الذين يعيشون ليتذكرهم الناس لا يشترط أن يكونوا الأبطال الذين يتصدرون الأفيش في الأفلام دائمًا، ولا يشترط أن يكونوا المتصدرين لشباك التذاكر في العادة، الذين يعيشون هم من احترفوا البسمة كطريقة ينفذون بها إلى قلوب جمهورهم، وهكذا فعل "يونس شلبي" . ولد "يونس شلبي" بالمنصورة في مثل هذا اليوم، ليصبح الفتى الريفي ابن الطبقة البسيطة، فنانًا يقرر الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ليصبح المسرح هو تذكرة " يونس شلبي " إلى مبتغاه، يصعد على خشبة المسرح حيث تتلاحق أنفاسه في مواجهة الجمهور الذي يألف وجهه دون الحاجة لتكرار اللقاء، يثبت " يونس شلبي " نفسه ككوميديان وممثل بارع في مسرحية "مدرسة المشاغبين" بعد أن انضم لفرقة "الفنانين المتحدين" حيث رشحه " عادل إمام " لهذا الدور، ومن ثم يصبح الدور بتلقائيته الكبرى، لصيقًا بالفنان الراحل برغم مرور سنوات عدة عليه. الدور الثاني كان دوره في "العيال كبرت" ، يونس برغم تكرار شخصيته إلا أنه يبدو ناضجًا في استخدام تعابير الوجه، لم يتحدث يونس كثيرًا ضاربًا بمقولة "تكلم حتى أعرفك" عرض الحائط، أحب الجمهور الفتى المتلعثم، ذي الجمل غير المفهومة ، ولم ينس اسمه قط. ولكن لعل صوت "يونس شلبي" كان أيضًا هامًا في مرحلة اخرى من عمره، فيونس أو "بوجي" كان هو الصوت الأقرب لقلبنا عند إفطار الأطفال على مدفع رمضان من كل عام، ليصبح مع ارتباطه بهم من أنجح ما قدم التليفزيون المصري بخصوص الأطفال، لينتج منه ثمانية عشر جزءًا، لا يمل منهم أحد، مهما بلغ من العمر، وتبقى العروسة المحشوة بالقطن على شكل "القرد" الأقرب لقلب الجمهور المصري. لم يترك "يونس" السينما بالطبع، ليصبح رصيده منها 77 فيلمًا، بأدوار المساعد والبطل أحيانًا، برغم اشتراكه في عديد من أفلام المقاولات هو وصديق عمره "سعيد صالح" إلا أن النقاد رأوا في عديد من أفلامه بصمة هامة في صناعة السينما، مثل "الكرنك " ، " احنا بتوع الأتوبيس " ، " شفيقة متولي " ، و " أخيرًا طيور الظلام" . "أعيش دائماً بالقرب من الله، الذي أبغي ثوابه عن كل ما أفعله في حياتي من أعمال، ولأنني مؤمن بالقضاء والقدر، والنصيب، فإنني أتقبل أي مرض أو حادث يمر بي برضاء وهدوء وإيمان" هكذا قرر " يونس " ، وهكذا كان القدر، حيث أصيب بأزمة قلبية، وأجرى الأطباء له عمليات كثيرة لزراعة الشرايين والقلب المفتوح، لتصبح نهاية الفنان الكوميدي لا تشبه تلك الحياة التي قدمها عبر الشاشة. كانت بداية تعرضه للمرض في عام 1993 حينما كان يمثل إحدي المسرحيات في دولة عربية، ليتعرض لجلطة في المخ أثناء العرض، يتم نقله الى أحد المستشفيات هناك لتلقي العلاج لكنه طلب أن يستكمل علاجه بمصر، برغم ذلك لم يشف نهائيا من مرضه حيث ساءت حالته، مما اضطره لملازمة الفراش لفترات طويلة، وبخاصة بعد تعرضه لعدد من العمليات الجراحية الصعبة، تكررت إصابته بجلطات في المخ والساقين بشكل أثر على حركته ليبتعد عن مهنته، بل ويزداد الأمر سوءا حينما يعلن الأطباء ضرورة خضوعه لعملية جراحية دقيقة وخطيرة في شرايين القلب، لتعاني زوجته في التدبير المالي لتلك المشاكل التي عصفت بهم على غير موعد، يقول يونس " أنا لم أطلب من أحد أن يعالجني لأنني قدمت للدولة الكثير، وكنت أقوم بدفع الضرائب المستحقة عليَّ وحان الوقت الذي تقوم فيه الدولة برد الجميل لأبنائها" ومنها قررت نقابة الممثلين أن تتكفل هي بالعلاج، يبتعد أصدقاء يونس عنه رويدًا، ويبقى الذي صنع البسمة وحيدًا بين الجدارن الاربعة للمستشفي. ليذهب بهدوء عام 2007 بعد ثمانية سنوات من ألفة المرض، حيث دفن في نفس المدينة التي شهدت مولده "المنصورة" .