«1» إذا قلت إنه حرامى، فالذى يسرق الغسيل حرامى.. والذى يسرق الحلل حرامى.. والذى يسرق بسكليته حرامى.. إنه ليس حراميا فقط.. إنه ندل.. وبالفصحى نقطة على الذال فيكون «نذل».. فالندالة صفة واسعة.. تشمل اللص والقاتل والخائن والجاسوس.. إلى آخره.. وفى «مختار الصحاح» النذل هو الخسيس، والنذالة هى السفالة والرجل نذل ونذيل فهو خسيس. وهؤلاء الأربعة أندال وأنذال.. إنهم لم يسرقوا مالا فقط.. ولكن باعوا وطننا.. باعوه بالجملة وبالقطاعى.. أراض.. مصانع.. شركات.. حتى المستشفيات.. حاولوا بيعها. ما الصفة التى تراها تصلح لهؤلاء.. لقد وجدت صفة أندال هى المناسبة وإن كنت أظن أنها لا تكفى لوصف هؤلاء الأنذل أو الأندال. تصور رئيس وزراء عنده من دخله الوظيفى وامتيازاته -وما أكثرها- ما يكفى مئة أسرة لتعيش مستورة.. تصور رئيس الوزراء هذا الذى باع القطاع العام برخص التراب ليحصل على رشوة أو عمولة أو مكافأة.. إنه الرجل الذى باع شركة «المراجل البخارية» وكانت أحدث شركة فى الشرق الأوسط، وأنتجت غلايات تساوى أو تفوق مثيلاتها المستوردة من ألمانيا وإنجلترا هذه الشركة كانت ستكون الذراع اليمنى للقطاع الصناعى فى بلدنا.. وتكلفت 75 مليون جنيه سعى الجشع الندل إلى تحطيمها حتى تباع بمبلغ 15 مليونا فقط.. كيف نسى وطنه مصر.. كيف نسى وطنيته وباعها بهذا المبلغ الزهيد.. وأوقف حركة تصنيع واسعة كانت نواته.. إنها الندالة وبنقطة تصبح النذالة.. وقال لى الدكتور إيفانز وكان وكيلا لعدد من الشركات التى اشترت القطاع العام.. إنهم كانوا يسمون وزير قطاع الأعمال رئيس الوزراء فى ما بعد.. كانوا يسمونه «مستر تن برسنت» أى مستر عشرة بالمئة، وقال لى إيفانز إنه قال للمستر «تن برسنت» إن هذه العمولة كثيرة، فقال له: «إننى لا أقبض وحدى»! فمن هو الآخر الذى كان يقاسم مستر «تن برسنت» عمولاته؟ أظنكم تعرفون الإجابة! «2» ويأتى الرجل الثانى.. ولو تحرينا الدقة لقلنا الأول.. وهو وزير الإعلام.. رئيس مجلس الشورى فى ما بعد.. صاحب العبارات الكاذبة البراقة.. أزهى عصور الديمقراطية.. وسواها وأعتقد ويعرف كثيرون أنه كان المؤسس الفعلى للسياسة المصرية خصوصا الداخلية.. وكان الرئيس السابق يرتاح إلى مشورته التى كانت تتلخص فى «كله تمام، فإلى الأمام».. فكان «الصعود إلى الهاوية» هو المصير المحتوم لرجل لم يكن يسمح لأحد أن يخبره بشىء يعكر مزاجه العالى الذى كان يتولاه رجل الأعمال الغامض ببراعة.. وفى كل ليلة تنعقد جلسة المزاج والفرفشة التى كانت تتوافر بها جميع ملذات الطعام والشراب والوجه الحسن.. ويقوم كوميديان معروف بإلقاء نكاته.. بالأخص الخارج منها بالذات. ويأتى «الدرامز» أو عازف الطبلة الذى استولى على عقل الرئيس ثم سيدة مصر الأولى.. ثم الرئيس تحت التشطيب أو الابن الذى كان مرشحا للخلافة.. روى لى أحد المقربين أن الأخ الأكبر الذى لا يحب السياسة ولا يلعب فيها أنه قال لأخيه الأصغر الطامع فى الكرسى.. أنت ح تودى أبوك فى داهية.. وقد راح فى ستين داهية.. وليست داهية واحدة. لقد قام «الدرامز» مشكورا، بتزوير الانتخابات الماضية.. قام بالتزوير فى 450 دائرة أو أكثر.. لا أذكر بالضبط.. قام بتزوير كل المقاعد، فلم ينجح معارض واحد.. تصور الغباء.. كيف يقوم برلمان بلا معارضة؟ فلماذا إذن هو برلمان؟ ولماذا الانتخابات أصلا؟ لقد كان فى إمكان «الدرامز» أن يترك مئة مقعد للمعارضة أو حتى ستين.. ولكنه الغباء السياسى، مما يثبت أن رجل الأعمال ليس بالضرورة سياسيا.. وإذا كان قد نجح فى شراء شركة «الدلتا» للصلب بقرض من البنوك لم يسدد منه جنيها واحدا.. فلقد نجح فى الفلوس.. وفشل فى السياسة.. وأعتقد أن الانتخابات المزورة كانت مسك الختام للحكم الديكتاتورى.. لهذا يستحق صاحبنا أن يكون له تمثال ضمن شلة الحرامية. أما السكرتير الجميل.. الشيك.. الذى ثبت أنه يملك أكثر من مليارى جنيه أو دولار ربما، فهو يستحق تمثالا أيضا.. ربما أصغر قليلا من بقية التماثيل. ونستطيع أن نضيف تماثيل أخرى لترزية القوانين وكلهم للأسف جهابذة القانون.. ولكن السلطة والمال والسرقة أعمت ضمائرهم مثل عيونهم.. وكلهم للأسف يحلمون. «3» لقب الدكتوراه.. وبعضهم اختارته بعض المنظمات الدولية فى مناصب رئاسية، لأن هذه المنظمات لم تكن تعرف الوجه القبيح لهؤلاء الذين يسمونهم سدنة العدالة.. لقد كانوا سببا مباشرا للثورة على الديكتاتورية.. ولولاهم ما فكر أحد فى الثورة! ولم أكتب أسماء لأنهم تحولوا إلى رموز.. رموز للفساد المخيف.. وأعرف أنكم ستعرفون أسماءهم.. وقد دخلوا التاريخ كأكبر حرامية فى تاريخ مصر.. وكما يقول أستاذنا هيكل: «هذا هو النهب الثانى لمصر بعد النهب الاستعمارى لها». رؤوس أقلام! منذ أيام قرأت نعيه فى صفحة الوفيات ب«الأهرام».. وترحمت عليه.. بمبدأ اذكروا محاسن موتاكم.. أما الحقيقة فإنه كان جاهلا محدود التفكير.. وسيعرفه الزملاء عندما أقول إنه كان يكتب موضوعات إنشاء تافهة.. ويريد أن تنشر وكان يخطئ فى أبسط قواعد اللغة، حتى إنه كان يكتب كلمة آية بالتاء المفتوحة.. وكنت أمنع نشر مقالاته التافهة.. وظل يكتب الشكاوى ضدى، ولم ألتفت إليه ولا إلى شكاواه.. ولم يجد وسيلة يحاربنى بها إلا الانضمام إلى جماعة الإخوان.. وشن على حربا دينية حافلة بالتفاهات والأكاذيب ومرت الأيام وخرجت من منصبى وأنا فى الأربعين.. وبحكم الأقدمية أصبح مساعدا لرئيس التحرير، وهو منصب شرفى على ما أظن.. فاتصل بى شامتا، فقلت له: حتى لو أصبحت رئيس تحرير «الأهرام» لن تصبح صحفيا.. رحمه الله