ما زلت مصرًا على أن مواجهة الإرهاب والإسلام السياسى تتطلب مشروعًا واستراتيجية متعددة الجوانب، ثقافيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، وفى القلب مشروع وتصور حول بناء حياة سياسية حزبية قوية، تتصدر المشهد فيها أحزاب مدنية ديمقراطية «يمين ويسار»، فالفراغ الذى سيخلفه الإسلام السياسى لن تملأه أو تسده بيروقراطية الدولة أو جيشها أو أى ظهير اجتماعى قد تسعى الدولة إلى تبنيه، وفى التجارب السابقة خير عبرة ودليل. وأيا كان مستوى الفشل أو عدم القدرة على النجاح الحزبى حتى الآن فما زلت مقتنعًا أن بناء مشروع سياسى للتعددية ليس مسؤولية الأحزاب وحدها، فالأحزاب هى وليدة المجتمع، وحالتها هى نسخة مصغرة لحاله ككل وسبل إدارته، والمادة الخام لتكوين الأحزاب هى نفس المادة الخام الأم التى تشكل المجتمع بأكمله ومؤسساته وبيروقراطيته. إن كان مجتمعًا ناجحًا ستجد انعكاسًا لهذا فى العملية السياسية، والعكس صحيح، لذا فإن مسؤولية بناء الأحزاب هى مسؤولية الجميع، بينما تقع فى المقام الأول، ومناصفة، على كاهل الحزبيين والدولة، فنجاح الأحزاب يعنى نجاح المجتمع بأكمله فى إيجاد آلية للرقابة وإنتاج السياسات البديلة، وخلق الأفكار والإبداع فى تأسيس نظم للإدارة وإيجاد سبل تمثيل وتعبير عن المصالح المتضاربة، ففى المجتمع واستيعاب الغضب فيه وإغلاق الباب فى مواجهة ما يهدد استقراره. وهنا الدور الخاص بالأحزاب، وما يتحتم عليها فعله هو أمر ربما لسنا فى حاجة إلى الإشارة إليه، فالجميع يعرفه والبعض يتبارى فى تشخيصه «بسلامة نية أحيانًا وكحق يراد به بناء ديكتاتورية جديدة فى كثير من الأحيان»، أما المسؤولية المشتركة فتأخذنا إلى عدد من الأسئلة حول الدور الخاص بالدولة فى هذا الشأن، وهنا نجد أن الإجابة عن عدد من الأسئلة تعطى إشارات ودلائل مهمة حول الرغبة أو الإرادة السياسية أو الإيمان بفكرة التعددية السياسية من الأساس: 1- هل فكَّرت الدولة بشكل عام فى كيفية دعم بناء وتأسيس حياة سياسية قوية؟ 2- هل سخَّرت الدولة باحثيها ومفكريها للخروج بتصور ومشروع إزاء هذا الأمر لتحقيقه إلى واقع أو على الأقل السعى لتحقيقه إلى واقع؟ 3- هل فكَّرت الدولة فى دراسة أسباب قصور التجربة الحزبية فى عهد الملكية وعدم قدرة الأحزاب السياسية على الوقوف على قدمها فى مواجهة الإخوان المسلمين فى انتخابات 2011؟ 4- هل فكرت الدولة فى تجارب أخرى للتحول الديمقراطى حملت دول فيها وبشكل محايد مسؤولية تأسيس ودعم عملية بناء أحزاب قوية؟ 5- هل بحثت الدولة كيفية دعم الأحزاب السياسية المدنية ماديًّا كى تستطيع المنافسة فى الانتخابات؟ 6- هل فكرت الدولة فى كيفية تبنى تصور إعلامى عبر الإعلام القومى حول كيفية تغيير الثقافة السلبية المتعلقة بالأحزاب وحض الناس على المشاركة فى الحياة الحزبية؟ 7- هل فكرت الدولة فى إجراءات عاجلة لإعادة ثقة الشباب فى آليات العملية السياسية، وهى ثقة تتلاشى يومًا بعد يوم، وتتجه إما نحو العزوف عن لعب دور فاعل فيها وإما الاكتفاء بالاحتجاج؟ 8- هل فكرت الحكومة فى كيفية تبنى منظومة نابعة من الدستور تتيح توفير والإفصاح عن المعلومات ومد الأحزاب بها كى تتحمل مسؤوليتها فى تقديم سياسات بديلة مبنية على واقع حقيقى وتقديرات سليمة تتجاوز الكلام العام والفضفاض؟ 9- هل فكرت الدولة فى أن تجلس مع قيادات الأحزاب السياسية تسألهم ما الذى يرونه؟ وما المشروع السياسى الذى يجب أن يعمل عليه الجميع، ويكون طرفاه الدولة والأحزاب فى سبيل بناء تعددية سياسية حقيقية؟ 10- هل فكرت الدولة فى كيفية إتاحة الفرصة للحزبيين كى يكونوا مطلعين على صناعة القرار وأساليبه وآلياته ومعوقاته تدريبًا وتعليمًا لهم على كيفية تحمل مسؤولية الحكم أو الشراكة فيه؟ 11- هل فكرت الدولة فى سبل الإتاحة كى تكون القيادات الحزبية الوسيطة والمحلية ذات قدرة على الوصول والنفاذ إلى البيروقراطية والإدارة على المستوى المحلى «غير المركزى» كى يكونوا ذا تأثير حقيقى؟ 12- هل فكرت الدولة فى التصدى ولو مستندة إلى قوتها المعنوية والأخلاقية لمن يريدون القضاء على أى مساحة للسياسة فى المجتمع وينادون بحل الأحزاب والرغبة فى التخلص منها وتأسيس نظام ثبت فشله يقوم على حكم الفرد والتكنوقراط؟ 13- هل فكرت الدولة وهى تقدم تصورًا للنظام الانتخابى بجانب مخاوفها من عودة الإسلام السياسى فى كيفية إيجاد صيغة تدعم الحزبية وتتيح الفرصة للأحزاب كى تنافس بقوة وتحقق رصيدًا سياسيًّا؟