هل يستطيع أحد من المدخنين الذين يقرأون الآن أن ينكر أنه عبد لشركة فيليب موريس؟! هل يستطيع شخص من الجالسين الآن يقرأون تلك الكلمات على شاشة اللاب توب بتاعهم أن ينكر أنه عبد فى مستعمرات بيل جيتس وستيف جوبز ومارك زوكربيرج؟! هل يستطيع شخص داخل على النت من موبايله إنكار أنه عبد رسمى لنظام أندرويد؟! هل يستطيع شخص ممن يمتلكون موبايل أن ينكر أنه عبد لدى شركة من الشركات الثلاث، فودافون أو موبينيل أو إتصالات؟! هل يستطيع شخص أن ينكر أنه عبد لجميع التزاماته الشهرية، عبد لإيجار الشقة التى يعيش فيها، عبد لفواتير الكهرباء والمية والتليفون، عبد للأقساط المطلوب منه سدادها، عبد لتطلعاته و رغباته و إحتياجاته، عبد للسوبر ماركت وشركات الأغذية العالمية وللصيدلية والشركات الضخمة العابرة للقارات؟! أنتم عبيد، إلا أن شكل صك العبودية فقط هو الذي قد اختلف، ليتشكل على هيئة عقد عمل مرة، ثم على هيئة عقد إيجار شقة مرة أخرى، ثم على هيئة فاتورة تطالبك بسداد مبلغ معين من المال لمواصلة تمتعك بخدمة معينة ترى أنك لا تستطيع الحياة بدونها مرة، إنها العبودية الجديدة، التى لن يمتلكك فيها أحد وإنما سوف تمتلكك فيها الكثير والكثير من الأشياء، التى لن يعرضك فيها أحد فى سوق العبيد ليشتريك سيدك الجديد وإنما انت من سوف تسعى بنفسك إلى سيدك الجديد لتبيع له نفسك عن طيب خاطر لتحصل بعدها على أوبشن ما تظن أنك قد أصبحت تمتلكه بينما الحقيقة هى أن هذا الأوبشن هو الذى قد أصبح يمتلكك، وليس العكس. ليس هناك أحرار بالفعل فى هذا العالم سوى الدراويش والمجاذيب والهائمون على وجوههم، هؤلاء الذين لا يمتلكون شيئاً على الإطلاق هم وحدهم الأحرار، أما نحن فلسنا أحرار على الإطلاق، بالعكس، نحن عبيد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بل ربما كنا عبيد أكثر من العبيد بتوع زمان بذات نفسهم، هؤلاء الذين بيعوا فى سوق العبيد واشتراهم شخص ما بعد دفع ثمنهم وامتلاك صك ملكيته لهم، الفارق الوحيد بين عبوديتنا الحديثة وعبودية زمان يتمثل فى شكل العبودية الذى اختلف وطاله من التغيير ما طال كل شىء فى كوكبنا الأرضى العزيز والقذر. شأن العبودية فى ذلك شأن الحرب بالظبط، أنظروا لتطوراتها على مدار الحقب التاريخية المختلفة من صراعات بالأيدى العارية وبالأدوات البسيطة، ثم بالسيوف والدروع والخيول، ثم بالمركبات الحربية، ثم بالبنادق والمدافع، ثم بالدبابات والطائرات والغواصات، ثم بالقنابل الذكية الموجهة والطائرات بدون طيار، ثم بالتكنولوجيا والألاعيب النفسية وتفجير الأوضاع من الداخل ومن بعيد لبعيد كما هو حاصل الآن بالظبط، حيث أنه - في حالة لو ما كنتوش واخدين بالكوا - الحرب العالمية الثالثة شغالة بالفعل منذ فترة، إلا أنها فقط إتخذت شكلاً آخر غير ذلك الشكل القديم الذى اعتدناه، وهكذا العبودية. والآن، كيف نحل تلك المعضلة التى تبدو وكأنها مالهاش حل؟! كيف نفك تلك التخبيلة السودا لخيوط احتياجاتنا مع خيوط عبوديتنا لتلك الإحتياجات؟! هناك أشياء فى تلك الحياة مالهاش حل سوى عن طريق إدراكها، وتلك المسألة موضوع الحديث من ضمن تلك الأشياء، فمجرد إدراكك للعبة الحياه نفسها التى قد تم إشراكك فيها بوصفك أحد قاطنى ذلك الكوكب التعس يعد فى حد ذاته تخفيفاً من حدة المأساة، ينبغى أن تدرك أنها لعبة، مجرد لعبة ومحض عبث ينبغى علينا أن نتعامل معها بما يليق بها من كونها معزوفة عبث كونية مستمرة من الأزل وإلى الأزل. يقول "صامويل بيكيت" عن ورطته وورطتنا جميعاً.. "أنا فى تلك الحياه.. لا علاج لذلك".