أثبت المناضل الرائع حمدين صباحى صدق انتمائه إلى هذه الدولة، وإصراره على أن يبقى حارسا لأهداف ثورة، شارك فيها من أول لحظة بدوافع وطنية خالصة ميزت مسيرته ومشواره النضالى الطويل. امتلك صباحى القدرة على قراءة اللحظات المفصلية فى تاريخ هذا البلد، عاين المؤامرة على الثورة ومحاولات الالتفاف عليها، ظل يخط السير فى واد بين جبلين يرميان الحجارة عليه وعلى الشرفاء من شباب حملته، من قفزوا على محاولات التعويق من الطرفين، وسط اتهامات بخيانة الثورة ممن اعتبروا أن الثورة يجب أن تبقى فعلا احتجاجيا زاعقا، يملأ الميادين دون أن تتحرك خطوة واحدة إلى الأمام أو تدرك أن مسار الأحداث يتجاوزها لمحطات جديدة، وبين من هاجموه لأنه أصر على أن يطرح حلم الثورة ويمسك جمرتها التى لم تنطفئ بين أنامله ويحتضنها بصدره العارى، لم يرض صباحى الطرفين، من تعامل معه باعتباره «كومبارس» فى مسرحية الانتخابات، ولم يقبلوا بدعمه فى مواجهة خصمه الذى وصفوه بقائد الانقلاب، وكان هذا لسببين الأول كراهية متأصلة فى نفوسهم لقائد وطنى لم يقبل فى حبه لبلده شريكا سواء كان جماعة أو حزبا، والثانى لحرمانه من أن يكون القائد الشرعى لمعارضة وطنية شريفة تدرك أن السياسة هى فن الممكن، والحركة بين بدائل واقعية والاتصال بالواقع بديلا عن الانفصال عنه والتحليق فى أوهام الخيال تحت عنوان ثورى أو دينى مزعوم، أما الطرف الآخر فقد استكثر عليه أن ينهض لنزال السيسى الذى بدت المنافسة محسومة لصالحه منذ البداية لأسباب متعددة، لعل من بينها أنه يأتى من داخل أهم مؤسسات الدولة، وبالتالى بدا مطمئنا لمؤسسات تناصب العداء لأى رئيس يأتى من خارجها، خصوصا إذا امتلك برنامجا له انحيازات سياسية واضحة قد تهدد مكاسب تلك المؤسسات، بإصلاح لازم لا أعتقد أن السيسى حتى قادر على تجاهل ضروراته، فضلا عن رجال أعمال يملكون وسائل إعلام وأبواقا صحفية ظلت تنبح طوال الوقت، فى قصف الرجل وبرنامجه وحملته، لم يتوقف حتى إعلان مؤشرات النتائج التى أكدت فوز منافسه. أدرك حمدين منذ البداية أن المعركة محسومة لصالح منافسه لأسباب لا يجهلها، لكنه أراد أن يدخلها لكى يمارس بمؤيديه معركة حقيقية، تقنعهم بالأساس بجدوى المعارك الحقيقية بديلا عن المعارك الافتراضية فى الفضاء الافتراضى، الذى أدمن الكثيرون خوض معاركهم من خلاله، أراد أن يلعب على أرض الملعب بديلا عن البلاى إستيشن، أراد أن يجمع رقم المعارضة الحقيقية أمام الرئيس والنظام الجديد، فى دولة جديدة تكاد تخرج من ثنائية الإخوان والوطنى قادرة على بناء بدائل بعيدة عن تجاربهم البائسة واليائسة، أكد المصريون بنسبة مشاركة كادت تصل إلى النصف أنهم قادرون على بناء هذا النظام السياسى الجديد، خرج صباحى من المعركة بكتلة تقارب المليون صوت، قفزوا على كل محاولات التيئيس والغضب الذى أشعلته وسائل إعلام بائسة وفاشلة، بإصرار على أن يصنعوا تجربة معارضة لتيار بدا جارفا مؤيدا بعواطف شعبية جامحة، هى بنت الإنهاك والإساءة المستمرة للثورة ورموزها ومفرداتها، لكنهم أصروا ومعهم حمدين على أن يواصلوا النزال السياسى، بينما راهن آخرون على إدارة الظهر لكل ما يجرى فى إدمان المعارك الافتراضية، تعاملا مع واقع لن يغيره ال«فيسبوك» ولا «تويتر»، إنما معارك الشارع السياسى وبناء التنظيمات السياسية وخوض المعارك الانتخابية، وتعلم فن المعارضة قبل الابتلاء بمحنة الحكم، هذا ما أدركه صباحى فى أعقاب ولادة نظام جديد، يحييه فيه دعاة المستقبل بقولهم، صباح المعارضة الراشدة يا صباحى.