كان الرجل الخائف يسير في المظاهرات ضد الملك وحتي لا يتم توجيه الإتهام له كان يهتف بعبارات عامة فإذا ما هتف قال " يعيش السمك في الماء " أو " يسقط المطر في الشتاء " وبذلك فلا هو هتف بحياة أحد ولا بسقوط أحد...وهذه الشجاعة تسمي " شجاعة الصحراء " ..وقد سميت بذلك نسبة إلي هذا الرجل الذي خرج في وسط الصحراء حيث لا يوجد أحد ليسب الحاكم و ينتقده ثم يعود إلي بيته وعلي وجهه علامات الرضا.. علي الأقل لأنه دخل معركة بلا تضحيات ..وكان الملك فاروق هو نجم مصر الأول بلا منازع..يقبل الجميع يده ويتغنون له في الأغاني والحفلات..إلا أنه وما أن ذهب الملك فاروق حتي تغيرت الأقلام تجاهه ..وهاجمه الناس وقاموا بمحو اسمه وصورته حتي من الأفلام القديمة..وخرج شجعان الصحراء ليتهموا الملك في الإذاعة بالخيانة والفساد وغير ذلك ..ثم جاء الرئيس محمد نجيب ..ومن بعده جمال عبد الناصر ومن بعده أنور السادات حتي انتهي الأمر بالرئيس السابق محمد حسني مبارك و الذي تجرع أكبر قسط من شجعان الصحراء الذين يزرعون بطولاتهم الآن علي جسد الرجل الذي لم يعد يملك شيئاً ..وفي المقابل فإن هناك فرساناً حقيقيين رفضوا ذلك وقرروا أن يحددوا من الذي يجب أن يعيش و من الذي يجب أن يسقط..وأجمعوا علي ألا يتواري أحدهم خلف مسئولية الوزير زيد أو عبيد وإنما عليه أن يحدد أن منهج الإصلاح لابد وأن يبدأ بإزالة الرأس ...وبدأ الأستاذ إبراهيم عيسي والاستاذ ووائل الإبراشي في الحديث صراحة عن فساد الرئيس فقصا الشريط و فتحا الطريق أمام الجميع في حياة الرئيس السابق..وكان ذلك في وقت يردد فيه الكثيرون "يعيش السمك في الماء" و " يسقط المطر في الشتاء " ثم قرأنا ونحن في السجون لعبد الحليم قنديل ..صاحب الرأي الصلب ..وهو يتناول فساد الرئيس صراحة ..وفي ذات الوقت لم يكف مجدي حسين عن الكتابة في موقعه محدداً الهدف وهو الرئيس حسني مبارك نفسه..ثم تكونت حركة " كفاية " ..التي وجهت خطابها المباشر إلي شخص الرئيس ثم حركة "6أبريل" ..وطبعاً هناك العشرات من الرجال أمثالهم والمواقع الإلكترونية ولا أظن أن واحداً منهم سيغضب لأني نسيت اسمه أو لأني لم أذكره ...وظلت جريدة الدستور تحت قيادة إبراهيم عيسي هي الكابوس الذي يؤرق عين الفساد..و الرئيس السابق شخصياً..وكنت أتابعها منذ أن كان المرحوم أحمد الخواجة المحامي هو المستشار السياسي للدستور وكنت أسمعه يردد: أن هذه الجريدة بمثابة الشوك علي فراش مبارك .. هؤلاء و غيرهم هم الذين صرخوا في المدن و بين الناس وأراهم الآن قد تفرغوا لبناء المستقبل ومحاولة تصحيح المسار الذي لم يتم تصحيحه بعد..أما الذين كانوا يصرخون في الصحراء ..ويكتبون كلاماً عاماً غير مفهوم..فهم يظهرون الآن علي شاشات الفضائيات ليحكي كل واحد فيهم عن بطولاته وكيف أنه كان يكاشف الرئيس بالفساد..ويواجه الانحراف .ولا يقول لنا هذا الشجاع ما الذي جعله يبقي في الحكم رغم ذلك أو يستمر في قيادة الحزب الوطني..أو يقبل نتيجة انتخابات زائفة.. وللحقيقة فقد رفض اللواء أحمد رشدي وزير الداخلية الأسبق و اعتذر في حسم و أدب للمذيعة الفضائية وكأنه يقول لنا إن سوق الشجاعة انفض..وأن وقت الشجاعة وإبداء الرأي كان مفتوحاً حتي الخامس والعشرين من يناير، أما بعد ذلك التاريخ فلا شجاعة لإعلامية تركت آمال الجماهير وسارت خلف المال تجمعه من الدعاية الفاشلة لأفلام هابطة أو لإعلامي كان يتظاهر بمساندة أحلام الفقراء ..لكي يؤكد أن مصر بها حرية صحافة وإعلام.. أو وزيراً بقي في وزارته شاهداً علي فساد الآخرين حتي طرده الرئيس السابق ومنحه إستمارة "6" تأمينات أو عضو بمجلس من المجالس تم تعيينه بالفساد والتزوير .. وبمناسبة شجعان مصرفيروي أن الرئيس السادات كان كثير الروايات عن مواقفه البطولية مع الرئيس جمال عبد الناصر - بعد موت الأخير طبعاً - ..وكان يقول إنه دائماً ما كان ينصح الرئيس عبد الناصر ويقول له "يا جمال لابد من تأمين الجبهة الداخلية"..و" يا جمال لابد من تطوير الاقتصاد" ..فجاء الرئيس جمال للرئيس السادات في المنام ..و قال له وهو ينهره : " تقوللي تأمين الجبهة الداخلية أقولك ماشي..تقوللي تطوير الاقتصاد أقولك ماشي..لكن بالله عليك..إنت كنت تقدر تناديني باسمي كده و تقولي يا جمال؟؟؟!! " و عجبي مختار نوح