أصبح الحديث عن إزاحة العسكر من السلطة مرة واحدة وإلى الأبد مستهلكا بشكل لا يقل عن أن مجلس الشعب الذى سيعقد أولى جلساته بعد يومين فقط غير شرعى. وبعيدا عن التكهنات، لا أحد ينتظر أى مفاجآت، حتى ولو أعلن العسكر انسحابهم وعودتهم إلى ديارهم. بل حتى وإن أعلن مجلس الشعب أن رئيس المجلس سيكون مينا دانيال أو خالد سعيد أو سيد بلال. الإخوان المسلمون يقودون الآن كل طوائف تيار الإسلام السياسى ومعهم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. وبالتالى فكل نقطة دم ستراق بداية من يوم 25 يناير ستكون فى رقبة الإخوان المسلمين والبلطجية وقوات الأمن التى ستعمل معهم بعد أن تم وضع الرتوش الأخيرة بينهم وبين العسكر على أكبر مشروع فاشى فى تاريخ مصر والمنطقة العربية بمباركة الولاياتالمتحدة. لا خروج آمنًا لأعضاء المجلس العسكرى وكل من ارتكب جرائم القتل والنهب والحرق فى حق مصر وشعبها. ولن يكون هناك أى خروج آمن للإخوان المسلمين وكل فصائل تيار الإسلام السياسى الأخرى بعد يوم 25 يناير 2012. هكذا هى الصورة الآن وقبل 4 أيام فقط من بداية اندلاع ثورة مصرية حقيقية لإبطال أحط المشاريع الفاشية فى تاريخ البلاد. لقد تم تقسيم مصر إلى طوائف دينية واجتماعية، والهويات الشخصية أكبر شاهد على ذلك. وإلى الآن لم يتحرك لا قيادات الأزهر الشريف ولا دار الإفتاء ولا القضاء المصرى الذى لا نشك فى نزاهته لإبطال التفرقة العنصرية فى صفوف الأمة المصرية. بل يصر الجميع على أن كل شىء على ما يرام، ما يؤكد أن تيارات الإسلام السياسى تمكنت خلال 30 عاما من اختراق كل مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسات السيادية. الأمر الذى يجعلنا نتحدث لا عن التعددية والديمقراطية والتنوع، بل عن تركيع الأمة المصرية وتدمير حضاراتها لصالح مشاريع أقلها إقامة ما يسمى بالخلافة وتشكيل قوس إسلامى فى شمال إفريقيا يضع المنطقة فوق برميل من البارود ويغدو مخلبا أمريكيا-أطلنطيا للقيام بالمهمات القذرة لصالح الولاياتالمتحدة وحلف الناتو. وستكون نهايته مثل أفغانستان وباكستان والعراق وليبيا. إن الترتيبات المعيبة بين العسكر والإخوان المسلمين لا يمكنها أن تكون قناة سياسية واضحة وملتزمة بأصول اللعبة السياسية. فهى التى عملت وتعمل على ضرب كل أهداف ثورة 25 يناير الأولى سياسيا وتشريعيا واجتماعيا، وهى التى بررت إراقة الدماء وتعطيل القضاء وإلغاء الدور التاريخى لمؤسسة الأزهر الشريف. إننا نتحدث عن الاختراق، وها هى تجلياته تظهر فى التصريحات والمواقف المتناقضة لقيادات مؤسسات أكد لنا التاريخ عراقتها ومتانتها. كل هذه الأمور لا تترك أمام الأمة المصرية أى مخرج آخر سوى الوقوف بصرامة أمام كل تلك التصرفات المنافية لا للأخلاق والشرف والكرامة فقط، بل وأيضا المجافية لكل أصول اللعبة السياسية. لقد جرت عدة أحداث فى يوم واحد أبقت على الأمل فى قلوب المصريين وأرواحهم. ففى الوقت الذى عرى فيه محمد البرادعى عورات الجميع، بمن فيهم كل المرشحين لمنصب الرئاسة وقادة الأحزاب العتيقة ورجال الدين والفن والثقافة، رفض الفنان إيمان البحر درويش تكليفات المجلس العسكرى بإحياء احتفالات المجلس والإخوان بما سموه ثورة 25 يناير. كما رفضت نقابة المهن الموسيقية المشاركة فى تلك المهزلة. هذا فى الوقت الذى يواصل فيه العمال فى مختلف مؤسسات مصر احتجاجاتهم الاجتماعية التى يطلق عليها النظام الفاشى الجديد ووسائل إعلامه «الاحتجاجات الفئوية». من الواضح أن النظام الفاشى الجديد فى مصر يتصرف بنفس القدر من الثقة والوقاحة الذى كان يتصرف به نظام مبارك الاستبدادى الذى تشكل من تحالف العسكر والأمن ورجال الأعمال والمافيا. لقد تم وضع العربة أمام الحصان منذ 25 يناير 2011. وبعد أن تم طبخ قواعد وأصول الجمهورية الفاشية الجديدة، ترغب نفس القوى فى إعادة الحصان أمام العربة، متصورة أنها ستمنح الأمة المصرية هدية طال انتظارها. لكن لا يصح، ولن يصح، إلا الصحيح. لا أحد ينتظر هدايا من مجلس الشعب أو العسكر. ولن يقتنع المصريون إلا بانسحاب العسكر ومحاكمتهم، وإبطال نتائج انتخابات مجلس الشعب الهزلية، وحل كل الأشكال غير الشرعية، وعلى رأسها المجلس الاستشارى، وتفويض النائب العام المصرى لاعتقال القيادات الأمنية والضباط والمجرمين ورؤساء العصابات الذين يوردون الأنفار بأموال رجال الأعمال لقتل المصريين والاعتداء على دمائهم وأرواحهم. ثم تشكيل مجلس رئاسى لقيادة البلاد لمدة 6 أشهر، ومجلس تأسيسى لوضع دستور جديد. لقد تحدثنا عن خطوة البرادعى وموقف إيمان البحر درويش ونقابة المهن الموسيقية والاحتجاجات الاجتماعية للعمال، ولا يمكن أن نتجاهل الجهود الجبارة والفاعلة لأطباء وفنانين ومثقفين وإعلاميين وصحفيين ونقابيين. كل ذلك على الخلفية الأساسية التى يشكلها أنبل من أنجبتهم مصر فى تاريخها، ألا وهم شباب الثورة وأهالى الشهداء والمصابين. إن كل تلك الجهود تمنحنا الأمل لمواجهة الضربات التى سيوجهها النظام الفاشى الجديد بشقيه العسكرى والدينى. تمنحنا الأمل بسلمية الثورة وحماية كل بيت ومؤسسة ومصنع. لكن الأمل الأكبر، وإمعانا فى سلمية الثورة، هو إعلان الإضراب العام فى حال اعتماد منطق العنف والتنكيل والاعتداء على الحرمات من جانب العسكر أو تيارات الإسلام السياسى أو الفلول والبلطجية أو كلهم مجتمعين. فالهدايا الملغومة والرشاوى لم تعد مقنعة للمصريين.