رأيت مؤخرا فيلمين ممتعين للغاية من تلك الأفلام التى تدفعنا إلى التفكير والتأمل أيضا، الأول: «الجزيرة 2» لشريف عرفة، والثانى «interstellar» أو «بين النجوم» لكريستوفر نولان، رأيتهما فى أسبوع واحد، فأحسست بحسرة وألم وبعض الإحباط، الفيلمان فيهما تقارب فى الفكرة، الإنسان المأزوم الباحث عن وجوده والحفاظ عليه، لكن عالم كل منهما مختلف تماما عن الآخر، لا مجرد الشرق والغرب، الضعيف والقوى، المتزمت والمتحرر، وإنما فى الإنسانية والقيم، الأول إنسان من الماضى، من أفكار قديمة وعلاقات قديمة وتصرفات قديمة، سواء أكان «منصور الحفنى» المجرم الهارب من الإعدام الذى يريد أن يعود قويا مسيطرا نافذا على الجزيرة بالتحالف مع الشيطان، أو «جعفر» زعيم الرحَّالة الساعى إلى السلطة والثروة على صهوة الدين ليتحكّم فى خلق الله وأرضهم، أو «كريمة» بنت الناجيْحة التى صارت كبيرة الجزيرة، وتستميت فى الدفاع عن مكانتها حتى لو تنازلت عن نفسها ل«جعفر»، أو «رشدى وهدان» الضابط الذى ألقت به ثورة يناير 2011 من السلطة إلى الشارع، ويدخل هؤلاء فى صراعات خبيثة دموية ومؤامرات حقيرة، فتظل الجزيرة على حالها فقيرة معدمة على شمال الشمس لا مستقبل لها. أبطال «الجزيرة» مأزمون باختياراتهم وبرغبتهم، مهما اختلفت الدوافع، والحلول التى لجؤوا إليها أنانية وغير إنسانية، حتى ابن «منصور الحفنى» الذى عاش وتربَّى فى بيئة مختلفة، فيها أفكار مختلفة ومشاعر مختلفة، سقط فى النهاية، فالعالم الردىء المحيط به يحكمه السفلة بالسلاح أو الدين أو بالاثنين معا، لإدخال الخراف الضالة والمؤمنة إلى حظيرة الطاعة! لكن فى فيلم «بين النجوم» الأبطال مأزمون بالإكراه، فرضت عليهم الطبيعة الاختيار بين الفناء على الأرض والهروب إلى الفضاء، فالأرض جفت أمطارها، والأشجار والنباتات تموت تباعا، والطعام يقلّ إلى حدّ المجاعة، وغبار الصحراء تحوَّل إلى عواصف تقتحم كل شبر وكل بيت، وتهدد البشر بالاختناق مع تقلص نسبة الأكسجين فى الجو، باختصار الإنسان على حافة الهاوية، ويفتش عن خُرم إبرة لتستمر البشرية ولا تنقرض، هذا إنسان من المستقبل، وأفكار عن المستقبل وتصرفات مفعمة بالأمل والمعرفة والإرادة والإنسانية، عالم نقترب فيه من نظرية العالم الفذ أينشتاين عن نسبية الزمن وعمر الإنسان المتغيّر، ومن الفضاء وتركيبه وعوالمه وكواكبه ومجراته والقواعد العلمية التى يسير بها.. وغزوه أيضا! وبالطبع فى هذا العالم لا يستسلم البشر حتى لو كان الأمل محدودا أو ضعيفا، وقد لا يخلو من خبث وكذب، لكنه من أجل التقدم إلى الأمام، فهم يؤمنون بأن الغاية الرائعة تبرِّر الوسيلة المنحطة أحيانا، إذا لم يكن منها بُد، وقد نختلف مع هذا المفهوم ونرفضه، لكن هذا عالمهم وهم أحرار فيه. المهم أن المهندس «كوبر» يسافر بين النجوم بحثا عن كوكب يصلح أن ينتقل إليه البشر، والعالم «براند» يبنى مدنا فضائية تشبه سفينة نوح ليهاجر فيها الناس إلى الفضاء، لكن الجاذبية الأرضية تعوق انطلاق هذه السفن العملاقة... إلخ، وبالطبع ينجحون فى إنقاذ البشرية على أجنحة الحب والمعرفة والتسامح والعمل الجاد والتفكير خارج الصندوق حتى لو ماتت الأرض من الغبار! هل عرفتم أين تكمن أزمتنا أو مصيبتنا؟! فلنبحث عن هجرة منها أو نهاية لها حتى لو كان الثمن باهظا! والبديل أن نعيش جميعا فى جزيرة «منصور الحفنى» إلى الأبد!