عدد من الزيارات المطمئنة بدأته جماعة الإخوان للمؤسسات الفنية والنقابات ولعدد من النجوم، وفى الطريق أكثر من نجم ينتظر تلك الزيارة.. الرسالة تقول شيئا واحدا: «اطمئنوا، لا خوف على الإبداع». الذى عجل ربما بالإيقاع المتسارع لحالة الشحتفة فى إظهار المشاعر الإيجابية تجاه الفن هو تصريحات السلفى عبد المنعم الشحات، رغم أنه لا هو، ولا جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يعبرون، حقيقة، عن توجهات الجماعة ولا حتى عن التيار السلفى، ولكنها مجرد شطحات وهؤلاء الشيوخ الذين تقدمهم الفضائيات بين الحين والآخر هم وجوه تضمن رواجا للبرنامج ولهذا يتم استضافتهم ولهذا تجدهم بين الحين والآخر يزيدون من سخونة اللعب بإطلاق البمب والشماريخ فى هيئة تصريحات وفتاوى.. من أعلن أن أدب نجيب محفوظ يستحق الرجْم والحرق من الممكن أن يخرج بفتوى أخرى تبيح له إخراج أم كلثوم من قبرها وتعذيبها، لأنها مارست الغناء.. دائما للمتطرف أسلحته التى يستطيع من خلالها أن يستحوذ على الاهتمام. أرجو أن لا ننسى رضاع الكبير وشرب بول الرسول وغيرها من الفتاوى التى استحوذت على قسط وافر من الاهتمام الإعلامى قبل الثورة.. هؤلاء الشيوخ يعيشون خارج الزمن، ورغم ذلك فإن أجهزة الإعلام تسعى إليهم لكى يقدموا «نمرة» من أجل لفت الانتباه وسرقة الكاميرا. مصيرهم مثل شعبان عبد الرحيم ورقة تلعب بها الفضائيات فترة حتى يعثروا على سلفى آخر، لديه فتاوى أنقح من الأول! الشيوخ الذين زاروا الفنانين أطلقوا عليها زيارات تطمينية، لا بأس بالطبع من الزيارة، خصوصا أن قسطا وافرا من الفنانين أعلنوها أكثر من مرة: لو أن الإخوان والسلفيين يريدون تطهير الفن من الخلاعة فنحن معهم، وهكذا أصبحوا «إيد واحدة». لقد تم تبسيط القضية على هذا النحو، والأمر ليس كذلك على الإطلاق. الرؤية الدينية تقع بين الحلال والحرام.. بينما الفن ليس به حلال وحرام ولكن جمال أو قبح. الحلال والحرام مطلقان فى التقييم، الجمال والقبح نخضعان لقانون النسبية التى تتغير من مجتمع إلى آخر، بل من إنسان إلى آخر. لو سألت واحدا من الشيوخ الذين نطلق عليهم مستنيرين فسوف تجده فى نظرته إلى الفن يسير على خطى الشيخ الشعراوى فى ضرب المثل بالوعاء عندما تضع فيه ماء يصبح حلالا، تضع فيه خمرا يصبح هو الحرام بعينه.. رجال الدين لديهم معاييرهم الدينية، بينما تقييم الفن يقع فى إطار علم «الاستاطيقا» وهو علم «الجمال» مثلما نقيس الزلازل بمقياس «ريختر» ودرجات الحرارة بالترمومتر فلا يجوز أن نُخضع الفن إلا لمقياس الإبداع.. لو أنك سألت رجل دين عن قصيدة أبى القاسم الشابى «إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر» سيلعنها من منظور دينى.. ألم يقل الشابى «فلا بد أن يستجيب القدر»؟ هذا فى مفهوم الدين مخالفة شرعية، فالقدر لا يغيره إنسان.. لا نطلب من رجل الدين أن يتعمق فى التفاصيل ويبحث عن المعنى الرمزى للتحدى فهو لا يمكنه إلا أن يطبق معاييره الدينية. إننا جميعا أسرى تخصصنا عندما يشاهد الصحفى عملا فنيا يتناول كواليس صاحبة الجلالة ويجد خطأ مهنيا يتحول هذا الخطأ إلى خطيئة.. الطبيب عندما يتابع فيلما بطله جراح سوف، تذهب عينه رغما عنه إلى تفاصيل عمله.. أتذكر عندما شاهد المشير أبو غزالة فيلم «البرىء» قبل ربع قرن اعترض فقط على أخطاء فى ملابس العسكريين، بينما أمن الدولة كان يريد حذف نصف ساعة! رجل الدين الذى يعترض على قصيدة الشابى يرفض أيضا أغنية عبد الحليم «على حزب وداد قلبى» لأنه يقول فيها «لا حاسلّم بالمكتوب ولا حارضى أبات مغلوب» ويعترض على شادية وهى تغنى «غاب القمر يا بن عمى يلاّ روّحنى» لأن ابن عمها ليس محرما لها ولا يجوز أن تخرج معه فى انصاص الليالى.. تطبيق القواعد الدينية على الأعمال الفنية يضع الدين والدنيا فى مواجهة وصراع حتمى نحن فى غنى عنه. الرسالة الوحيدة التى أنتظرها من التيارات الدينية هى أن يعلنوا أنهم لن يُخضعوا الفن للتقييم الدينى أو الأخلاقى، رغم أن الإبداع لا يتعارض مع تلك القيم فإنه لا يقيَّم من منظورها.. الزيارة وحدها لا تكفى!