جهاز المخابرات الأمريكية C.I.A. يعترف أمام الكونجرس بارتكابه أعمال تعذيب فى سجن جوانتامو، ثم... ثم يندهش الجميع بعدها متقمصا شخصية المصدوم، ثم تتحسب بعض الدول من القيام ببعض الهجمات الارهابية ضد سفاراتها فى منطقة الشرق الأوسط، ثم تبدأ النشرات الإخبارية فى إشعارنا بأن هناك معلومات جديدة فى الموضوع عن طريق عمل تقارير إخبارية مرفقة بأشكال توضيحية لأهم وسائل التعذيب التى كان جهاز المخابرات الأمريكية يتبعها مع معتقلى جوانتامو لانتزاع الإعترافات منهم، ثم... ثم تبدأ بعدها فى الشك فى حواسك... أليست تلك هى نفسها وسائل التعذيب التى رأينا صورها أثناء ممارستها على معتقلى جوانتامو أنفسهم؟! مش من خلال أشكال توضيحية بالجرافيك، لأ، من خلال أشكال توضيحية بالبنى آدمين أثناء انتزاع آدميتهم منهم، منذ أكثر من عشر سنوات، فى جميع الجرائد والمجلات على مستوى الكوكب، عندما كان النصاب بوش يتولى رئاسة أمريكا، قبل أن يخدع النصاب أوباما العالم ويقنعه أنه سوف يكون بمثابة وجه مختلف لأمريكا والعالم ثم يتولى الرئاسة، لنكتشف أنه.. ياعزيزى كلهم لصوص. أليست الإنتهاكات التى حدثت فى معتقل جوانتامو فى كوبا وعدة معتقلات أمريكية أخرى فى بلدان مختلفة حول العالم مثل بولندا مثلا، شبيهة بتلك التى رأيناها جميعا منذ كام سنة أخرى فى سجن أبو غريب فى العراق؟! هل كانت أعيننا تخدعنا عندما رأينا صور هؤلاء البشر المشبوحين على أجهزة الصواعق الكهربية، أو هؤلاء المغممين والمكممين والمقيدة أيديهم فى أرجلهم كالحيوانات لانتزاع حواسهم البشرية منهم، أو هؤلاء الذين يتم نهشهم بالكلاب المفترسة على الهواء مباشرة؟! هل كنا بنهرتل وقتها حتى نُفاجأ الآن؟! إذن.. لماذا اندهش العالم وتعامل مع حكاية اكتشاف قيام جهاز المخابرات الأمريكية بالتعذيب كحكاية جديدة، على الرغم من أنها حكاية قديمة، قديمة لدرجة أنه لا يوجد تقريبا على سطح ذلك الكوكب التعس من لا يعرفها، أو من لم تمر عليه صورة من تلك الصور الكثيرة المِرَمِيَّة على جميع مواقع النت، أو من لم يشاهد فيلما وثائقيا من تلك الأفلام الكثيرة التى تم تقديمها منذ سنوات عن أهوال معتقل جوانتامو أو عن بشائع سجن أبو غريب فى العراق، وكم الجرائم اللاإنسانية التى ارتكبت فيهما تحت دواعى الحفاظ على الأمن القومى الأمريكى. مبدئيا، العالم لم يندهش ولا حاجة، العالم فقط قام بدوره الوظيفى المنوط به القيام به، وقام بتمثيل أنه اندهش، بينما هو لم يندهش ولا حاجة. حاجة كده زى ما يعرف بالدبلوماسية الدولية، نعمل اجتماعات ومفاوضات وغداءات عمل وعشاءات تفاوض وإفطارات ترويش ثم... ثم كل واحد يتكل على الله ويروح لحاله ويرجع بلده يشوف اللى وراه. إنه دولاب العالم الوظيفى الذى لا ينبغى على أحد مخالفته، وإلا انهار النظام العالمى بأسره فوق دماغنا جميعا. ينبغى على الجميع التعامل مع الخدعة كما لو كانت مش خدعة، تلك هى مقتضيات اللعبة التى وافقنا عليها ضمنيا كبشر بدون أن نتفق بشكل معلن. حنضحك على نفسنا، ولكن بشكل منظم. فى عالم عصابات الجريمة المنظمة، تظل هناك معايير لا تنبغى مخالفتها، بينما فى عالم المجرمين الفرط أى شئ من الممكن أن يحدث. الأمر نفسه فيما يخص النظام الذى يحكم العالم.. هناك نظام عالمى عوء وقاس وهمجى وذكى وأشبه بعصابة كبيرة مكونة من عدد من الشركات الضخمة العابرة للقارات، شركات سلاح وأغذية وتكنولوجيا وبناء، إلا أنه على الأقل يحكمه حد أدنى من المعايير التى لا ينبغى مخالفتها، بينما هناك عصابات فرط كداعش والقاعدة والإخوان تريد هى الأخرى أن تحكم العالم، إلا أن مشكلة تلك العصابات أنها لا تمتلك الحد الأدنى من المعايير، بينما تمتلك كل الهَطَل والغباء المدقع والتغييب الكامل للعقل. لهذا.. نفضل دوما الخدعة المنظمة الذكية على الخدعة العشوائية العبيطة، وبناءا عليه ينبغى علينا أن نمثل أننا مندهشين بعد علمنا أن أمريكا طلعت بترتكب انتهاكات فى حق الإنسانية.. إيه دا.. معقول؟! تصدقوا اتفاجأنا