اختفت العصابة فى العنبر. زوار سجن طرة وجدوا طرقاته فارغة. وفد المجلس القومى لحقوق الإنسان، اكتشفوا أن تقسيمة الزنانزين حسب «تشكيلات» العصابة التى كانت حاكمة. علاء وجمال فى زنزانة، قيادات الأمن الأربعة فى أخرى، وزكريا عزمى والقيادات السياسية فى حجرة أخيرة. أسماء العصابة استقرت فى بطاقات على باب كل زنزانة.. لماذا اختفى نجوم نظام مبارك.. خلف الأبواب المغلقة؟ لماذا هربوا من المجتمع..؟ هل يدركون أنهم وحوش.. كانت هائجة.. وقتلت الروح الحى فى المجتمع وتشعر بالخجل؟ أم برغبة الانتقام؟ غالبا هم يشعرون أنهم ضحايا خطأ ما.. جعلهم يسقطون فى مصيدة.. لم يتغيروا، يعيشون بالصلف والعنجهية والجبروت المنسحب.. وهذه هى أدواتهم الأخيرة فى مواجهة المصير الغامض. اختفت وحوش عصابة مبارك وراء الأبواب، لم يُسمع لهم صوت ولم يكن أمامهم إلا التنصت على أصوات المجتمع. مشهد جديد يقول «إن الدنيا تغيرت.. وهى تغيرت فعلا.. لكن التغيير يتم فى ظل وسط مُعادٍ». مبارك لم يفسد العصابة أو من حولها.. مبارك أفسد الوسط.. أفسد المجال الذى نعيش فيه.. وورط المصريين جميعا فى منظومة فساد كبيرة. الثورة لم تكن على نظام مبارك.. كانت على الذات التى استسلمت لفيروس الفساد.. بعد أن انتزع مبارك وبخطة محكمة جهاز المناعة. مبارك لم يكن جنرالا قويا. ووحوشه المختبئة خلف أقفاصها فى طرة، وحوش تافهة لكنها اصطادت الشعب فى لحظة ضعف مدبرة. الغضب على نظام مبارك قديم وعميق، وكان محبطا لأنه غضب فى مواجهة نظام فاتر، يمتص معارضته، ويغرقها فى بحر رمال كبير، ويصنع ما يمكن تسميته الاستبداد المصرى، شراسته ناعمة أحيانا. تفك الخصوم قبل أن يصلوا إلى مرحلة الصدام، تعتمد على الأمن فى إلغاء المواجهة. وهكذا، تحوّلت الأحزاب إلى دكاكين باسم أصحابها، وحلّت سياسة الصفقات السرية محل الصراع السياسى الحقيقى، واحتكر العواجيز دكاكين المعارضة وحاصروا الشباب. رؤساء الأحزاب أصبحوا مندوبين للنظام يحافظون على درجة حرارة لا تزعجه وأصبح الشعار «لا صوت يعلو فوق الحفاظ على مقر الحزب»، الذى يعنى عدم الخروج على التعليمات والرضا بمجرد الوجود. هنا كانت مرحلة العزلة الإجبارية أو الاختيارية ومحاولة التمرد على الوضع الجامد المستقر، مثل أجواء دور المسنين. ومع تجميد المجتمع عند الدرجة المناسبة للسلطة، أصبحت المعارضة بيت ديناصورات قديما تلهو مع وحوش الحكومة فى استعراض سياسى ممل وخائب. المعارضة كانت عاجزة، تبحث عن مكان حول السلطة لتصرخ وتولول، تشكو وتستعطف، وتنتظر هوامش السلطة، والآن بعد سقوط مبارك هناك من يطلب من هذه المعارضة أن تبنى مصر جديدة. الثورة أشعلت شرارتها الأولى.. أجيال جديدة بطاقات متحررة أفلتت من الشيخوخة بطيران افتراضى عبر جمهورية «فيسبوك». خطت بعيدا عن النظام ومعارضته، وتقدمت على جمهورية مبارك بخطوات واسعة، وسبقتها بجسارة إلى فك شفرة الثورة. أشباح الرعب ما زالت تطارد الثوار وتشعرهم بأن الطريق إلى التغيير لن يكتمل، وكما كانت الشائعات تنذر ميدان التحرير خلال ال18 يوما بمذبحة لا بثورة، تنطلق شائعات ضرب المناعة والثقة. انتهت لحظة الميدان الصوفية.. وعندما عادت الحياة الطبيعية.. نشأت من جديد بكتيريا تربت على الرعب، والعجز... هل ستنجح البكتيريا؟ هل سيكون الجسم الحى الذى تكون فى الثورة يقظا ويدرك خطورة بكتيريا مبارك..؟ أم أن جهاز المناعة قصير العمر واكتفى ببالونات الاحتفال يوم 11 فبراير؟