واضح أن الأزمة الليبية ستطول، وأن الأوضاع هناك تمضى من سيئ إلى أسوأ. لا بد أن هناك خلية عمل على أعلى مستوى فى مصر لإدارة الأزمة، لكن علينا أن ندرك أن الوضع بالغ التعقيد، خصوصا مع وجود مليون عامل مصرى على الأقل يواجهون هناك أهوال الحرب والبلطجة وعصابات الإرهاب. إجلاء مليون مواطن فى ظروف طبيعية عملية بالغة الصعوبة، فما بالك إذا كانت هذه العملية تتم فى الظروف التى تعيشها ليبيا، حيث لا دولة ولا جيش ولا مؤسسات، بل الفوضى وحكم العصابات والقتل المجانى أو المدفوع. كل الإمكانيات ينبغى أن توضع من أجل إعادة هؤلاء إلى أرض الوطن مع رسالة واضحة إلى كل العصابات المتناحرة فى ليبيا، بأن سلامة المصريين خط أحمر، وأن إلحاق الأذى بهم لن يمر دون عقاب. مأساة المصريين العاملين فى ليبيا لن تنتهى بعودتهم. فهم سيعودون بعد أن فقدوا كل مدخراتهم، التى تحملوا العذاب وخطر القتل من أجلها. وسيعودون ليضاعفوا من أزمة مجتمع مأزوم أصلا يبحث عن فرص عمل للملايين من أبنائه فى ظل ظروف صعبة. ولعل ذلك كله يجعل بعض الضمائر تصحو من غفوتها، وتدرك أن التقاعس عن المساهمة فى تحريك الاقتصاد وفتح الاستثمارات لخلق فرص عمل هو جريمة سيدفع ثمنها الجميع. ويبقى الجانب الأهم فى أزمة ليبيا، وهو ما يتعلق بالأمن القومى لمصر، الذى يواجه أكبر التهديدات مما يجرى فى ليبيا، التى تتحول إلى دويلات وطوائف تتقاتل فى ما بينها، بينما جماعات الإرهاب توطد أقدامها وتمد نفوذها وتستعدّ لإعلان دولتها! الرئيس السيسى أكد أن مصر ستحمى حدودها، وستدافع عن أرضها، وطالب دول أوروبا وأمريكا بتحمل مسؤولياتها، فهى التى قامت من خلال قوات «الناتو» بتحويل انتفاضة شعب ليبيا إلى عملية لهدم الدولة هناك، ثم تركتها لعصابات الإرهاب، وهى تدرك تماما ما تفعله، لأنه نفس الشىء الذى تم فى العراقوسوريا، ويراد له أن يمتد إلى كل الدولة العربية. «الناتو» لن يتحرك، وأمريكا التى ابتلعت مهانة ذبح سفيرها فى بنغازى تتخبط فى سياساتها، والغريب أن البعض هناك كان يراهن على أن «توطين» الإرهاب فى البلاد العربية سيجعل أوروبا وأمريكا بعيدة عن الخطر. الآن يركزون جهودهم فى كيفية مواجهة القادم حين يعود «رعاياهم» من سورياوالعراق وغيرها من ميادين «القاعدة» و«داعش»، غير مدركين أن كل ما يفعلونه هو صفقة مع الشيطان، الذى سيجدونه حتما داخل بيوتهم، بعد أن تسببت سياساتهم فى دعمه، وبعد أن تركوه ينمو «بمساعدتهم ومساعدة أذنابهم فى المنطقة» فى جريمة لا يمكن أن تغفرها شعوب المنطقة لهم. المهم الآن أن تكون أمامنا كل السيناريوهات المطلوبة للتعامل مع الموقف، وأن نهيئ أنفسنا لكل الاحتمالات، وأن ندرك أننا بالفعل أمام معركة وجود. لا يمكن أن نصدق أن إشعال الموقف على الجبهة الشرقية ينفصل عن تحويل ليبيا إلى قاعدة للإرهاب ومصدر لتهديد مصر ودول المنطقة. ولا يمكن أن يكون هذا التمدد السريع لتنظيم «داعش» معجزة طارئة بل هو عمل مخطط له من قوى وأجهزة وليس فقط من زعماء عصابة كانت قبل شهور لا يزيد عدد أعضائها على بضعة آلاف! الآن تبدأ «داعش» الزحف على لبنان وتهدد الأردن ودول الخليج، ولا تستثنى بالطبع مصر من تهديداتها. التنسيق مع الدول العربية لمواجهة الخطر من الأوضاع فى ليبيا لا بد أن يسير بخطوات أسرع. والسؤال عن «التحالف العربى ضد الإرهاب» أصبح مطروحا بشدة. فصائل الإرهاب «من الإخوان إلى داعش» تعمل يدا واحدة. فلتتوحد القوى المقاومة لها قبل فوات الأوان.