البورصة المصرية تخسر 4.8 مليار جنيه بختام تعاملات الاثنين 22 ديسمبر 2025    تعرف على سجل منتخب مصر في ضربة البداية بكأس الأمم الإفريقية    ضبط سائق سيارة نقل لسيره برعونة والتسبب فى حادث مرورى بالقليوبية    رئيس الوزراء يوجه بتوفير موارد إصافية لمنظومة التأمين الصحي الشامل    مصر وكوريا الجنوبية تبحثان إجراءات توقيع إتفاقية الشراكة الاقتصادية    خبير: إسرائيل توظف الملف الإيراني كورقة تفاوض وليس تمهيدا لضربة قريبة    مصر تواصل تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة إلى قطاع غزة    نائب محافظ القدس: التوسع الاستيطاني الإسرائيلي يستهدف تهجير العائلات    جامعة قناة السويس تكرّم قياداتها الإدارية بمناسبة التجديد    رئيس حزب الوفد يوافق على تقرير تعديل قانون نقابة المهن الرياضية    محافظ سوهاج يعلن إتاحة التصديق القنصلي على المستندات بمكاتب البريد    غرف دردشة الألعاب الإلكترونية.. بين التفاعل الرقمي وحماية الأطفال    الأزهر يشارك في احتفالية اليوم العالمي للغة العربية بجناح وورش للخط العربي    الأزهر يشارك في احتفالية اليوم العالمي للغة العربية بجناح وورش للخط العربي وجولة لطلابه بمتحف الحضارة    كنز بطلمي يخرج من باطن الأرض محافظ بني سويف يتفقد أسرار معبد بطليموس الثاني بجبل النور بعد أكثر من عقد على اكتشافه    الزراعة" تعلن خطة شاملة لتنمية التجمعات البدوية بالوديان.. توزيع 100 طن تقاوي شعير و33 ألف شتلة زيتون "بالمجان" لدعم مزارعي سيدي براني والسلوم بمرسى مطروح    عاجل- المركز الإعلامي لمجلس الوزراء ينفي نقص أدوية البرد والأمراض المزمنة ويؤكد انتظام توافرها بالأسواق    اتحاد المهن الطبية: 30 ديسمبر آخر موعد للاشتراك في مشروع العلاج    وزير الاتصالات: ارتفاع الصادرات الرقمية إلى 7.4 مليار دولار خلال 7 أعوام    مدرسة حسن عبد العزيز بمعصرة صاوي بالفيوم تقف دقيقة حدادا على روح تلميذين ضحايا حادث الإقليمي    نائب محافظ الفيوم ومساعد وزير البيئة يفتتحان المركز البيئي المجتمعي بقرية شكشوك    نقابة الفلاحين: انخفاض أسعار اللحوم والدواجن خلال شهر رمضان    اقتربت من نهايتها .. مفاوضات الأهلي مع يوسف بلعمري مستمرة وهناك اتفاق على الخطوط العريضة مع إدارة الرجاء    وكيل الأزهر يحذِّر من الفراغ التربوي: إذا لم يُملأ بالقيم ملأته الأفكار المنحرفة    بعد قليل.. أمين «البحوث الإسلامية» يشهد مراسم صلح في خصومة ثأريَّة بالأقصر    ننشر مواعيد امتحانات الفصل الدراسى الأول بمحافظة القاهرة    البيت الأبيض يكشف عن الأموال التي حصلتها أمريكا من الرسوم الجمركية    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظتي الجيزة القاهرة    أمين سر طاقة الشيوخ: لا تهاون مع سرقة التيار الكهربائي    الهلال يخشى صحوة الشارقة في دوري أبطال آسيا النخبة    موعد مباراة بيراميدز ومسار في كأس مصر.. والقنوات الناقلة    الحضري: مجموعة مصر صعبة.. والشناوي الأنسب لحراسة مرمى المنتخب    وزير الثقافة ورئيس صندوق التنمية الحضرية يوقّعان بروتوكول تعاون لتنظيم فعاليات ثقافية وفنية بحديقة «تلال الفسطاط»    شعبة الملابس الجاهزة تكشف ارتفاع الصادرات بأكثر من 21% منذ بداية 2025    روائح رمضان تقترب    وزير قطاع الأعمال: نحرص على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي    جيفرى إبستين.. العدل الأمريكية تدافع عن النشر الجزئى وعودة صورة ترامب المحذوفة    مجلس قصر العينى يناقش سياسات تحديد ضوابط حجز الحالات ونطاق تقديم الخدمات    مستشار رئيس وزراء العراق: تقدم ملحوظ فى ملف حصر السلاح بيد الدولة    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 22ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    جريمة 7 الصبح.. قاتل صديقه بالإسكندرية: نفذت صباحا حتى لا يشعر أحد بالواقعة    مصر تواصل جهودها المكثفة لاستجلاء موقف المواطنين المصريين المفقودين في ليبيا    حصاد 2025 جامعة العاصمة.. 7 آلاف طالب وافد و60 منحة دراسية جديدة    تفاصيل المشروعات المزمع افتتاحها بالتزامن مع احتفالات العيد القومي لبورسعيد    نائب وزير الصحة يترأس الاجتماع الأول للجنة تطوير منظومة طب الأسنان    شديد البرودة.. «الأرصاد» تكشف تفاصيل طقس اليوم    بعد ارتفاعها 116%.. رئيس شعبة المعادن الثمينة يحذر من انكسار سريع لأسعار الفضة وينصح بالذهب    نيجيريا: تحرير 130 تلميذا وموظفا خطفهم مسلحون من مدرسة الشهر الماضي    ويتكوف: روسيا لا تزال ملتزمة تماما بتحقيق السلام فى أوكرانيا    بحضور أبطاله.. انطلاق العرض الخاص لفيلم «خريطة رأس السنة» في أجواء احتفالية    «المهن التمثيلية» تكشف تطورات الحالة الصحية للفنان إدوارد    لجنة تحكيم أيام قرطاج السينمائية توضح سبب غيابها عن حفل توزيع الجوائز    أستاذ بالأزهر يوضح فضائل شهر رجب ومكانته في ميزان الشرع    خالد الغندور: توروب رفض التعاقد مع محمد عبد المنعم    أمم إفريقيا – محمد الشناوي: هدفنا إسعاد 120 مليون مصري بكأس البطولة    تامر النحاس: سعر حامد حمدان لن يقل عن 50 مليونا وصعب ديانج يروح بيراميدز    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصير إبراهيم عيسى

فى الثمانينيات، تقدمت للحصول على بعثة دراسية للولايات المتحدة، وكان من ضمن الشروط اجتياز امتحان اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية (المعروف بالتويفل).. أديت الامتحان فى قاعة ايوارت بالجامعة الأمريكية
، التى اكتظت عن آخرها بأطباء ومهندسين شبان تقدموا مثلى لأداء الامتحان من أجل الفوز بالبعثة.. فى ذلك اليوم، سألت كل من قابلتهم فى القاعة إذا كانوا يريدون البقاء فى الولايات المتحدة لو أتيحت لهم الفرصة، كانت الإجابة نعم مؤكدة بل قال كثيرون إنهم يريدون الخروج من مصر إلى أى بلد.
فكرت آنذاك كيف أن خسارة مصر فادحة فى أبنائها. أن هؤلاء الأطباء والمهندسين تحتاج مصر إليهم بشدة لكنهم بمجرد أن يتموا تعليمهم يهاجرون منها إلى بلاد أخرى. قادنى ذلك إلى سؤال آخر: لماذا يرغب هؤلاء الشبان فى الفرار من مصر..؟ الفقر ليس السبب لأنهم يستطيعون بقليل من الصبر والجهد أن يعملوا فى مصر بأجور معقولة، كما أنهم فى الغرب كثيرا ما يضطرون إلى العمل فى مهن بسيطة لا تتفق مع الشهادات التى يحملونها.
إن السبب الأصلى فى هجرة هؤلاء هو الإحباط. فقدان الإحساس بالعدالة لأن الأوضاع فى مصر مقلوبة: الأسباب فى مصر غالبا لا تؤدى إلى النتائج. الاجتهاد ليس أبدا شرطا للتقدم والكفاءة ليست أبدا معيارا للحصول على وظيفة جيدة. بل إن صناعة الثروة لا علاقة لها غالبا بالنبوغ والاجتهاد. كل ما تحصل عليه فى البلاد الديمقراطية باجتهادك وأحقيتك تستطيع أن تحصل عليه فى مصر بعلاقاتك وشطارتك، وكل ما يؤهلك هناك للترقى لا يكفى فى مصر إطلاقا لكى يدفعك للأمام.
بل على العكس، إذا كنت موهوبا فى مصر فأنت فى مشكلة كبرى، وسيكون وضعك أفضل لو كنت عاديا أو حتى خائبا وبليدا أولا لأن النظام مصمم أصلا للعاديين فهو يضيق بالنوابغ وثانيا لأن مستقبلك أولا، وأخيرا يتوقف على علاقاتك وليس استحقاقك.. أن الموهبة فى مصر تشكل عبئا على صاحبها وتثير عليه الضغائن والأحقاد وتجعل الكثيرين يتطوعون لتدميره.
إذا كنت موهوبا فى مصر فعليك أن تختار بين ثلاثة طرق: إما أن تهاجر إلى بلاد ديمقراطية تحترم المواهب وتقدر الكفاءة فتعمل بجد وتتقدم كل يوم حتى تصبح مثل أحمد زويل ومحمد البرادعى ومجدى يعقوب وأمثالهم، وأما أن تسلم موهبتك لنظام الاستبداد وتقبل أن تكون خادما له وأداة للقمع والظلم والتدليس على المصريين.
وإما أن تقرر الاحتفاظ بشرفك عندئذ سينتظرك مصير إبراهيم عيسى. إبراهيم عيسى واحد من أكثر الصحفيين المصريين موهبة وإخلاصا وشجاعة. استطاع بموهبته الساطعة، بدون إمكانات تقريبا، أن يصنع جريدة الدستور لتكون علامة فارقة فى الصحافة المصرية والعربية، وهو شأن الأساتذة الكبار لم يكتف بإنجازه المهنى وإنما رأى من واجبه أن يرعى المواهب الشابة فقدم فى الدستور عشرات الأسماء، كلهم جاءوا إليه صغارا فأحبهم وشجعهم وعلمهم الطيران حتى حلقوا عاليا فى سماء الصحافة المصرية. لو أن إبراهيم عيسى ظهر فى بلد ديمقراطى لكان الآن يعيش ملكا متوجا تقديرا لنبوغه وعمله. لكنه للأسف فى مصر، حيث لا يحتمل نظام الاستبداد أبدا أن تكون موهوبا وشريفا فى نفس الوقت..
لم يكن إبراهيم عيسى معارضا للحكومة، وإنما كان معارضا للنظام. لم يكن يشن الحملات ضد المسئولين عن الصرف الصحى والتليفونات وإنما كان يوجه نقده إلى رأس النظام شخصيا.. كان يطالب بتغيير ديمقراطى حقيقى. بانتخابات نظيفة وتداول السلطة، وكان يقف بصلابة ضد توريث الحكم من الأب إلى الابن، وكأن مصر صارت مزرعة دواجن. نجح إبراهيم عيسى فى أن يجعل من الدستور مدرسة صحفية كبرى وبيتا كبيرا يتسع للوطنيين جميعا.
كل مصرى لحق به ظلم كان يجد الدستور إلى جانبه، وكل كاتب يمنع له مقال فى أى جريدة يستطيع فورا أن ينشره فى الدستور. كانت الدستور جريدة المصريين جميعا، تدافع عن الحق بلا خوف ولا حسابات. وقد حاول النظام إسكات عيسى بكل وسيلة.
جربوا معه كل الطرق.. أنهكوه بمحاكمات عبثية وقضايا تافهة وروعوه وهددوه بالحبس لأنه جرؤ على السؤال عن صحة الرئيس مبارك ثم قرروا العفو عنه فى اللحظة الأخيرة. حاولوا شراءه عن طريق تكليفه بتقديم برامج تدر عليه دخلا، وكان ظنهم أنه سيعمل حسابا لأكل عيشه فيصمت لكن الأيام أثبتت أن ضميره غير قابل للشراء.
ظل إبراهيم عيسى قابضا على جمر الحق، يقول دائما ما يعتقده ويفعل دائما ما يقوله. ومع ازدياد الضغوط الشعبية والدولية المطالبة بالتغيير الديمقراطى فى مصر ارتبك نظام الحكم وتوتر. أصبح إبراهيم عيسى أكبر من طاقة النظام على الاحتمال. هنا تم اعتماد خطة محكمة لتدمير إبراهيم عيسى سرعان ما تتابعت حلقاتها الواحدة تلو الأخرى، ظهر فى الأفق رجل اسمه السيد البدوى لا نعلم عنه شيئا إلا أنه ثرى وصاحب قنوات الحياة التليفزيونية مما يدل على أنه يتمتع برضا كبار المسئولين فى النظام..
بدأ البدوى ينفق أموالا طائلة حتى فاز بزعامة حزب الوفد ثم أنفق أموالا أخرى حتى دفع حزب الوفد إلى الاشتراك ككومبارس بائس فى مسرحية الانتخابات المزورة المقبلة، كان هذا أول هدف حققه البدوى للنظام ثم جاء الهدف الثانى.. فجأة، رأينا السيد البدوى يشترى جريدة الدستور ويؤكد منذ اللحظة الأولى أن خطها السياسى لن يتغير أبدا وأن مبدأه دائما فصل الإدارة عن التحرير.
ثم ظهر مع البدوى مالك آخر اسمه رضا إدوارد، وهو شخص لا علاقة له بالصحافة من قريب أو بعيد. أدى الشريكان مهمتهما بحرفية عالية، فالسيد إدوارد يتحدث بخشونة، ويجاهر دائما بولائه للنظام أما السيد البدوى فهو مبتسم بشوش يوزع كلماته الحلوة وأحضانه وقبلاته على الجميع. لكن الخطة الموضوعة يتم تنفيذها بدقة.
فى أول يوم تنتقل فيه ملكية جريدة الدستور رسميا إلى السيد البدوى يكون أول قرار يتخذه. إقالة إبراهيم عيسى بطريقة متعسفة ومهينة.. بعد ذلك كان كل شىء محسوبا بدقة.. الصحفيون الشبان الذين ذهلوا وهم يرون البدوى ينكل بأستاذهم فاحتجوا واعتصموا.
هؤلاء مشكلتهم هينة، سيكتب لهم البدوى عقودا جديدة برواتب جيدة تجعلهم ينسون ما حدث.. أما نقابة الصحفيين فقد وجدت نفسها أمام واقعة غير مسبوقة فى الصحافة المصرية. أعضاء مجلس النقابة أخذوا الأمر بجدية وطالبوا بعودة إبراهيم عيسى إلى عمله لأن فصله بهذه الطريقة تعسفى وغير شرعى.. هنا جاء دور نقيب الصحفيين السيد مكرم محمد أحمد، الذى هو من كبار المادحين للرئيس مبارك والمشيدين بحكمته وإنجازاته، راح النقيب وجاء، ثم صعد درجات السلم ونزل عليها، ثم عقد اجتماعات مطولة خرج بعدها لينصح إبراهيم عيسى باللجوء إلى القضاء للحصول على حقه (ياله من دور نقابى فعال).. هكذا تم إنجاز الهدف بإقالة إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير الدستور التى صنعها بفكره وجهده.. وتبين بوضوح أن السيد البدوى ورضا إدوارد ليسا إلا آخر طبعة من رجال النظام. السؤال هنا: كل هذه الخطط والتكتيكات والملايين المهدرة من أجل التخلص من كاتب موهوب شريف لا يملك إلا أفكاره وقلمه..؟ لماذا لا يوظف النظام كل هذا الجهد من أجل إنقاذ ملايين المصريين من الحضيض الذى يعيشون فيه...؟ لقد انتهت جريدة الدستور لكنها دخلت تاريخ مصر كتجربة صحفية ووطنية عظيمة.
أما إبراهيم عيسى فقد نجحوا فى إقالته من رئاسة تحرير الدستور، لكنهم لن يستطيعوا أبدا ازاحته من لوحة الشرف التى تحفظ فيها مصر أسماء أبنائها الشرفاء المخلصين.. شىء واحد لم ينتبه إليه السيد البدوى والذين رسموا له الخطة. أن إبراهيم عيسى الذى صنع جريدة الدستور قادر على صناعة عشرات الجرائد الأخرى، وأن تيار التغيير فى مصر سينتصر بإذن الله لأنه يدافع عن الحق والعدل، بينما يدافع أتباع النظام عن الظلم والقمع والشر. مصر قد نهضت ولن يستطيع أحد، مهما يكن، أن يعطلها عن المستقبل..
الديمقراطية هى الحل
الشروقِ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.