بعد أن تم وصف ما حدث يوم الثلاثاء الماضى بأنه «اكتساح للجمهوريين» و«معاقبة للرئيس الأمريكى» أوباما وحزبه الديمقراطى، بدأ خبراء ومحللو السياسة الأمريكية محاولاتهم المستميتة والمتواصلة من أجل تحديد تبعات هذا المد الجمهورى وملامح «انكماش» أو «انكسار» أوباما، والأهم بالطبع محاولة التنبؤ أو الاستقراء للمرحلة المقبلة من المشهد السياسى وانعكاسات ما حدث فى الانتخابات الأخيرة على أداء الرئيس من جهة وعمل الكونجرس من جهة أخرى، ومن المقرر أن يلتقى أوباما اليوم الجمعة، قيادات الكونجرس الجديدة، وذلك للتشاور وتبادل الآراء. الرئيس أوباما فى مؤتمره الصحفى الأول بعد «صدمة الثلاثاء الماضى» التى وصفت أيضا بأنها كانت «استفتاءً على أداء الرئيس وشعبيته» حاول التقليل من عواقب المواجهات المنتظرة فى المرحلة المقبلة، وحرص على القول بأنه «سمع ما قاله الناخبون الذين أدلوا بأصواتهم.. وأيضًا سمع ما قاله الناخبون الذين لم يشاركوا فى التصويت». وذكر أكثر من مرة أن ثلثى الناخبين لم يصوتوا بالانتخابات، وكان هدفه بالطبع تذكير الصحفيين بأن ما تم وحدث لا يعتبر تفويضًا للجمهوريين للإمساك الكامل بزمام الأمور. أوباما شدد فى رده على أسئلة الصحفيين على أنه سيقوم بأداء مهامه الرئاسية، وتعهد أيضا بأنه سيتعاون مع الكونجرس وقياداته الجمهورية. وفى لحظةٍ ما أشار إلى أن مهمة القيام بالتحليلات والتوقعات يتركها للخبراء والمحللين! إلا أنه مهما اختلفت التسميات ومهما تباينت التحليلات حول ما حدث فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس فإن مما لا شك فيه أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما عليه أن يواجه مشهدًا سياسيا أكثر حدة وأكثر استقطابا فى المرحلة المقبلة. وأنه ما زال هو الرئيس ولديه الصلاحيات والسلطات الكاملة خلال السنتين القادمتين. وإن كان عليه أن يجد قنوات اتصال وتواصل مع قيادات الكونجرس من أجل إدارة شؤون البلاد بشكل أفضل. وما اتضح فى الساعات التالية ل«اكتساح» الجمهوريين أن الأولويات لدى القيادات الجمهورية تختلف، وأن هذا الاختلاف قد تزداد حدته فى الفترة المقبلة، خصوصًا أن «استهداف» أوباما و«عرقلة تحركاته» قد كانا ربما هدفًا انتخابيا فى الفترة الماضية إلا أنه لا يمكن قبوله ل«خطة عمل» فى المرحلة القادمة. والكل بالطبع يراقب لكى يرى كيف ستجرى اللعبة السياسية بين الشد والجذب، وبين رغبة الجمهوريين وقدرتهم على فرض إرادتهم وأجندتهم وأولوياتهم فى المشهد السياسى. وبالمناسبة هذه الأغلبية الجمهورية فى مجلسى الكونجرس ستبدأ مهامها وتلعب أدوارها التشريعية والسياسية بدءًا من شهر يناير 2015. وحسب التقديرات الأولية لتبعات تحقيق الأغلبية الجمهورية فى مجلس الشيوخ فإن السيناتور ميتش ماككونل (من ولاية كنتاكى) سيكون زعيم الأغلبية فى المجلس. كما أن السيناتور جون ماكين الشهير سيكون رئيس لجنة القوات المسلحة بالمجلس ذاته. وبالتالى فإن ما لهما من خبرات سابقة مع أوباما و«جفوة أيضًا» معه ستنعكس على تعاملات مجلس الشيوخ مع البيت الأبيض، خصوصًا مع ماكين فى ما يتعلق بسوريا والعراق وروسيا وإيران ومواجهة «داعش» وكل الملفات الدولية. وأبرز هذه الملفات فى الوقت الحالى: إيران والتودد أو التقارب الأمريكى لطهران. ومن المنتظر أن يشتد الحديث عن هذا الأمر فى الأيام المقبلة، خصوصًا أن القيادات الجمهورية تحديدًا كانت وما زالت لها مواقف متشددة تجاه هذا التقارب المرفوض.. وتتبنى غالبًا التفسير والتحذير الإسرائيلى من عواقب هذا التلهف على التقارب مع طهران دون الحصول على تنازلات منها. ومهما قيل من جانب القيادات الجمهورية بأن «الشعب قال كلمته» وأن «أوباما لا يستجيب لمتطلباته» فإن الخلاف أو الاختلاف فى ما بينهم سيتضح أكثر فأكثر فى الأيام المقبلة، خصوصا أن هناك ثلاثة من سيناتورات مجلس الشيوخ لديهم «طموحات» و«تطلعات» رئاسية، وبالتالى سوف يتصارعون ليس فقط فى انتقاد أوباما وبيان سوء إدارته للبلاد، بل سيتبارون فى إظهار مواقفهم وآرائهم المحافظة من أجل كسب أصوات داخل صفوف حزبهم. وهؤلاء الثلاثة هم: راند بول وتيد كروز وماركو روبيو. ولذلك فلم يكن غريبًا أن نسمع فى اليوم التالى لإجراء الانتخابات الأخيرة أن المرشحة الديمقراطية المحتملة هيلارى كلينتون أيضًا تراقب ما يحدث باهتمام وعن كثب ترقبًا وتأملًا وتفكيرًا فى ما يجب أن تفعله أو تريد أن تفعله فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى نوفمبر 2016. وفى سياق متصل يواصل الخبراء والمحللون السياسيون قراءتهم للمشهد الأمريكى بشكل عام مهما كانت نتيجة الانتخابات الأخيرة. فالغالبية العظمى بنسبة تتراوح ما بين 60 و70 فى المئة ممن لهم حق التصويت امتنعوا عن ممارسة حقهم. وأن الشباب تحديدًا ليس متحمسًا للمشاركة. وإذا كانت شعبية أوباما لم تزد على 44 فى المئة فإن شعبية الكونجرس تكاد تصل إلى 14 فى المئة. وأن الأموال الضخمة من أصحاب المصلحة لعبت دورًا وتلعب دورًا خطيرًا فى الحياة السياسية، ففاتورة الانتخابات الأخيرة وصلت إلى 4 مليارات دولار. وحملة ميتش ماككونل وحدها فى ولاية كنتاكى (الصغيرة والفقيرة نسبيا ومقارنة بولايات أخرى) بلغت تكاليفها 55 مليون دولار. وبالمناسبة ثلثا هذه المبالغ الانتخابية يتم صرفها على الدعاية السياسية والإعلانات التليفزيونية. فى كل الأحوال فإن واشنطن هذه الأيام تشهد وسوف تشهد المزيد من المواجهات الظاهرة والخفية وأيضًا صراعات القوى والتشاورات والاتصالات والصفقات طالما أن مرحلة جديدة بدأت أو يجب أن تبدأ أخذًا فى الاعتبار المتغيرات التى حدثت أو التى ستحدث فى الأيام والأسابيع القادمة.