المفاجآت تتوالى، وقانون «الضرورات تبيح المحظورات» أخذ يفرض نفسه، وما كان محتملا أو مشكوكا فى جديته وواقعيته أضحى حقيقة واقعة بين معظم أطراف الإقليم وأطراف أخرى دولية مهمة وجدت نفسها مضطرة إلى «السباحة فى الممنوع» مما دام أن هناك دافعا يستوجب، وربما يستحق المغامرة. إيران والسعودية تأتيان على رأس القائمة بموازاة تحرك أمريكى يحرص على أن يبقى خفيا وهو يقترب بحرص من كل من إيرانوسوريا، لكن التحرك الأوروبى خصوصا البريطانى والفرنسى والألمانى يسابق الجميع، درءا للمخاطر المؤكدة من صعود نجم تنظيم «الدولة الإسلامية» فى العراق والشام (داعش)، بعد أن بات يسيطر على نحو ثلث الأراضى السورية والعراقية. لسان حال الجميع، على ما يبدو، يقول: «إذا جففنا البحيرة إلى أين سيذهب التمساح؟»، والأمل والمسؤولية تحركان الجميع أيضا لوأد الفتنة فى حدودها درءا لمخاطر انتشار الوباء التكفيرى الإرهابى. على هذا المسار تحركت فاعليات اجتماعات الدورة 132 لمجلس وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى فى مدينة جدة السعودية يوم السبت الماضى، وجرى تجميد الخلافات بين كل من السعودية والإمارات والبحرين مع دولة قطر على أساس من الاتفاق على الالتزامات المطلوبة من كل الدول الأعضاء لتحقيق التنسيق السياسى المشترك، ضمن إدراك بأن الأمر يحتاج إلى فترة زمنية لتنفيذ الالتزامات، وبقى أمر عودة سفراء الدول الثلاث إلى الدوحة معلقا أو مؤجلا. والسبب فى عدم حسم الخلاف مع قطر يرجع إلى التوافق بين الدول الست أعضاء المجلس على إدراك أن الخطر الأكبر فى الخليج أصبح الجماعات والمنظمات الإرهابية، و«لم يعد عنوان الإخوان المسلمين هو العنوان الأكبر»، حيث تراجع خطر وأولوية الدعم القطرى للإخوان أمام أهمية دخول قطر كطرف مشارك فى الحرب على الإرهاب مع الدول الأخرى. هذا التطور لم يأت من فراغ، بل سبقته تحركات ونشاطات لا تقل أهمية. فيوم الأربعاء الماضى (27 أغسطس الفائت) هبط وفد سعودى رفيع المستوى فى قطر فى زيارة وصفها البعض بأنها «الفرصة الأخيرة» التى تمنحها السعودية لقطر كى «تغرد من داخل السرب لا خارجه»، وأن تعمل ضمن مجموعة دول المجلس فى تحركها لمحاصرة الخطر الإرهابى الذى تمثله «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» (داعش) هذا الوفد ضم الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، ووزير الداخلية محمد بن نايف، إضافة إلى رئيس مخابرات السعودية. وقد انعكست نجاحات هذه الزيارة إيجابيا على أجواء اجتماع وزراء الخارجية فى جدة بعد يومين. مفاجأة زيارة الوفد السعودى للدوحة وخروج وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى بقرار يعلن الحرب على «داعش» وأخواتها ويؤجل الخلافات مع قطر، لم ينافسها غير التواصل الإيرانى- السعودى، والتفاهمات الإيرانية- الأمريكية فى العراقوسوريا. فبعد تردد إيرانى فى التجاوب مع الدعوة التى وجهها وزير الخارجية السعودى إلى نظيره الإيرانى محمد جواد ظريف فى مايو الماضى لزيارة السعودية، نشطت إيران لتدفع السعودية دفعا لتجديد رغبة التواصل المشترك، بزيارة قام بها نائب وزير الخارجية الإيرانى للشؤون العربية أمير حسين عبد اللهيان التقى خلالها مع وزير خارجية السعودية سعود الفيصل. وكان تعليق حميد رضا دهقانى، سفير إيران الدائم لدى منظمة التعاون الإسلامى (فى جدة)، على هذه الزيارة أنها «تجاوزت ما كنا نتوقعه، والمهم أننا نسير فى الطريق الصحيح». كانت توقعات دهقانى صحيحة، فقد بادر محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران بإعلان استعداده لزيارة السعودية، وقال فى مؤتمر صحفى مع نظيره الفنلندى يوم الجمعة الماضى، إن إيران ترغب دوما فى إقامة علاقات حسنة مع دول الجوار، وأن السعودية «من أهم دول الجوار، وبلد مهم على صعيد العالم الإسلامى، ويحظى بدور ونفوذ واسعين»، مشيرا إلى أن زيارة نائبه أمير عبد اللهيان للسعودية ولقاءه الأمير سعود الفيصل شهدت مباحثات إيجابية ونظرة مستقبلية «ونأمل أن تمهد هذه المباحثات الأرضية للتعاون الثنائى»، وموضحا أن «البلدين لديهما مصالح مشتركة ويواجهان أخطارا مشتركة، وأن التطرف والعنف والإرهاب من أهم الأخطار التى تواجه العالم الإسلامى والتى تهدد مصالح جميع دول المنطقة بما فيها إيران والسعودية، وعلينا أن نواجه هذه الأخطار كقوة واحدة». قبل أن تتواصل إيران مع السعودية على هذا النحو كانت قد تواصلت على أرض الواقع فى العراق مع الولاياتالمتحدة من أجل إزاحة نورى المالكى عن رئاسة الحكومة العراقية، أعقبته بتدخل فعلى فى الحرب ضد «داعش» إلى جانب الأكراد فى العراق، وهو تواصل أسعد الأمريكيين والأوروبيين بقدر ما أسعد السعوديين، وأسهم فى إذابة ركام الجليد بين طهران والرياض. الدور الإيرانى أخذ يتجاوز الحرب ضد «داعش» فى العراق، إلى العمل من أجل تطوير الحرب ضد «داعش» فى سوريا، فى مسعى يلقى دعما روسيا وأوروبيا، انطلاقا من قناعة مفادها أن الحرب على «داعش» فى العراق لن تكتمل إلا بالقضاء على وجود «داعش» فى سوريا. وهناك بالفعل معلومات مؤكدة تقول إن إيرانوروسيا أوصلا معلومات عسكرية مهمة وإحداثيات لمواقع «داعش» فى سوريا من الأمريكيين إلى النظام السورى نجح النظام فى توظيفها بشن ضربات قاتلة ضد قوات «داعش» فى الشمال السورى. «تواصل إيرانى- سعودى مقترن بتواصل إيرانى- أمريكى».. إلى أين يمكن أن يقود المنطقة؟ سؤال يجب أن لا تبقى مصر بعيدة عن الإجابة عنه، لكن الأهم أن لا تتأخر كثيرا فى أن تكون طرفا فى تفاعلاته، وأن لا تبقى تغرد خارج السرب، فى وقت يدرك الجميع أنها قاطرة النجاة.