· الاتباع لمن .. الآيات القرآنية أم الروايات البشرية؟ · رفض إقامة الحدود في الإسلام ويصف قصة غار حراء بالأسطورة.. لأن الرسول لم يخف من الثعابين سمر الضوي تصوير : عيد خليل يبدو أن العزف النشاز علي أوتار العقيدة والدين أصبح موضة باعتبار أن الدين مساحة مباحة لتحقيق الشهرة تحت مظلة واسعة اسمها حرية الفكر والاعتقاد دون الأخذ في الأعتبار أن العقيدة الدينية منطقة شائكة ومليئة بالألغام التي تنفجر في وجه من يحاول التشكيك فيها والتلاعب بأصولها وقواعدها ولا يمكن الاقتراب منها والافتاء فيها إلا بواسطة العالمين بأسرارها، والمتخصصين في علومها فقبل أن نفيق من صدمة ظهور ما يطلقون علي أنفسهم معتنقي البهائية، داهمتنا وبعنف صدمة أخري لا تقل في ردود أفعالها عن الأولي وهي عودة جماعة « القرآنيين » للظهور مرة أخري هذه الجماعة التي أعلنت عن وجودها مؤخراً لايؤمنون بالسنة النبوية ولا يعترفون بها ويؤمنون بالقرآن ويرفضون الأحاديث.. إنها ليست نكتة يمكن سماعها باستهزاء لكنها حقيقة فهم لا يعترفون بالأحاديث المنقولة عن الرسول صلي الله عليه وسلم والمجموعة في صحيح البخاري بل يشككون في البخاري ويعتبرون أن الأحاديث هي كلام رواة، وذلك بالمخالفة لما هو معلوم ومنقول عن العلماء والأئمة باعتبار أن صحيح البخاري هو أصدق كتاب بعد القرآن الكريم لأنه يضم الأحاديث التي قالها الرسول. البوح باعتناق هذه الأفكار دفع الشيخ محمود عاشور وكيل مشيخة الأزهر لأن يصف معتنقي هذه الأفكار بالمرتدين وأنهم خارجون عن الملة والشريعة، وقبل أن يتلاشي صدي تلك الفتوي من الأذهان، خرج أحد قادة هذه الجماعة بكتاب حصلنا علي نسخة منه قبل الدفع به إلي المطبعة ويحمل عنوان «الاتباع لمن الآيات القرآنية أم الرويات البشرية» ويحتوي علي 276 صفحة من القطع الكبير، ورقم الإيداع كما هو مدون برقم 18018 المؤلف اسمه علي عبدالجواد يتناول في مقدمة الكتاب، الأسباب التي جعلته يعتنق هذه الأفكار ويأتي في مقدمتها وجود بعض الحدود من القرآن والسنة منها رجم الزاني وضرب الزوجة إذا خالفت زوجها وقطع يد السارق وقد سئل حول تلك الحدود من شخص أمريكي ودفعه هذا للتحقق من الافتراءات علي حد وصفه في الكتاب، أهي من الإسلام أم مدسوسة علي الإسلام، فقرر أن يستزيد من المعلومات الدينية وقد اختلف مع تفسيرات بعض العلماء لأنها تخالف العقل والمنطق. الغريب أنه تعرض لكثير من القيم والمسلمات الدينية فهو لا يعترف بأن النبي «محمد» أمي ورفع عدة شعارات ولاءات، «لا لجهل النبي بالقراءة والكتابة، لا يقتل المرتد، لا لرجم الزاني المحصن، لا لتحريم الذهب علي الرجال، لا لضرب الزوجة، لا لضرب الأبناء من أجل الصلاة، لا تكفي كلمة «أنت طالق» للزوجة لوقوع الطلاق إلي بقية اللاءات التي يعترض فيها علي ما جاء في السنة النبوية من أحاديث وتفسيرات وأمور شرعية. الغريب أن المؤلف يقوم في كتابه بطرح تساؤلات وعلامات استفهام، يوحي بها إلي عدم رفضه للسنة النبوية، وفي نفس الوقت يقوم بانكارها مثل هل القرآن يغني عن السنة؟ ويقول إن كتب السنة تشوه سمعة الرسول فباسم هذه السنة تباح إراقة الدماء في روايات إقامة الحد علي المرتد، ويصف ما وجده في كتب السنة والأحاديث النبوية بأنه تطاول علي الله وكذب علي الرسول نفسه ويتساءل بماذا آتانا الرسول؟ ثم يجيب إن الرسول لم يأتنا بشيء من عنده بل من عند الله وأن مهمته البلاغ وأن الرسول يتبع القرآن ولا يشرع ولا يحرم ولا يحلل، وأن الحدود هي حدود الله لأن النبي بشر، فعلا النبي بشر لكنه لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي!. ولأننا لسنا متخصصين في علوم الشريعة للرد علي كل هذه الأفكار ولأننا لا نملك الإفتاء في شأنها فهذا المجال له علماؤه فأننا سنتوقف فقط أمام الافتراءات علي الرسول وأحاديثه والبخاري الذي جمعها بعد أن حققها فقد تناول وبتطاول واضح يمكن تمييزه من العامة علي الأحاديث النبوية واعتبرها أحاديث للرواة، وليست كلاما للرسول لأن البخاري علي حد قول المؤلف نقلها عن فلان الذي نقلها عن فلان آخر ويأخذ دليلا يعضد به فكرته أن الشيعة كلهم لا يعترفون برويات أهل السنة ويصف ما جاء في صحيح البخاري بأنها غرائب. لم تتوقف الافتراءات عند حدود الرسول والبخاري في ما يخص الحديث فقط لكنها امتدت إلي أن النبي هو الذي كتب القرآن بيده وأن كتبة الوحي كانوا ينسخون ما يكتبه من آيات وأن حجته في ذلك أن هذه الفكرة عقلانية، كما اعتبر أن ما جاء في ما يخص ملك اليمن هو إباحة للزني بالإضافة إلي استنكاره أن تكون الجنة للمسلمين فقط، لكن سيدخلها الجميع ربما يكون استوحي هذه القناعات من الشرائع الأخري، إلا أن قمة المهزلة في التشكيك، وأكرر المهزلة بأن وصف قصة الإسراء والمعراج بأنها غير صحيحة فهناك إسراء فقط ولا يوجد معراج وأن قصة اعتكاف الرسول في غار حراء هي من الأساطير المدسوسة وقد برر هذه الآراء بأن غار حراء كان موحشا ولو كانت هذه القصة حقيقية علي حد وصفه فكيف لم يفكر الرسول في خطورة الغار المفتوح للأفاعي والذئاب وكيف كان يقضي حاجته! هذه تساؤلات وصلت سذاجتها وسطحيتها لطرح كيفية المأكل والمشرب، وراحة النوم ولماذا كان يهجر النبي بيته وفيه زوجته الحنون التي ترعاه، بالإضافة إلي تساؤلاته عن الصوم واعتبر ذلك كله من الأساطير التي يتم ترديدها دون وعي لأنها تخالف القرآن. كما ذهبت خيالات الكاتب إلي العديد من الأمور الأخري التي تخالف القناعات الثابتة ومنها أن فرعون ليس مصريا بل هو من الهكسوس، ويدخل في قضايا متفرعة حول تلك الرؤية ويتساءل لماذا نفخر بأننا فراعنة وقد كان فرعون كافراً وملعوناً وأدلة المؤلف في التوصل إلي قناعاته جاءت من كتب التوراة ومن كتاب «فرعون» وبعض علماء الآثار. الآراء والأفكار المطروحة في الكتاب تذهب بنا إلي ما هو أبعد منها فتلك الأفكار تتجاوز حدود هذه الجماعة التي تريد نسف العقيدة في المجتمع بأفكار استقاها صاحبها، أو أصحابها «سيان» من قراءات لمؤلفات ليست دينية وآراء لعلماء أثريين ومناقشات مع شخص أمريكي «يظل غامضاً لدينا» لأن المؤلف لم يذكر اسمه واعتبرها أفكارا تتماشي مع العقل والمنطق. لكن الأغرب أنه لم ينكر أنه استخدم خيالاته في التعمق أثناء دراسة تلك الأفكار وهي الخيالات التي لا تتفق مع المنطق فهو يروي عن بداية التفكير واللجوء إلي القراءات كانت أثناء هزيمة 5 يونيو 1967 ووقتها كان يشارك في الحرب وأن الموت كان قريبا منه، لكنه نجا بأعجوبة فأراد أن يستفيد من تلك اللحظة بأن لجأ للدراسة والرد علي ما تناولته الصحف والفضائيات معتبرا أن ما يفعله هو الإسلام الصحيح، الذي يتخذ من القرآن فقط دون السنة آراءه وأفكاره التي يعتنقها هو وجماعته وما دام الرسول لم يكتب الأحاديث النبوية ومنقولة عنه مباشرة فهي مرفوضة بالنسبة له، نحن هنا لا نكشف عن جماعة سرية بل أن مؤلف الكتاب سبق وأن جاء بقدميه إلي الجريدة، وأجري معه حديث مطول عن تلك الأفكار وطرحت علي الشيخ محمود عاشور، واتهم تلك الأفكار بالخروج عن الملة، والارتداد عن الإسلام والذي يجعل المؤلف يرغب في عدم إقامة تلك الحدود لأنها تبيح سفك الدماء وباللاءات التي طرحها يحاول ترويج فكرة الدفاع عن الإسلام الصحيح كما يدعي، وذلك للرد علي التساؤلات التي تلقاها من الرجل الأمريكي. المثير في هذا الكتاب الموجود بين أيدينا أنه يتناول آراء شخصية متناقضة ويدلل عليها بالآيات القرآنية ويصف - وهو الشيء القبيح - العقيدة الإسلامية الراسخة عند أغلب علماء الدين، أنها مأخوذة من روايات فاسدة وفي الغلاف الأخير للكتاب يقول المؤلف «إن الأمة الإسلامية تشرذمت منذ الفتنة الكبري حيث ظهرت فرقة أهل السنة وأهل الشيعة وفرقة الخوارج وأن كل فئة ادعت أن سنتها هي الصحيحة عن رسول الله واتخذت كل فرقة روايات عن رسول الله، تؤيد موقفها فكانت الطامة الكبري حيث تسيس الإسلام وأصبح المسلمون فرقا وأحزابا.. إلي أن وصل إلي فكانت عقيدتي هي الآتي، من ينكر السنة فهو كافر بدون عقل.. القرآن قبل السنة.. السنة تابعة للقرآن السنة الصحيحة لا تخالف القرآن، إلي أن السنة ليست هي الروايات التي تخالف القرآن. وهو محاولة من جانبه لإضفاء المصداقية علي ما يقوله من تناوله للسنة لكنه يضر بها في مقتل ويصفها بأنها روايات فاسدة، وخلافه.. وهو يطالب بالابتعاد عن المذاهب لأنه تفرق الأمة.