إسرائيل لا تكف عن المحاولة لنزع آخر ورقة مقاومة لدي المصريين وهي التطبيع الثقافي · كل رؤساء مهرجان القاهرة رفضوا مشاركة الأفلام الإسرائيلية بتعضيد من الوزير · لماذا يشارك أغلب المثقفين الوزير ويوافقون علي الدخول طوعاً إلي حظيرته؟! تبدو حجة الترحيب بالمايسترو الإسرائيلي العاشق للسلام «دانييل بارينبويم» منطقية جداً في سياقها الخاص.. فهو صديق للكاتب الكبير الفلسطيني الراحل «ادوارد سعيد» وله مواقف عديدة تؤازر الفلسطينيين وكثيراً ما كان يرفض الممارسات الإسرائيلية ويطالب بدولتين فلسطينية وإسرائيلية ولهذا فإنه أيضاً حاصل علي الجنسية الشرفية الفسلطينية!! كل الأوراق تصب لصالحه الآن مع إضافة أن مصر التاريخ كما ذكر أحد كبار النقاد ومن خلال مبدعيها الراحلين «طه حسين»، «العقاد»، «الحكيم»، «نجيب محفوظ»، «أم كلثوم»، «مختار»، «محمود سعيد» تستقبله في دار الأوبرا بحفاوة ما بعدها حفاوة ولا أدري كيف يتحدث أحد بالنيابة عن كبار مبدعينا الراحلين. إن الحجة القائلة بأن هذا الفنان ضد التعنت الإسرائيلي رغم أنها مقبولة في اللحظة الراهنة وفي إطار هذه الحالة إلا أنها اشبه بمصيدة قد تؤدي بنا إلي تحقيق أجندة غير معلنة للتطبيع الثقافي.. انتظروا قليلاً قبل أن نجد أنفسنا نهرول عاطفياً ونفتح ونحن لا ندري أو ندري ولا نعلن ذلك باب التطبيع.. ألم يسأل أحدكم مثلاً لماذا لا يعرض مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أفلاماً إسرائيلية حتي تلك التي تؤازر موقفنا سياسياً وفكرياً مثل آخر فيلمين إسرائيليين جاءا بالفعل لمهرجان القاهرة تباعاً وهما «زيارة الفرقة» و«الرقص مع بشير».. لم يكن بالمناسبة الرفض سياسياً للأفكار التي يحملها الفيلمان ولكنه المبدأ وهو أننا نرفض إجراء أي نوع من التطبيع الثقافي مع إسرائيل وهو نفس الموقف الذي اتبعته أيضاً كل المهرجانات العربية مثل «أبو ظبي» الذي حاول البعض من خلاله تمرير الفيلمين الإسرائيليين.. هذا الموقف لم يكن رد فعل للفيلمين لكنه سابق عليهما أي أننا لا نشاهد الفيلم الإسرائيلي ثم إذا كان مؤيداً لنا نعرضه ونرحب بمخرجه وإذا كان علي العكس نشجبه.. ليس هذا صحيحاً علي الإطلاق وهذا القرار لا يعبر بالضرورة عن قناعات رؤساء مهرجان القاهرة المتتابعين ولا عن الموقف الرسمي لوزارة الثقافة.. نعم كان الراحل «سعد الدين وهبه» لديه هذه القناعة وكان كثيراً ما يردد: لن أعرض أفلاماً إسرائيلية في المهرجان إلا إذا عادت الجولان لسوريا والقدس عربية عاصمة لفلسطين في هذه الحالة من بكرة أرحب بالأفلام الإسرائيلية هذا هو الموقف الذي أعلنه «سعد وهبه» مؤيداً رأي الدولة الرسمي وبعد رحيل «وهبه» تتابع علي رئاسة المهرجان «حسين فهمي» و«شريف الشوباشي» و«عزت أبو عوف» ونفس الموقف يتكرر: لا لعرض أي فيلم إسرائيلي مهما كانت رسالته.. وللوزير تصريح شهير في مجلس الشعب قال قبل أقل من عام إنه سيحرق الكتب الإسرائيلية ولن يترجمها للعربية ولم يتطرق الأمر أبداً إلي فحوي الكتب معنا أم علينا. لماذا رفض أغلب المثقفين مجموعة «كوبنهاجن» الداعمة والمؤيدة للسلام رغم أنهم كانوا يلتقون مع دعاة السلام في إسرائيل الذين يرفضون الممارسات المتطرفة والعنف الدموي الإسرائيلي؟ إنه المبدأ.. وهذا تحديداً ما اخترقه الوزير ليس منذ استدعائه للمايسترو الإسرائيلي «بارينبويم» ولكن منذ ترشيحه لمنصب أمين عام اليونيسكو تغيرت مواقفه تماماً وهو يسعي للحصول علي تأييد اللوبي الإسرائيلي ولهذا يتراجع عن مواقفه بل ويغالط تصريحاته في مجلس الشعب ويعيد تفسيرها قائلاً إنه لم يعن حرفياً حرق الكتب الإسرائيلية ولكنه تعبير مصري فالرجل من الممكن أن يقول أحرق أولادي وهو لا يعني سوي الطبطبة والدلع علي أولاده وعندما سألوه لماذا لا تعرض أفلاماً إسرائيلية في المهرجانات المصرية وتحديداً مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؟.. لم يقل إنه أصدر تعليماته إلي رؤساء المهرجانات بعدم عرض أفلام إسرائيلية ولكنه أحال الموقف السياسي إلي موقف أمني فقد قال بالحرف الواحد للصحفية الإسرائيلية: إنه يخشي أمنياً علي الأفلام وعلي دور العرض من الحرق ربما يذهب بعض المتطرفين ويلقون قنابل علي الجمهور!! تغير موقف الوزير 180 درجة.. كل ذلك من أجل مقعد اليونسيكو.. إسرائيل لا تكف عن المحاولة لكي تنزع من المصريين آخر ورقة مقاومة لديهم وهي التطبيع الثقافي والغريب أن البعض - ربما أكرر ربما بحسن نية - يتجاوز عن تحليل موقف «فاروق حسني» وتناقضاته من أجل الدخول للحظيرة أي أن المثقف يصبح تابعاً للدولة مؤيداً لها في كل قراراتها كما وصفها «فاروق حسني» حتي الأديب الكبير الذي كان كثيراً ما يشتط في خصومته مع الوزير بات متسامحاً مؤيداً هاشاً باشاً في وجه الوزير!! أنا أتوقع أن ما حدث مؤخراً هو توطئة لما هو قادم وهو التطبيع الثقافي الكامل مع إسرائيل.. فالتمهيد له بدأ من الآن ويجب أن نذكر أنه إذا فتحت مصر هذا الباب فسوف تفتح الأبواب الأخري في أغلب المهرجانات العربية الرافضة.. نعم مازال لمصر دور ثقافي في قيادة توجهات العالم العربي.. فلماذا نضيع هذا الدور؟.. ولماذا يشارك أغلب المثقفين الوزير ويوافقون علي الدخول طوعاً إلي حظيرته.! tarekelshinnawi @yahoo.com