ما أحلى الرجوع إليه.. إلى ميدان التحرير أكتب هذه الكلمة وأنا فى طريقى إلى هناك.. كنت فى مساء 25 يناير من العام الماضى داخل الميدان وشاهدت ميلاد الثورة، ويوم 26 يناير كتبت على موقع «الدستور الأصلى» هذا المقال الذى أعيد نشره. «قبل يومين فقط كنت أعرض فيلم إضراب الشحاتين فى بيت العود التابع لوزارة الثقافة.. الصدفة كانت وراء اختيارى هذا الفيلم عندما طلب منى الموسيقار وعازف العود نصير شمة أن أختار فيلما يفتتح به قسما جديدا فى البيت تم إنشاؤه من أجل تنمية الثقافة المرئية لدى تلاميذه. قفز إلى ذهنى هذا الفيلم الذى أخرجه حسن الإمام قبل نحو 44 عاما. واكتشفت أننا نعرض فيلما تحريضيا وذلك قبل ساعات قليلة من اندلاع المظاهرات فى كل ربوع مصر.. الفيلم تعود أحداثه إلى ثورة 19، ونقطة الانطلاق هى انتفاضة الشحاتين من أجل المطالبة بالخبز والحرية.. اكتشف الشحاتون بعد أن كانت قضيتهم هى رغيف العيش أن الحرية هى التى تضمن لهم رغيف العيش المغموس بالكرامة الوطنية! الفيلم كان يُعرَض مساء الإثنين الماضى، وبعد أقل من 20 ساعة كانت مصر تطالب بالخبز والحرية.. فى الصباح استيقظت مصر.. الدولة لا تدرك حجم الغضب الكامن فى الصدور. لم يتوقع النظام أن هؤلاء المتظاهرين تجاوزوا مرحلة الخوف وأن الاستكانة والرضا بالمقسوم لم يعد يتقبلها الناس.. هناك بالفعل إرادة يعلو نبضها تطالب بالتغيير.. أغلبنا شارك فى الماضى ولو بالصمت فى تلك الحالة.. البعض عاش وهو يعلم أن أقصى طموحه للحيلولة دون الانصياع لسيناريو التوريث هو أن يدعو بطول العمر وطول البقاء على الكرسى للرئيس مبارك لكى يحول هو لا أى إنسان آخر دون وصول ابنه إلى سُدّة الحكم فى البلاد.. هكذا صغرت الطموحات، ومع الأسف لعب القسط الوافر من الفنانين والمثقفين أسوأ الأدوار وهو التمهيد للتوريث بتلك المقولة التى صارت شعار المرحلة وهى (لا للتوريث نعم لجمال).. كيف يستقيم الأمر؟ بسيطة، من حقه كمواطن مصرى له كل الحقوق وعليه كل الواجبات أن يرشح نفسه فى الانتخابات ومن حق المواطن على الجانب الآخر بكامل إرادته أن ينتخبه أو لا ينتخبه.. تقول كيف سيحدث ذلك ووالده فى الحكم.. الكل يعلم أن هذا هو المستحيل بعينه وأن كل ما نراه يتم إعداده لصالح الدائرة الصغيرة من رجال الأعمال الذين ارتبطوا بالسلطة وصارت كل مصالحهم لديها.. هم لا يدافعون عن شرعية جمال مبارك بل لا يعنيهم سوى مكاسبهم التى لن تتحقق لو غاب الرئيس ولم يعتلِ جمال الكرسى.. من حقهم بالطبع الترويج لهذا السيناريو، ولكن ما مصلحة المثقف المصرى فى هذا العبث؟ تكتشف أن الجميع يعلمون أن هذا هو المطلوب منهم وعليهم الترويج لهذا السيناريو الخائب وأن الرهان على أى حل آخر بعيدا عن الرئيس أو ابن الرئيس ليس مطروحا بل وغير مسموح به، وأن هذا المثقف تم تدجينه داخل الحظيرة! نعم سمحت الدولة فى البداية بالتظاهر يوم الثلاثاء، إلا أنها أحاطته بكردون أمنى.. لم تكن تدرك أن الغضب أكبر مما تصورت الأجهزة ولهذا فتحت النيران على مصراعيها بعد أن أيقنت أن دائرة الغضب وصلت إلى الرئيس تطالب بتغيير جذرى.. لم يعد الأمر كما تروج القنوات التليفزيونية يتعلق بتغيير وزير الداخلية أو رئيس الوزراء ولكن تغيير النظام.. من يريدون بقاء الحال على ما هو عليه يؤكدون أن تغيير النظام من داخل النظام هو الحل ولكنهم يغضون الطرف عامدين متعمدين عن أن الخطأ بل الخطيئة هى فى بقاء النظام، وأن التضحية بأحمد نظيف ليست هى الحل بل هى الورقة التى تحتفظ بها الدولة لإفراغ شحنة الغضب بعيدا عنها.. شيل ألدو وحط شاهين.. الناس حقيقة لا تريد لا ألدو ولا شاهين! مصر استيقظت.. لكن النظام لم يستيقظ بعد.. ربما يعتقد أننا فى فيلم على طريقة حسن الإمام فى رائعته إضراب الشحاتين.. قد يعتقدون أن ما يجرى فى مصر ينتظر نهاية سينمائية وبعدها يُعرض فيلم آخر.. ولم يدركوا أن (الدرس انتهى لِمّوا الكراريس». انتهى المقال.. وأقول للمجلس العسكرى أيضا «الدرس انتهى لِمّوا الكراريس»!