"بدلا من أن تلعن الظلام..قوم ولع في نفسك".. يبدو أن المصريين رفعوا هذا الشعار منذ صباح الإثنين الذي قام فيه المواطن "عبده عبد المنعم" بإشعال النار في نفسه أمام مجلس الشعب وإلى ما شاء الله، ربما في محاولة لإشعال ثورة شعبية يخطون فيها نفس خطوات الثورة التونسية التي بدأت بإشعال نار في جسد وانتهت بإشعال النور في وطن. وبعد عبد عبد المنعم توالت حوادث المواطنين الذين "ولعوا في نفسهم" فكان لابد أن نسأل عن الدوافع النفسية لهؤلاء الأشخاص والتي دائما ما تصفهم بيانات وزارة الداخلية بأنهم "مختلون عقليا". من جانبه يري الدكتور ناصر لوزة_أمين عام الصحة النفسية بوزارة الصحة_وصف "مختل عقليا" الذي يتم إطلاقه على المنتحر أو مرتكب حادث عنف بأنه "قلة أدب" ونوع من "التخلف" مضيفا : لم يظهر هذا المصطلح إلا في التلفزيون وكذلك شهادة معاملة الأطفال التي قالوا في وسائل الإعلام أمس أن من أشعل النار في نفسه أمام مجلس الشعب يحمل هذه الشهادة والحقيقة أنه "مفيش حاجة اسمها شهادة معاملة أطفال أصلا" وحتى إذا كان لها وجود فمن غير المقبول أن يتم الإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام فنحن في حاجة لتوعية الناس بان المنتحر شخص يحتاج إلى مساندة وإحترام لشخصه ولظروفه لا التشهير به في وسائل الإعلام ونشر شهادات العلاج النفسي الخاصة به على صفحات الجرائد . وعن ظاهرة الإنتحار العلني الإحتجاجي _إذا جاز التعبير_ يقول: ظروف كل حالة تختلف عن الأخرى إلا أن هناك خيط ما يربط بينهم ولكن يمكن أن نفسر التكرار بأن السلوكيات الادمية بصفة عامة تتسم بالتقليد إلا أنه لا يمكن الجزم بذلك بشكل علمي. ويضيف لوزة: الإحصائيات الرسمية لمنظمة الصحة العالمية تقول أن عشر أشخاص بين 100 ألف ينتحرون سنويا بمعنى أنه سيكون لدينا في مصر 80 ألف مصري ينتحر كل عام أما من يحاولون الإنتحار ولا يموتون فعلى الأقل 10 أضعاف هذا الرقم إلا أننا نعاني في مصر من نقص الإحصاءات الرسمية بسبب عدم إبلاغ المواطنين عن حالات الإنتحار وذلك لأسباب مختلفة تتعلق بالتركيبة النفسية وسمات الشخصية وعوامل الوراثة والظروف المحيطة بالشخص. أما الدكتور مصطفى شاهين_سكرتير الجمعية المصرية للطب النفسي_ فيرى أن الدوافع النفسية لإقدام المواطن "عبده عبد المنعم" هو شعوره بالظلم والقهر والإحباط مع إهمال المسؤل له فشعر أنه يتعامل مع مجتمع ظالم لا يلبي إحتياجاته الإنسانية مضيفا: الرجل قوت يومه لا يتعدى 6 دولارات يوميا وهو كان يتمنى وصوله ل 7 دولارات وهو يطلب حد الكفاف إلا أنه اصطدم بمسؤل عامله بجمود القانون لا بروح القانون ولم يحترم ادميته فأشعل النار في نفسه أمام مجلس الشعب وكأنه يوجه رسالة إلى رئيس المجلس "اسمع صوتي". وعن دوافع الإنتحار يقول شاهين: المنتحر بصفة عامة غالبا ما يكون صاحب شخصية غير مستقرة ولا يتمتع بتوازن نفسي كاف ويكون أميل للإكتئاب ويتخذ قرار الإنتحار عندما يشعر أن المستقبل مظلم وبلا أمل ولا يوجد سبيل لحل مشاكله أو عندما يقل التواصل والمشاركة بينه وبين المجتمع ، ويكون الإنتحار أيضا أحيانا محاولة للقتل ولكن بدلا من أن يوجهها للاخرين يوجهها لنفسه فيمكن القول بأن القتل والإنتحار وجهان لعملة واحدة. وعما إذا كانت ظاهرة الانتحار العلني احتجاجا على وضع ما تعد نوعا من التقليد للنموذج التونسي يقول: تونس دولة علمانية وغير دينية أما مصر فدولة دينية وبالتالي فالانتحار أمر مرفوض ولا يمكن ان يقبل المجتمع أن يكون "الكفر" وسيلة للإحتجاج. الدستور الاصلى