ صاحب الصلعة البعيد عن مواصفات الشاب الوسيم كانت تضعه دائمًا فى عمر أكبر من عمره الحقيقى، كان ينطلق فى منطقة درامية خاصة سبقه إليها أساطير فى الدراما، أمثال زكى رستم.
هواية التمثيل سحرته وجعلته يهجر طريق المحاماة التى بدا بها حياته بعد دراسته بكلية الحقوق، كانت البداية مع التمثيل فى الجامعة موازية لدراسة القانون، الدفاع عن المظلومين والانتصار للحق على الشاشة أكثر تأثيرًا من قاعات المحاكم، على الشاشة تستطيع أن تكون المتهم والمحامى والقاضى ووكيل النيابة والشهود، هل هناك طريقة أروع من ذلك؟ أن تتقمص كل الأدوار وتروى الحكاية من خلال شخصيات لكل منها مبرراتها المختلفة أمام ملايين من الحضور.
حملت أدواره الأولى ظلال مهنته الأولى فى عالم المحاماة والمحاكم، فى فيلم محامى خُلع ، قدّم دورًا صغيرًا لقاضٍ خفيف الظل، وفى ملاكى إسكندرية قدّم دور محامٍ متدرب فاسد، لينتقل بعد ذلك إلى تجسيد مجموعة من الشخصيات الشريرة والطيبة التى حملت بصمة فنان لا يؤدى أدواره من كتالوج محفوظ: أمين شرطة وسياسى ومتسول ومتطرف.
يوسف عيد.. نجم الأدوار الصغيرة
دقات متباعدة على قلوب الجمهور رسمت بدايات يوسف عيد، مع مرور الوقت حقّق هذا الكوميديان قفزات كبيرة، وأصبح وجهًا أساسيًّا فى معظم أعمال الكوميديانات الصغار والكبار سنًّا، يوسف صاحب المشاهد القليلة فى كل عمل، لكنها قادرة على جلب الضحكات أكثر من بطل العمل نفسه، وإفيهاته التى يتداولها الجميع فى ما بينهم بعد أن يلقيها، ويظل الجمهور يستغلها حتى بعد مرور سنوات من إلقائه لها.
يوسف عيد ينتمى إلى مظاليم الفن، ليس عن قلة موهبة أو عدم قدرة على استغلال أدواته كممثل، لكنه ينتمى إلى نوعية من الكوميديانات الذين يعرفهم الجمهور وقت ما يكونون ملء السمع والبصر، لكن بمرور سنوات على رحيلهم ينساهم الجمهور، تحديدًا أصحاب السن الصغيرة، ولنا فى محمد الشويحى ومحمد الشرقاوى وعبد الله فرغلى أسوة، ظلمتهم أدوارهم وشخصياتهم المؤثرة بمساحاتها الصغيرة فى العمل، ظلمتهم ملامح وجوههم التى منعتهم من نيْل الأدوار الأولى والتفاصيل التى يضفونها عليها، وتاريخهم ومسيرتهم، هم ويوسف منهم مجموعة المظاليم الذين يمنحهم المسرح مساحة البطولة المطلقة والنجومية، لكن لا تكون بنفس الجماهيرية. رحل يوسف بالعلّة التى تصيب نجوم الكوميديا من العيار الثقيل وهى القلب، خلافًا للسائد أن الضحك وخفة الدم من مسببات طول العمر والصحة، لكن مع الكوميديانات المسائل تأتى بالعكس، رحل عيد بعلة القلب وحيدًا فى منزله، ولن تمضى سنوات حتى تغيب ذكراه عن أذهان محبيه حسب المعايير السائدة، ظلمهم الجمهور بعدم تركيزه بعد مرور وقت على شخصياتهم، اليوم فقط سيتذكّرون الإفيهات التى أطلقها دون صاحبها.
صباح.. يلاّ نعيش الحياة !
كلمّا انتشرت شائعة عن موتها ذهبت إلى المرآة، ووضعت مساحيق التجميل فوق وجهها الملىء بتجاعيد الزمن، كانت تسمح للكاميرات بالتقاط صورها الحديثة سعيدة ومشرقة رغم آثار الزمن القاسية، وتنتشر صورها الحديثة مكان الشائعات تنفيها، لتدور دائرة أخرى من التعليقات تستهدفها بالسخرية من طول عمرها أو تصابيها وكثرة زيجاتها.
لم يتعود الجمهور العربى المتعصب المتحفظ على تصرفات صباح المنطلقة فى حبها للحياة أو تصالحها مع عمرها وتجاعيدها، فظل بعضهم يرشقها بسهام نكاته، وتتحدَّى هى بصورها الحديثة، السخرية من طول عمرها، بالإضافة إلى وضاعته، ليس السبب الحقيقى لاستهدافها، هناك نجمات من جيلها أكبر منها، وأعمارهن قريبة للغاية من عمرها، ولا يتعرض لهن أحد بسخرية مشابهة، أغلب هؤلاء النجمات من جيلها انزوين عن وسائل الإعلام.
أرادت الشّحرورة بعد سنوات من الإبداع والنجومية الحفاظ على هالة جمالها الذى كان يخبو كل صباح مع تقدمها فى العمر، لم تكن نجمة رصيدها الجمال وحده، نجحت بصوتها فى أن تكون من أهم المطربات، ورصيدها فى السينما يؤكّد موهبتها التمثيلية، تراثها الفنى الغزير جزء من عشقها للفن وللحياة، زيجاتها المعلنة رغم كثرتها كانت ترسم صورة امرأة محبة للحياة، لكنها شرقية محافظة، ولهذا كان الزواج هو الباب الوحيد الذى يمكن أن تفتحه لأى رجل يرغب فى دخول حياتها.
كانت آخر مشاهدها أمام كاميرات السينما فى عام 2005 فى الفيلم اللبنانى بوسطه ، كانت تغنى على المسرح بصحبة فرقة استعراضية تحاول المزج بين الدبكة اللبنانية والرقص الحديث، ومن غير صباح المتصالحة مع الزمن يمكن أن يبارك زواج التراث والمعاصرة؟ بعد أسبوعين من احتفالها بعيد ميلادها رقم 87 رحلت عن الحياة، وقامت نفس الفرقة الاستعراضية بتشييعها للقبر فى مشهد مُبهج رغم غرابته، بقدر حبّها للحياة حمل مشهد جنازتها الراقصة دعوة إلى الأحياء من العالم الآخر: يلا نعيش الحياة .
خليل مرسى.. قناع صارم لرجل خفيف الظل
ملامح وجهه الصارمة وصوته القوى جعلا شخصية الضابط ذى الرتبة العالية تذهب إليه، سواء أكانت فى عمل كوميدى أو تراجيدى، وهو قادر فى كلا النوعين على أن يثير عاطفة المتلقى بجديته، تضحك على شخصية الضابط فى الرجل العناب ومواقفه، وتتأثَّر بنفس الشخصية فى أعمال أخرى رغم تقديمه نفس الشكل تقريبًا، هذه الجدية منحته أيضًا ميزة أداء أدوار رجل الدولة فى عصور مختلفة، تارة زعيم الأمة سعد زغلول، وفى عمل آخر العاص بن وائل، أو الباشا الإقطاعى فى الحقبة الخديوية والملكية، ومسؤول الأمن أيمن فى مسرحية كارمن التى شارك فى بطولتها مع محمد صبحى.
خليل مرسى قدَّم شخصيات متنوعة وثرية فى مختلف أشكال وقوالب الأعمال الفنية، وعلى اختلاف مساحتها داخل العمل، حتى إن كان بعضها ليس بالجودة الفنية العالية، وشخصيته التى يقدمها وسط العمل ربما تكون أهم ما فيه رغم صغر مساحتها، كان يحمل طباعًا أخرى فى الحياة الحقيقية للحد الذى تبدو معه جديته على الشاشة وفى المسرح مصطنعة، يعدد زملاؤه مآثره وخفّة دمه فى تعاملاته اليومية.
تخرج فى كلية الزراعة التى مثّل مسرحها الجامعى المكون الرئيسى للممثلين الكبار الذين ما زال كثير منهم يبدع حتى الآن، وكعادة أقرانه من خريجى كلية الزراعة ذهب إلى رحاب معهد الفنون المسرحية كطالب، ثم باحث، لينتهى به المطاف إلى أن ترأس قسم المسرح بإحدى الجامعات الخاصة، ليصبح هذا اللون الفنى هو محور حياته كممثل ومخرج وأستاذ لفنونه.
سعيد صالح.. سلام يا صاحبي !
الصديق المخلص والمشاغب صاحب الصوت العالى والطيب التلقائى اللى فى قلبه على لسانه ، هى مواصفات تختلط فيها شخصية سعيد صالح فى حياته وشخصياته الفنية، حصد حب وإعجاب الجمهور بشخصية الطالب المشاغب مرسى الزناتى فى مدرسة المشاغبين ، وبشخصية سلطان الابن الفاشل فى العيال كبرت ، فى كلا العملين قدّم نموذجًا للشاب المستهتر المهمل فى دراسته، ولا يمكن اعتباره قدوة حسنة فى أى شىء، فهو فاشل فى الدراسة ويقضى وقته مع صحبة السوء، سليط اللسان وصاحب مغامرات نسائية عابثة، لا يمكن الاعتماد عليه مطلقًا، ورغم كل هذا كان محبوبًا، ليس لأنه فقط خفيف الدم بل لأنه ساخر وينتقد نفسه والآخرين، وهو فى أعماقه طيب وقلبه أبيض، وكما يحدث فى الحياة يتحوّل الطالب المراهق المشاغب إلى رجل ناضج له رؤية أعمق فى الحياة، ولهذا نرى إحدى محطات سعيد صالح مرحلة المسرح الثورى النقدى التحريضى، أعاد فيه توجيه طاقة الشغب داخله إلى منطقة نقد سياسى مسرحى، فى محطات حياته كثير من الوقفات التى كان يمكن أن تنهى مسيرته تمامًا، قُبض عليه عدة مرات وسُجن مرة بتهمة حيازة وتعاطى المخدرات، ومرة بسبب الخروج عن النص، ورغم ذلك كان الجمهور متسامحًا مع هذه الأخطاء التى يقول البعض إنها لُفّقت له لأسباب سياسية.
علاقته بزميل مسيرته الفنية عادل إمام تمتزج فيها الصداقة والدويتو الفنى، زملاء مدرسة المشاغبين وأصدقاء سلام يا صاحبى ، مرّت علاقتهما الشخصية بعديد من المواقف، لكن سعيد صالح ظل مخلصًا لصديقه، ترفَّع عن الدخول فى مهاترات مقارنة حظ كل منهما فى الشهرة والنجاح والاستمرارية، سعيد صالح كان راضيًا عن الحب الجارف من جمهوره الذى يزداد بميلاد أجيال جديدة تشاهد مسرحياته لأول مرة، ويشاركون الأجيال الأقدم الضحك على إفيهاته التى ما زالت بعد عقود طازجة كأنها تُذاع لأول مرة.
نادر جلال.. "رحيل مخرج الأكشن"!
بدأت علاقته بالسينما قبل أن يعى ويدرك الأشياء، قبل أن يستطيع المشى والنطق والتعبير، قبل أن يقف خلف الكاميرا كمخرج شاب طموح وقف أمامها ممثلاً فى مرحلة عمرية مبكرة، هو طاهر الطفل الرضيع فى فيلم رباب 1942، حملته أمه المنتجة والممثلة مارى كوينى وسط أضواء الاستوديو التى كانت تبهر عينيه، ولا يفهم ما يجرى حوله، خلف الكاميرا كان يقف والده المخرج الشهير أحمد جلال، ظهر فى بعض الأفلام باسمه نادر ، وحينما بلغ العاشرة جسّد دور الابن فى فيلم وضحيت غرامى عام 1951، من إخراج إبراهيم عمارة، الذى وضع اسمه بصورة مميزة على أفيش الفيلم.
رغم دراسته للتجارة بعد إنهاء الشهادة الثانوية فإنه عاد ودرس الإخراج فى المعهد العالى للسينما، منذ بدأ يخرج أفلامه برز ميله إلى أجواء الأكشن والجريمة والجاسوسية، وتعاون مع فريد شوقى فى أكثر من فيلم، منها ولدى و رجال لا يعرفون الخوف ، وتعاون مع نجوم جيل السبعينيات وقدَّم معهم أشهر أعمالهم، حيث قدَّم أهم أفلام الجاسوسية مع نادية الجندى، منها ملف سامية شعراوى و مهمة فى تل أبيب ، وقدم مع عادل إمام الإرهابى و سلام يا صاحبى و بخيت وعديلة ، وأفلامًا أخرى، وقدَّم خمسة باب ، الفيلم الذى جمع نجمَى شباك التذاكر عادل إمام ونادية الجندى معًا، وفى الدراما التليفزيونية استمر فى تقديم مزيد من دراما الجاسوسية فى عابد كرمان و حرب الجواسيس . ابنه هو المخرج الموهوب أحمد نادر جلال.
حسين الإمام.. الشيطان لا يعرف الحب !
كان يعلم أنه لن يعيش للأبد، وأن عمر الإنسان لا يجب أن يضيع فى الأزمات والمشكلات، لذلك كانت حياة حسين الإمام مليئة بالتجارب، وظهر اسمه فى أكثر من مجال فنى، ومع الموسيقى كانت بدايته، ثم فى أفلام درامية من إخراج والده المخرج الكبير حسن الإمام، وفى فترة بسيطة تطوَّرت قدراته ومواهبه، ولمع اسمه فى كتابة كلمات الأغنيات وتلحينها.
كابوريا التى غنَّاها أحمد زكى، كانت من أشهر أغنياته، وكذلك قدّمها كأكلة فى برنامج القاهرة اليوم ، وفيه أثبت مهاراته فى الطبخ وقدرته على إمتاع الناس بوجبة دسمة من عمل يديه، كما أسعدهم بأعماله الكوميدية والكلمات البسيطة التى كتبها فى أغانيه، كل هذا جعل جزءًا من مقولة شائعة تنطبق على حياته، حيث كان حسين الإمام صاحب سبع صنايع، لكن بخته لم يكن ضايع، فرغم أنه لم يصل إلى القمة فى كل مجال برع وشارك فيه فإنه حفر اسمه ضمن قائمة أهم مَن عملوا فى كل هذه المجالات، حتى عندما اتجه إلى تقديم برامجه الخاصة بالمقالب، أصبحت هذه النوعية من العلامات المهمة فى شهر رمضان الكريم، وكان ينتظرها كثيرون.
وظل حسين الإمام يعمل بكد حتى آخر أيام حياته، التى كان مشغولاً فيها بتصوير كلام على ورق حيث آخر مسلسلاته، والذى احتوى أيضًا على آخر أغانيه لو كل الناس قالت الحقيقة ، وغناها لأوّل مرة مع صديقته المقربة إسعاد يونس، فى برنامجها التليفزيونى، لكنه لم يستطع معرفة صداها عند الجمهور كما لم يسعد بعرض زى عود الكبريت أول أفلامه كمخرج سينمائى، ولم تسنح له الفرصة للترويج له أو عرضه بأى مكان، والذى صنعه كإهداء لوالده المخرج حسن الإمام، وكان عبارة عن مونتاج بعدد من أفلامه قدّمت فى شكل قصة جديدة بالأبيض والأسود.
يوسف عسال.. نهاية "الخواجة ديليسبس" !
لم يكن اسمه مألوفًا بين الجمهور رغم ظهوره فى كثير من الأعمال الفنية، ظهر على الشاشة الكبيرة والصغيرة طوال 40 سنة، يقترب رصيده من الأعمال فى السينما والتليفزيون نحو 185 عملاً، هو صاحب وجه مألوف على الشاشة تعرفه جيدًا ولا تحفظ اسمه، جريمة سطو بالإكراه، فَقَدَ فيها حياته بسبب 200 جنيه، نهاية مروعة للخواجة الأرستقراطى صاحب الأداء اللطيف يوسف عسال، قدَّم عديدًا من الأدوار والشخصيات، لكنها كانت تدور فى فلك واحد، شخصية الخواجة أو الباشا الارستقراطى ابن الذوات أو الضابط الإنجليزي.
هو ضيف دائم للأعمال التاريخية التى تحتاج إلى شخص أجنبى الملامح يستطيع الكلام بلغة أجنبية، استقر يوسف العسال على أداء شخصيات ذات قالب واحد، تحمل فى أحيان كثيرة قدرًا من الغطرسة والعنجهية وإلى حد ما النمطية، شخصيات مصنوعة لتكرهها: باشا متعصب أو دبلوماسى أجنبى فى زمن الاحتلال، أو أرستقراطى متعالٍ، أو جواهرجى أجنبى بخيل، أو ضابط إنجليزى متعجرف، رغم هذا عرفه الجميع دمث الأخلاق هادئ الطباع ومتواضع.
ورغم شهرته الكبرى فى دور الخواجة، فإنه كانت له أدوار أخرى أقل شهرة خارج هذا النمط. آخر الشخصيات التى قدمها يوسف عسال كانت شخصية ديليسبس صاحب امتياز قناة السويس فى مسلسل قصر عابدين ، وُجد يوسف عسال كثيرًا داخل بلاتوهات قصور الحكم فى المسلسلات التاريخية العديدة التى شارك فيها، ك الملك فاروق و نابليون والمحروسة ، انتهت حياته فى الحادثة المفجعة بجوار قصر الاتحادية، حيث كان يسكن فى عمارة قريبة منه مع زوجته.
فايزة كمال.. رحيل فريال فراويلة
جاءت وفاتها هادئة وسط صخب معركة انتخابات الرئاسة فى مايو الماضى. وفاتها بمرض السرطان فى أحد المستشفيات كانت خبرًا تناقلته المواقع الإخبارية دون تركيز كبير، لأن الكل مشغول بحالة الفوضى فى الشارع وضجيج السياسة. داخل مجال الفن كانت الراحلة فايزة كمال تدرك أهمية دور نقابة الممثلين فى رعاية أعضائها.
وكانت هى من الشخصيات التى تهتم بالآخرين، فى بداية حياتها الفنية عام 1987 قررت ترشيح نفسها لعضوية مجلس إدارة نقابة المهن التمثيلية، وكانت قد عادت من الكويت حيث وُلدت ونشأت لمدة 22 عامًا، حملت معها شهادة دراسة التمثيل من المعهد العالى للفنون المسرحية بالكويت، حيث تتلمذت على يد أساتذة كبار، مثل جلال الشرقاوى وسعد أردش، وجدت الممثلة الصاعدة الخجولة نفسها وسط معركة انتخابية نقابية دون خبرة أو تجربة تؤهلها لخوضها، فانسحبت بهدوء قبل بدايتها، ووجهت طاقتها المخلصة المحبة لمجال الفن نفسه، ظهرت فى نهاية السبعينيات وجهًا جميلاً لطيفًا فى المسلسلات الدينية وفوازير ألف ليلة وليلة .
ورغم عشقها للمسرح فإنها قدَّمت أشهر أعمالها على شاشة التليفزيون: يهوديت موردخاى فى رأفت الهجان ، و فريال فراويلة فى المال والبنون ، واستمرت فى تجسيد الشخصيات التاريخية فى الأعمال التاريخية، وكان أشهرها تجسيد شخصية السيدة نفيسة فى مسلسل عصر الأئمة ، وبدت بين بنات جيلها أميل إلى تقديم الأعمال الجادة البعيدة عن الجدل والإثارة. هدوؤها وخجلها فى بداية حياتها كادا يحرمانها من دراسة التمثيل فى معهد الفنون المسرحية فى الكويت، حيث وُلدت وعاشت مع والدها ووالدتها المصريين، عائلتها المحافظة كانت تتذوّق الفن، لكن قبولهما احتراف التمثيل كان صعبًا، ولهذا كتبت فى استمارة رغباتها بالمعهد دراسة الديكور رغبة أولى والتمثيل رغبة ثانية، أصرّ أستاذها جلال الشرقاوى على أنها خامة ممثلة ممتازة، وجلس مع والديها وأقنعهما بذلك
ممدوح الليثي.. رجل الدراما
مكن أن نصفه بكل تأكيد أنه رجل المعارك الذى لم تخلُ حياته العملية منها على طول فترتها، سواء وهو سيناريست أو منتج، أو حتى معاركه مع الفنانين حول إدارته لاتحاد النقابات الفنية التى ترأسه، أو كرئيس لقطاع الإنتاح باتحاد الإذاعة والتليفزيون. جزء كبير من معاركه كانت بسبب السياسة أو حولها، لا يمكن إخفاء صلابة هذا الرجل الأنيق ذى الشارب الكث والابتسامة الخفيفة والعيون التى تكذب على الناظر إليها حيث تمنح الإيحاء بالهدوء والاستسلام، فى حين أن الليثى يخوض حروبه حتى النهاية بكل صخب، رافعًا راية النصر فى نهايتها مهما كان خصمه.
الرجل الذى قدَّم سيناريو عدة أفلام تمثّل معًا مجموعة من أهم ما حمل انعكاسًا ونقدًا سياسيًّا واضحًا لفترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وعلى رأسها سيناريو فيلم الكرنك ، والذى خاض بسببه معركة قضائية مع رئيس جهاز المخابرات الأسبق صلاح نصر. معظم هذه الأفلام كانت تعتمد على قصص وروايات نجيب محفوظ، ومنها فيلم ميرامار الذى تدخل عبد الناصر لحل أزمة منع عرضه، و ثرثرة فوف النيل ، ورغم الثنائى الفنى الذى كون مع محفوظ بشكل ما، وصراع الليثى مع السلطة لفترات طويلة، فإنه عاد وقال إن الإسقاطات السياسية فى أفلامه يُسأل عنها محفوظ وهو برىء منها، لتنشأ معركة أخرى بينه وأديب نوبل.
قدَّم الليثى إلى السينما والتليفزيون نقلات مهمة كسيناريست ومنتج وإدارى، حتى إنه مارس الصحافة فى أثناء دراسته بكلية الشرطة من خلال مجلة الكلية، وتسبَّب حواره مع عميد الأدب العربى طه حسين، فى تغيير اسم الكلية من البوليس إلى الشرطة ، رحل الليثى ورحلت معه معاركه وصراعاته، وتبقّى تأثير ما قدَّمه من أعمال.
معالى زايد.. وضاع العمر ياولدي !
ما بين فاطمة فى دموع فى عيون وقحة إلى دولت فى موجة حارة ، خلقت الراحلة معالى زايد جمهورها، هذا الجمهور الذى كان يتتبع تلك الابتسامة المميزة على الوجه ذى الملامح المصرية الأصيلة، والتعبيرات التى تتحوَّل مع شخصيتها التى تؤديها بسهولة شديدة، تقعنك بالعجز، والحزن والابتسامة والاستقلالية، وتتقلب ببراعة على مدار السنوات مقدمة إسهامًا ولمحات مختلفة دون الاعتماد على جمال مختلف، أو لزمات، أو الاستمرار فى أداء ما يريده منها الجمهور، كانت ببساطة تقدّم المختلف وتستمر فى الاختلاف، يفصل بين أعمالها فى الفترة الأخيرة عام أو عامان، تظن بعد كل عمل أنها انتهت ولن تقدّم أكثر، لكنها أيضًا ببساطة تفاجئنا وتعود بدور أقوى تملك هى زمامه، وتتحكَّم فى انفعالاته حتى يناسبها تمامًا للحد الذى لا تتخيل معه أخرى تقدم الدور، و دولت آخر ما قدمته العام الماضى هو أكبر دليل على ذلك، السيدة التى ترأس عائلتها التى تضم ضابط شرطة، وصحفيًّا، ورجل دين، كل منهم له سطوته التى تقف حدودها عند بداية حدود دولت .
كثيرٌ من الذكور قدّموا على الشاشة أدوارًا للنساء، والعكس أيضًا، لكن تظل شخصية فوزى فى فيلم السادة الرجال عام 1987 من أكثر الأدوار تأثيرًا فى ذاكرة المشاهدين بين أدوار السيدات اللاتى قدمن شخصيات رجال، منحت معالى للشخصية بُعدًا آخر، بأداء حركى مختلف، لا ينبع فقط من ممثل يدرس جيدًا الشخصية التى يقدّمها، بل قدرتها على منح الشخصية ألوانها الطبيعية مهما كانت شاذة وصعبة فى أدائها، وكأنها تستغل دراستها للفنون الجميلة التى سبقت دراستها للمسرح، وإحدى مواهبها هى الرسم فى تلوين الشخصيات بما تعرفه من خلطات للألوان، تجعل كلاًّ منها منفردًا وحقيقيًّا مهما كان غريبًا، ويحمل روحًا مختلفة بعيدة عن روحها وشخصيتها.
لو بحثت عن معالى زايد ستجدها عالمة وربة منزل وفتاة مستقلة وراقصة، وغيرها من أدوار تعدّ علامات فى السينما والتليفزيون، يشعر المشاهد أنه يعرفها جيدًا، رغم عدم معرفة كثيرين تفاصيل حياتها الشخصية، فهى لا تمنح جمهورها فرصة التقرب منها من خلال الحوارات التليفزيونية أو الصحفية التى كانت نادرًا ما تلجأ إليها، لذلك ستظل معالى عند الجمهور هى ما صنعته من شخصيات.
فاروق نجيب
القبطى.. حافظ القرآن"!!"
لفترة ظلّ الكوميديان فاروق نجيب صامدًا فى معركته ضد المرض، وعندما خارت قواه ونُقِل إلى المستشفى، حزن الكوميديان الذى أضحكنا بأعماله، فقد وجد كثيرًا من الفنانين الذين شاركهم بطولة كثير من أعمالهم بعيدين عنه، فى الوقت الذى كان فى أشدّ الحاجة إلى دعمهم، لكن سمع بعضهم النداء وزاروا حجرته بالمستشفى فى أيامه الأخيرة.
فاروق نجيب الممثل القبطى تعلّم على يد شيوخ فى الكتَّاب، وحفظ عن ظهر قلب سورًا كثيرة من القرآن الكريم، جعلت أغلب الناس من حوله وأيضًا زملاءه فى العمل يظنون أنه مسلم الديانة، خصوصًا أنه كان معتزًّا جدًّا بالثقافة الإسلامية، وذَكَر أنه مسيحى الديانة ومسلم العقيدة نتيجة لتربيته فى الكتّاب، وفى بعض من أعماله قدّم شخصيات إسلامية ببراعة، مثل الشيخ محمود فى مسلسل الحرافيش وشخصية أبو ثمامة الصائدى، شهيد الصلاة فى مسلسل الكعبة المشرفة ، ورغم تعدّد أدواره الدرامية عُرف فاروق نجيب بشكل أكبر من خلال أعماله الكوميدية، واستطاعته رسم الضحكة على وجوه الناس، حيث كانت بدايته على خشبة المسرح مع الشاعر نجيب سرور فى مسرحية وابور الطحين ، وبرع فاروق فى أدائه الحى أمام الجمهور، وقدَّم عديدًا من المسرحيات الكوميدية، مثل الخوافين ، و حب فى التخشيبة .
أحمد رجب.. القلم يلحق بالرّيشة !
شيخوخة الموبايل والأزرار التى لا تنتهى ، كان ذلك موضوع آخر نُص كلمة ، نشرها الكاتب الكبير أحمد رجب بجريدة أخبار اليوم بتاريخ 18 يوليو الماضى، قبل وفاته بعد صراع مع المرض.
نُص كلمة الأخيرة كتب فيها رجب تسع سنوات استمر الموبايل فى الخدمة حتى أدركته الشيخوخة، واشتروا لى تليفونا مليئا بالأزرار، هذا زر للقاموس، وهذا زر للعمليات الحسابية، وهذا زر لتكييف الهواء، وهذا زر لخرط الملوخية، وهذا زر دورة المياه، وهذا للسيفون، وأعداد لا تنتهى من الأزرار، أما الكلام فى التليفون فهو مشكلة المشكلات، الصوت بعيد جدا، مَن يريد الاتصال بى لا بد أن يتوافر عنده صبر أيوب .
وفى 20 من الشهر ذاته اعتذر أحمد رجب عن عدم كتابة نُص كلمة ، نظرا لقيامه بإجازته السنوية، قائلا كل عام وأنتم بخير ، ولم يدر أن ذلك سيكون آخر ما يكتبه قبل أن توافيه المنية.
بعد معرفته برحيل صديقه الفنان مصطفى حسين تعرض لانتكاسة صحية، وتوفى بعدها بثلاثة أسابيع فقط. اشتهر رجب بقدرته على السخرية، وانتزاع البسمة الموجعة، تعليقا على ما يجرى فى الواقع السياسى أو الاجتماعى، من خلال الشخصيات الكاريكاتيرية التى ابتكرها، مع رفيقه فنان الكاريكاتير مصطفى حسين.
كوّن رجب وحسين أشهر ثنائى فنى ساخر فى الصحافة المصرية، يكتب الأول الكلمات، ويعبر الثاّنى بريشته عن الكلام الساخر، وظهرت شخصيات نالت شهرة شعبية كبيرة، منها فلاح كفر الهنادوة ، قاسم السماوى ، كمبورة ، و عبده مشتاق .
ويقول رجب عن شخصياته: عندما تذهب إلى أى مصلحة حكومية تقابل شخصية (عبد الروتين)، وحين تفتح التليفزيون تجد (كمبورة) و(مطرب الأخبار)، وعندما تذهب إلى الاستاد تقابل (كابتن أوزو)، وعندما تنزل إلى الشارع تصطدم ب(الكحيت)، و(قاسم السمَّاوى)، و(عزيز بيك الأليت)، و(على الكومندا)، و(عبده العايق)، و(جنجح)، وإذا ذهبت إلى قريتك وجدت (فلاح كفر الهنادوة) فى انتظارك .
كانت أشهر شائعة فى الستينيات من نصيب أحمد رجب، وتقول إنه تزوج من شادية، ليصبح الزوج الثالث، وبعدما انتشرت الشائعة رد رجب بمقال فى مجلة الجيل ، بعنوان أنا جوز شادية ، ليرد بطريقته الساخرة قائلا: فجأة كده أصبحت جوز شادية، وفجأة أيضا كدت أتحول إلى طبق فتة لزملائى الصحفيين، خصوصا زميلى المهذب المتربى المؤدب ابن الناس (جليل البندارى)، الشهير باسم "جليل الأدب".
رضوى عاشور.. عودى يا ضحكتها عودي !
أول لقاء جمعنى به كان على (سلم) جامعة القاهرة، حيث كان يلقى على أصدقائه إحدى قصائده، فانتبهت إليه، وبدأ إعجابى به. كنت أكتب الشعر أيامها، ولكن بعد أن سمعت قصائده، تركت الشعر، لأن الشعر أحق بأهله .
هكذا تحدثت الأديبة رضوى عاشور، التى رحلت عن عمر يناهز 68 عاما، فى نوفمبر الماضى، عن زوجها الشاعر الفلسطينى الكبير مريد البرغوثى، قبل سنوات، مع الكاتب بلال فضل، فى أحد البرامج التليفزيونية.
بعد هذا اللقاء، واجه الاثنان مشكلات عدة، أبرزها رفض والد رضوى عاشور زواجها بالبرغوثى، وبعدما التقى والدها مريد، وافق على الزيجة، إعجابا بهذا الشاب المحب لابنته، ويقول مريد: طوال عمرى منذ أن تعرفنا وإلى الأبد لم أشعر بأى لوم أو عتب على موقفهم تجاهى .
كتب تميم عن حب والديه: أمى وأبويا التقوا والحر للحرة شاعر من الضفة برغوثى واسمه مريد، قالوا لها ده أجنبى، ما يجوزش بالمرة، قالت لهم يا عبيد اللى ملوكها عبيد، من امتى كانت رام الله من بلاد بره، يا ناس يا أهل البلد شارياه وشارينى، من يعترض ع المحبة لما ربّى يريد .
عودى يا ضحكاتها عودى ، كانت هذه هى الجملة التى يرددها دائما مريد البرغوثى، حين تمرض رضوى، وتُذهب آلام المرض ضحكتها الصافية.
أحب الكتابة، لأن الحياة تستوقفنى، تُدهشنى، تشغلنى، تستوعبنى، تُربكنى وتُخيفنى، وأنا مولعة بها هكذا قالت رضوى عاشور فى كتاب تجربتى فى الكتابة .
وتقول فى أحد حواراتها عن الكتابة، وموهبتها التى أفرزت لنا روايات عدة، من بينها الطنطورية ، ثلاثية غرناطة ، مريمة والرحيل ، وأخيرا أثقل من رضوى.. مقاطع من سيرة ذاتية : لسنوات سألت نفسى لماذا أكتب، لكننى لم أتوقف أمامه طويلا، كانت الكتابة تأتينى فجأة، فلا أستطيع التفكير فى السبب، ورغم ذلك لم أغامر بالتورط فى أى مشروع إبداعى إلا فى وقت متأخر نسبيا. تجرأت على الكتابة النقدية قبل الكتابة الإبداعية، أنا متخصصة فى الأدب، وعندما كنت أنظر إلى النصوص التى درستها أخاف وأتراجع، ولذلك فقد نشرت روايتى الأولى وأنا على مشارف الأربعين، وكنت حصلت على الدكتوراه، ودرجة الأستاذية، ورغم ذلك كنت خائفة أتساءل إن كان لدى ما يكفى من الموهبة والقدرة التى تبرر نشر ما أكتب.
سميح القاسم.. "منتصب القامة أمشي" !
فى إحدى رحلات ضابط بقوّة حدود شرق الأردن، إلى فلسطين فى القطار، خلال الحرب العالمية الثانية، بكى طفل فذُعر الركَّاب وخافوا أن تهتدى إليهم الطائرات الألمانية، وبلغَ بهم الذعر تهديد الطفل بالقتل، إلى أن اضطر الوالد إلى إشهار سلاحه فى وجوههم لردعهم، وحين رُوِيَت الحكاية للشاب، بعد سنوات من الواقعة، قال: حسنا.. لقد حاولوا إخراسى منذ الطفولة سأريهم سأتكلّم متى أشاء وفى أىّ وقت وبأعلى صوت، ولن يقوى أحد على إسكاتى .
كان هذا الطفل، الشاعر الفلسطينى الراحل سميح القاسم، الذى رحل أغسطس الماضى، عن عمر يناهز ال75 عاما، ليرحل العضو الأخير فى ثالوث شعراء المقاومة بفلسطين، بعد توفيق زيّاد ومحمود درويش.
ورغم ارتباط اسم سميح القاسم بشعر الثورة والمقاومة، كقصيدته تقدموا التى خاطب فيها قوات الاحتلال الإسرائيلى، وقصيدته منتصب القامة أمشى التى لحنها وتغنى بها مارسيل خليفة، وكذلك سجنه مرات عدة بسبب نشاطه السياسى، إلا أنه كان داعيا للسلام حتى وفاته، بديلا لاستمرار الحرب، وقتل الأبرياء. ويحكى صديقه الأديب هشام نفاع جلس مرة سميح القاسم مع صديقيه، الأديبين الإسرائيليين يورام كانيوك وعاموس كينان، على مقهى كسيت فى تل أبيب، سألهما فجأة: أخبرانى، كم عربيا قتلتما؟ ، تلعثم الأديبان قليلا حتى قال عاموس كينان: أطلقنا النار، ولكنى لا أعرف إن كنا أصبنا أناسا ، فقال له القاسم: طيب. أنا لم أطلق النار، وبالتأكيد لم أصب أناسا، ولكن مع كل هذا، هيا بنا نتحدث عن السلام .
موقف آخر يكشف عن روح قاسم المتسامحة، وكذلك رفضه للقتال، حيث كان مفروضا عليه التجنيد فى الجيش الإسرائيلى، كونه درزيا مقيما فى مدينة إسرائيلية، عربية الأصل بالتأكيد، من قبل أن تحتلها إسرائيل، ولكن الشاب سميح القاسم الذى يبلغ 22 عاما رفض التجنيد فى الجيش، بل وأرسل خطابا إلى رئيس الدولة، يقول فيه إن القادة الدروز لا يمثلون شباب الدروز، وأنه لا يجب تجنيد الدروز ليحاربوا ضد إخوانهم العرب، ويهدد أنه فى حال حبسه فسيعلن الإضراب عن الطعام.
كتب القاسم له أكثر من 60 كتابا فى الشعر والقصة والمسرح والمقالة والترجمة، وصدرت أعماله فى سبعة مجلدات عن دور نشر عدّة فى القاهرة والقدس وبيروت. وتُرجم عدد كبير من قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والروسية والألمانية واليابانية والإسبانية واليونانية والإيطالية والفارسية والعبرية.
مصطفى حسين.. "الرّيشة التي طارت" !
شخصيات كاريكاتيرية شهيرة عدة، من بينها كمبورة ، عبده مشتاق ، فلاح كفر الهنادوة ، الكحيت ، عزيز بك الأليت ، و مطرب الأخبار . رسمها مصطفى حسين، الرسام الكبير الذى رحل عن عالمنا فى منتصف أغسطس الماضى، وتحولت بعض أعماله إلى مسلسلات تليفزيونية كوميدية منها مسلسل قط وفار و ناس وناس .
ولد حسين فى مارس 1935، وتخرج فى كلية الفنون الجميلة قسم تصوير بجامعة القاهرة عام 1959، وبدأ عمله فى المجال الصحفى من دار الهلال، بعدها تنقل رسام الكاريكاتير الشهير بين عديد من المؤسسات والمطبوعات الصحفية، وصولا إلى صحيفة الأخبار ، التى حاز مكانة مميزة بها.
علاقة شخصية ومهنية جمعت الثنائى، مصطفى حسين وأحمد رجب، فكان رجب مصنع الفكرة وحسين صاحب الريشة، وشارك فنان الكاريكاتير فى تصميم غلاف مجلة الإثنين ، وفى عام 1956 عمل رساما للكاريكاتير بصحيفة المساء ، وظل بها حتى عام 1963، ثم انتقل للعمل فى صحيفة أخبار اليوم ، ومجلة آخر ساعة ، ومنذ عام 1974 استمر فى العمل بصحيفة الأخبار .
ارتبط اسم فنان الكاريكاتير بعديد من الجوائز المصرية والدولية تقديرا لأعماله، حيث فاز مصطفى حسين بالجائزة التقديرية فى عهد الرؤساء السابقين السادات ومبارك ومرسى، ونال الجائزة الفضية فى مهرجان إكشهير بتركيا عام 1974. شغل مصطفى حسين عديدا من المواقع، منها رئيس الجمعية المصرية للكاريكاتير عام 1964، ورئيس تحرير مجلة كاريكاتير فى 1993، بالإضافة إلى اختياره نقيبا للفنانين التشكيليين عام 2002.
نشرت أعماله بعديد من دول العالم منها فرنسا وروسيا، ووصفه فنانو الكاريكاتير بأنه من أهم وأفضل رسامى الكاريكاتير فى العالم.
خالد السرجانى.. العريس يرحل يوم زفافه
آلاف الكتب، وكثير من الإصدارات النادرة تحويها مكتبة خالد السرجانى، والذى يحكى أصدقاؤه أن ثريا عربيا عرض عليه شراء المكتبة مقابل مليونى جنيه، لكنه رفض اعتزازا منه بالثقافة والكتب، التى جمعها بعناية شديدة. الصحفى خالد السرجانى، الذى رحل فى سبتمبر الماضى، يعتبر من أبرز المهتمين بالشأن العام والثقافة، والمتابع الجيد لكل الإصدارات الجديدة، يجلس دائما مع مجموعة من الأصدقاء على مقهى منزوٍ بأحد شوارع حى الزمالك، يجلس مع الكاتب عبد الله السناوى، وجمال فهمى، والصحفى إبراهيم منصور، أصدقائه المقربين، يتناقشون فى القضايا السياسية، وكذلك الثقافية، فى هدوء شديد.
عازب الصحافة ، هكذا لقبه أصدقاؤه وزملاؤه بالمهنة، بعدما وصل إلى 54 عاما دون أن يتزوج، وبعد يوم واحد من زواجه رحل، إثر أزمة قلبية، بهدوء يليق بشخصيته. كان السرجانى عضوا فى لجنة الثقافة والفنون بالمجلس الأعلى للثقافة، وآخر منصب تولاه هو مسؤول المركز الصحفى لمهرجان القاهرة السينمائى، إلا أنه توفى قبل انطلاقه فى الفترة من 9 إلى 18 نوفمبر.
قضى السرجانى 30 عاما -وربما أكثر- من حياته فى صاحبة الجلالة، متنقلا من تجارب صحفية خاصة مثل الدستور فى عام 2005، ليشرف على صفحة الصحافة أيضا ب الأهرام ، ينقل من خلالها هموم المهنة، وهموم العاملين فيها، ويضع فى مقالاته رؤية لتطوير الإعلام، وكذلك صفحة الثقافة ب المصرى اليوم .
ويقول الصحفى يحيى قلاش عن صديقه السرجانى: التقيت خالد السرجانى فى بداية عمله بجريدة (الجمهورية) قبل أن ينتقل إلى (الأهرام) شابا صغيرا لا يفترق عن كوكبة كانت تضم الراحلين جلال السيد وأحمد العزبى وفتحى عبد الفتاح وسعد هجرس، إضافة إلى سامى الرزاز وبهى الدين حسن وأحمد حسان، واستمرت علاقتنا منذ هذه اللحظة تتوثق على أكثر من درب، لكنها حفرت لها مجرى عميقا ارتبطت به السنوات الأكثر من عمرى، وهو ملف العمل النقابى، وكل ما يتعلق بمعارك حرية التعبير واستقلال الصحافة ومعارك النقابة .
ويضيف قلاش: كان للسرجانى حضور مميز، خصوصا فى هذا الملف ابتداء من معركة النقابة مع نظام مبارك عندما أراد فرض مزيد من القيود على الصحافة عام 1995 بإصدار القانون 1993، الذى أطلقنا عليه قانون حماية الفساد، وكذلك بمعارك رفض التطبيع مع الكيان الصهيونى، التى دارت على ساحة النقابة فى أكثر من مناسبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.