والحامولى عبارة عن عربة من عربات الكبدة التى تمتلئ بها أنحاء القاهرة.. عربة طولها أقل من المتر، ترتفع فوقها ألواح من الزجاج، وروادها كل طبقات المجتمع الذين يقفون مضطرين من جراء الرائحة النفاذة، كما أن سعر الساندويتش كان عند وصولى إلى القاهرة خمسة وعشرين قرشًا! الأمر كان مرعبًا بالنسبة إلىّ، فما معنى أن تأكل ساندويتش كبدة بربع جنيه، بينما ساندويتش الفول بجنيه وربع؟ الغريب أن الرائحة -للأسف- شهية بالفعل لا تقاوم، لا بد من زيارة إذن. فى منتصف الشارع تقف العربة، متحدية كل مطاعم المنطقة، كأنها تخبط على صدرها قائلة: «نحن هنا.. منها وإليها نعود» العشرات يصطفون فى سبيل الحصول على ساندويتش كبدة بربع جنيه، تأكل أنت وسلسال العائلة جبلًا من الساندويتشات ويمد أحدكم يده بورقة بعشرة جنيهات وينتظر الباقى. حول العربة تقف ثلة من الكلاب، يتشممون المكان والزبائن فى سكون، ينظرون إلى «الطاسة» التى يمتزج فيها الزيت بالكبدة بشجن وألم.. نظرة مَن فقد عزيزًا.. بالتأكيد فقد أحدهم صديقه منذ أيام ويعلم أن مآله إلى هذه الطاسة.. ساندويتش الكبدة بربع جنيه، فمن أى الحيوانات تريده إذن؟ يتعايش الزبائن مع هذه الحقيقة المرعبة ببسالة حتى إن أحد أصدقائى عندما نبهته إلى أنه من الممكن أن تكون هذه الساندويتشات من لحم كلاب أو حمير مثلًا، أجابنى وهو يلتهم الساندويتش كآلة حصاد: طب ادعى ربنا إنها تبقى حيوانات أساسًا! ضبطت نفسى أكثر من مرة أقف بجوار عربة كبدة.. الرائحة لا تقاوم بالفعل، ولكن إنسانيتى تدفعنى إلى الهرب بسبب تعاطفى الحاد ومواساتى الرقيقة للكلاب الثكالى.. فهل تعرف يا صديقى عربة كبدة مضمونة لا تحوطها الكلاب، أو على الأقل تكون كلابها المذبوحة مقطوعة من شجرة؟